مجرد كلام

اسماء محمد جمعة

الحديث عن الإصلاح في هذه الحكومة أصبح جزءا من متطلبات المنصب، إذ لابد أن يتحدث عنه أي وزير مجرد حديث والسلام، ربما يخلو حتى من النية الصادقة، لأن النية أن وجدت يتحقق العمل ولو بقدر ما، والإصلاح يظل غير ممكن والسودان بحاله الراهن لسبب بسيط وهو أن طريقة اختيار الوزراء أنفسهم واحدة من الأسباب التي تنتج الفساد، والخراب الذي أصاب المؤسسات كان سببه الوزراء الذين جاءت بهم الحكومة على هواها، إما ترضية أو مجاملة، أو نتيجة تسويات واتفاقيات، أو أنهم كوادر مؤتمر وطني من النوع الذي لا يجيد إلا إنتاج الأزمات وتوطينها، قليلون من جاءت بهم بناءً على كفاءتهم.
أغلب المسؤولين في السودان جاءوا من اجل المنصب، ولذلك نجدهم يقبلون أي تكليف حتى وإن كان لا علاقة له بدراستهم أو خبرتهم أو تجربتهم العملية، ولدينا الأمثلة كثيرة وما أعجزهم من وزراء.
وزارة العمل والإصلاح الإداري واحدة من الوزارات التي نكبت بعدد من هذا النوع من الوزراء عدة مرات حتى أنها أصبحت وزارة عاجزة عن العمل، رغم أنها من اهم الوزارات ويقع على عاتقها مسؤولية بناء أهم نظام يحافظ على مؤسسات الدولة في إطارها السليم وهو نظام الخدمة المدنية.
كل وزير جاء إلى وزارة العمل ترك إرثا ثقيلا من الفساد ورحل، الآن جاء إليها الدكتور أحمد بابكر نهار، المنشق من حزب الأمة القومي، والذي ظلت الحكومة تمنحه كل مرة وزارة حتى لا يهرب منها، هو الآن يتحمل أمانة وزارة العمل وقبل بها بكل ما فيها من فساد وأخطاء لمجرد أنها وزارة، وسيكون هو وزيرا عليها وبذلك هو مثل الذين قبله.
صرح نهار بأن وزارته تتجه نحو الإصلاح وتفعيل قوانين المحاسبة وتطبيقها على جميع الموظفين والعاملين على المستوى الإداري بمؤسسات الدولة بغرض كبح جماح الانفلات والتدهور الذي صاحب الخدمة المدنية, وقال إن إصلاحاته الآن بصدد تقوية الوزارة نفسها وذلك بوضع الكفاءات في مكانها المناسب ثم الانتقال إلى المؤسسات والولايات، السيد نهار (بتونس ساكت) ولن يستطيع فعل أي شيء، فوزارة العمل ليست المكان المناسب له نفسه قبل الآخرين، فهل يعقل أن يكون هو أفضل من يتولى أمر هذه الوزارة، قطعا لا والحكومة أن كانت تريد إصلاحها فعلا لما جاءت به فهناك مكان آخر انسب له.
الخلل في وزارة العمل والإصلاح الإداري والانفلات الذي يتحدث عنه نهار كان نتيجة سياسات سلفه الذين جاءوا من اجل الهدف الذي جاء به هو الآن، وإن كانت الحكومة تريد من يصلحها لما اختارته هو ولا الذين قبله وزراء لها، ولكن لأنها أصبحت وزارة ترضيات فلا يهمها من هو اهل لها.
الإصلاح في الخدمة المدنية ليس مفصولا عن إصلاح الدولة كلها وهو يبدأ بنوعية الوزراء وكيف يتم اختيارهم، فالوزير الذي يأتي لحسابات لا علاقة لها بالمصلحة القومية لا يمكن أن يقدم شيئا إلا لنفسه، ما معنى أن يأتي وزير لأنه ينتمي إلى قبيلة كبيرة أو حركة متمردة أو حزب منشق أو لأنه كادر يجيد فنون اللعب أو شيء من هذا القبيل لا شك أن الوزارة ستكون في آخر اهتماماته وكل ما يقوله هو مجرد كلام . .

التيار