أما آن لنا أن نتوحَّد وننبذ الخلافات؟

صلاح محمد عبد الرحيم
رشح مؤخراً فى الأسافير تسجيلات ومقالات عديدة تحدثت عن لقاء البرهان والدكتور حمدوك فى الأمارات برعاية إماراتية سعودية وأن قوى الحُريّة والتغيير فعّلت مسالة الشراكة مع العسكر ولابد من استرجاع السيادة للمدنيين فى قيادة البلد ، وهنا وجب القول بأن قوى الحُريّة والتغيير أساساً غير موجودة حالياً على الساحة السياسية حيث أنّ قادتها قد تم الزجُّ بهم داخل السجون من قبل الإنقلابيون ، أما من تبقّى من قادة يدّعون أنهم يمثلون الحريّة والتغيير فليس لهم حسبانٌ غير أنفسهم ، ولست بصدد ذكر أسمائهم فهم معروفون للكل ، وقد شهدنا مواقفهم المُخزية طيلة الفترة الإنتقالية لذلك إن حدث فعلاً ما يتم تداوله يكون المقصود بالحرية والتغيير ما يسمى بالميثاق الوطني أو قحت (2) “جناح المنتفعين آكلي الموز وفلول الكيزان” الذين يتجرّعون الحنظل منذ هزيمتهم وسقوطهم الشنيع والمدوي امام الشعب السودانى وافتُضِحَت جرائمهم جالبة لهم العار ، كذلك ومن ضمن ما ورد في الإتفاق المزعوم أن يتم السماح للمؤتمر الوطني بمسمياته المُختلفة بممارسة نشاطه كشرط لنجاح الإتفاق ، إضافة الى قفل الملفات الساخنة على الساحة “ولم تذكر المصادر تلك الملفات الساخنة ولا درجة سخونتها” وأيضاً ورد التلويح بتورط قحت فى قضايا جنائية داخلية وقضايا ذات بُعدٍ استخباري يرمي الى تأكيد نسف الوثيقة الدستورية التي تم التعبير عنها بالتعديل ! .
الواضح أن المصدر هو إعلام امني استخباري مُنظم من اللجنة الأمنية يهدف فى محاولة بائسة لإيجاد مخرج جديد للإنقلابيين من (أم كُوبك) التي أدخلوا فيها البلد ، إضافة الى كونها عملية جس نبض وبالون اختبار لمعرفة ردة فعل الشارع المُسيطر على الأرض بتواصل مواكبه الرافضة للإنقلاب والإنقلابيين والدعوات إلى الإضراب عن العمل وتتريس شوارع المدن الرئيسية ومداخل ومخارج الطرق القومية الذى يتزايد يوماً بعد يوم في مختلف مدن السودان المنتفضة.
والمُلاحظ فى ذات السياق ظهور تسجيلات ومقالات أخرى تتحدث عن لقاء الإمارات وعودة الدكتور عبدالله حمدوك وطاقم مكتبه ووزارته وإشراك لجان المقاومة فى المجلس التشريعي المرتقب .. جل تلك المقالات تؤكد أن ما يجري من مداولات يصب فى مصلحة تقدم الثورة وانتقالها لمرحلة جديدة ربما يقودها لإيجاد أفضل الحلول بعد انسداد الأفق السياسي الذي وصلت إليه البلاد نتيجة لهذا الانقلاب الفاشل الأهوج ، وصعوبة التوافق على شخصيات تقود هذه المرحلة المفصلية ، لا أعني هنا عدم وجود كفاءات ولكن لا الوقت ولا المرحلة تتحمل أي تخوين أو اغتيالات ممنهجة للشخصيات أكثر مما هو حاصل ويحصل بشكلٍ ملحوظ خلال الفترة الإنتقالية أو مرحلة ما قبل انقلاب البرهان المشؤوم فى أكتوبر المنصرم ، لذلك على القوى الثورية إدراك ذلك وعدم الإنجراف وراء الإعلام المُضاد الذي لا زال ينشر الضلال والزيف.
أمّا عودة حمدوك التي قد تطيل وجود قيادات العسكر والقتلة كما حدث فى الفترة السابقة ولا أظنه سيعود لمشاركتهم من جديد ، ولكن إذا افترضنا عودته مرة أخرى بكامل الصلاحيات ، فأظن انه قد وعى الدرس جيداً.. فانه سيكون الأنسب فى الوقت الحالي لما يتمتع به من قبول من غالبية أبناء هذا الشعب ، فقط علينا ان ننظر لإنجازاته وما يحظى به من تقديرٍ دولي وثقة عالية محلياً وإقليمياً بغض النظر عن إخفاقاته والسلبيات التي صاحبت فترة رئاسته لمجلس الوزراء بسبب ضغوط العسكر ومكائدهم ، وخير دليل على ذلك إحتجازه المجحف بأمر قادة الإنقلاب وحتى لحظة توقيع اتفاقيته مع البرهان والتى استقال بعدها.
البرهان ونائبه الجاهل هما العثرة الحقيقية لتقدم الثورة السودانية ونهضة البلاد التى آن أوانها منذ حين ، إلاّ أن أياديهم المُلطّخة بدماء شباب وشابات هذا الوطن المثخن بالجراحات حالت دون ذلك ، وعليه فلابد من الإلتفاف حول مبادرةٍ تقود القوى الثورية إلى التحكُّم فى مقاليد الحُكم ، بمعنى السيطرة على وزارات الداخلية والدفاع والمالية والخارجية تحت حكم مدني كامل واستقلالية القضاء حتى يتم ردع ولجم المتفلتين من مليشيات الجنجويد وغيرهم من الذين يعبثون بأمن الوطن والمواطن وينتهكون أعراضه وحرمات بيوته ، ناهيك عن القتل الذى صار يحدث بصورةٍ يوميةٍ ، حتى أصبح مشهداً اعتيادياً رؤية ما يمارسه هؤلاء المجرمون دون عقابٍ أو مُساءلة .
قد لا يختلف اثنان بأن الوطن مُخترقٌ أمنياً واستخبارياً تديره دول محور الشر لصالحها ومراعاةً لمصالح دول كبرى وعظمى ، لذلك فإن هذه المحاور الإقليمية والدولية لن تتفاوض بأي حالٍ من الأحوال مع لجان مقاومة او مهنيين ، وبكلّ بساطةٍ لأنهم يعلمون أن أولئك سيُبطلون ويرفضون مخطّطاتهم ، لذلك فهم يلجأون الى شخصيات حزبية سياسية تخدم مصالحهم أو شخصياتٍ مؤثرة تدين لهم بالولاء بدافع الحماية من أن تطالها يد العدالة أو الإرتزاق ، لذلك توجب على القوى الثورية أن تدفع أكثر بعجلة الثورة تجاه التغيير المنشود ، وذلك بصياغة ميثاق وطني تتوحد حوله كل أطياف الحراك الثوري من مهنيين وحرفيين ولجان تنسيقيات مقاومة وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وشخصياتٍ وطنية تؤمن بالتغيير الذي حدث ، وما يقدمه شباب الثورة حتى الآن من صمودٍ بطولي فى وجه الإنقلابيين وثباتٍ مُذهل على اللاءات الثلاث (لا شراكة .. لا تفاوض .. لا شرعية) والتي ظلت تنادي بها في مواكبها الهادرة ، وتقدم فيها الشهيد تلو الآخر دون خوفٍ أو وجل حتى تبلغ غاياتها وتحقّق مطالب الثورة والشعب ، وتتصدى لمخططات هدم مطالب الثورة ووقف ترويع أمن المواطن وتهديد استقراره ، وأيضاً توقف تبديد ثروات الوطن الوفيرة ونهبها ، وتعمل على بناء سودانٍ جديد يقوم على أساس المواطنة والعدالة والمساواة والحرية ونبذ القبلية والعنصرية ، واستعادة أزمة الثقة المفقودة منذ انقلاب الكيزان البغيض في العام 1989م .. ومن المهم جداً على أحزابنا السياسية إدراك أهمية دورها فى الوقت الراهن وترك الصراعات جانباً والإلتفاف حول ميثاق لجان المقاومة ودعمه معنوياً وإعلاميًا وإفساح المجال لهؤلاء الشباب فى قيادة التغيير ، فبعد أن هبّت رياح الثورة ، فإنّ التغيير لا محالة آتٍ آت
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار ، والعزّة والشموخ والإجلال لهذا الشعب السوداني العظيم ، مُعلّم وقائد ومفجّر الثورات ، وملهم الوقوف في وجوه الطغاة والقتلة والمُفسدين بكلّ قوّةٍ وثبات .. وها قد أزِفَ شروق شمس الحرية والإنعتاق من ظلام هيمنة الديكتاتوريات العسكرية والى الأبد بمشيئة الله تعالى ، وإنّ غداً لناظِرِهِ قريب.
كدي خلينا نشوف يوم بكرة ٦ أبريل يعدي كيف.. الجماعه خاتين أوراقهم كلها فيه واذا ما جاب فايده يمكن يسمعوا لنصيحتكم.