خربشة على جدار الوطن 4

عذرا للانقطاع ونعود ونواصل في مسيرة وذكريات وطن رائع وأمة أروع
لازلنا على متن طائرة الخطوط الجوية السعودية وهي في طريقها للهبوط بمدرج مطار الخرطوم الدولي (المدني) وقد بدأت الرؤيةتتضح شيئا فشيئا وهي الان على اتمها حتى اننا نشاهد بعض المارة ومن بداخل السيارات بوضوح تام
والطائرة تقترب من مدرج المطار الذي بدا واضحا ايضا وسرعتها تنخفض رويدا رويدا وصوت انزال العجلات تمهيدا للهبوط والهبوط في عرف الطيارين ولغة الطيران هو من ادق واصعب المواقف واكثرها خطورة ويتطلب قدر عالي من الحرص واليقظة والانتباه من الكابتن ومساعده
ونظرة من نافذة الطائرة الى الخارج كانت الخرطوم وقتها قد استيقظت بعد عناء ليلة مرهقة واحلام وحكاوي الاستقلال وذكريات الحركة الوطنية والزعيم الازهري والسيدين وحركة اللواء الابيض ومؤتمر الخريجين وحركة نشطة في شوارعها المغسولة برهق التعب وطرقها النائمة على رصيف الامنيات
وسيارات مختلفةمتنوعة تجوب تلك الطرق وقد امتلات كباري العاصمة واكتظت بالزحمة والمركبات والنيل يلمع من تحتنا وبدأت العمارات الشواهق والطائرة تحلق على ارتفاع منخفض للغاية وتكاد تلامس عجلاتها مدرج المطار —
هبوط رائع جدا لم يشعر به أحد ينمّ عن خبرة طويلة وتمرس في الهبوط الآمن من كابتن الطائرة السعودي الجنسية -لامست عجلات الطائرة مدرج المطار واستوت فوقه تماما بعد أن خف هدير المحركات العملاقة بل كاد ان يتلاشى ذلك الصوت المرعب -وصوت الميكرفون الداخلي (هبطنا بسلام في مطار الخرطوم الدولي -درجة الحرارة بالخارج 31 درجة الجو مشمشس ومعتدل وتتخلله بعض الغيوم -نتمنى لكم اقامة طيبة – ونتمنى ان نلتقيكم مرة أخرى على متن الخطوط السعودية )
بدأت الحركة داخل الدرجة السياحية في التصاعد من جديد والمسافرين يتهيأون للنزول وفتح للادراج العلوية وانزال لحقائب السفر المسموح بحملها داخل الطائرة وبعضها لاتحتملها المساحات المخصصة للعفش اصلا وهذا هو طبعنا نحن معشر السودانيين العفش والوزن الزائد – النساء يصلحن من هندامهنّ -والرجال بدأوا في لف العمائم وعمال المناولة الارضية بارض المطار قد شرعوا في التجهيز لنزول المسافرين من احضار للسلم المتحرك وسيارات نقل العفش -فتحت ابواب الطائرة وبدأ الركاب في النزول استعداد للصعود الى الباص الذي يقلهم لصالة القدوم
بدت الخرطوم في ذلك الصباح الجميل كعروس في ليلة زفافها -كان الجو العام مفعما بالشجن والوجد والالفة والمودة -كان الشوق الى الوطن والعصاري الندية والامسيات الباهية قد بلغ منتهاء الم اقل لكم انه وطن رائع في كل شي في حزنه وفرحه في صموده وصبره في بهجته ومسراته -انه وطن ذو مذاق ونكهة خاصة كنكهة الاناناس الفلبيني المعطون بالمنقة الكسلاوية رغم كل مافيه من سؤ ومآسي وأحزان وجراحات مثخنة -رغم مايعتريه من فساد وافساد- وهجر وجفاوة ابنائه وبناته -رغما عن كل مايحيط به إلا أنه لايزال صامدا صابرا قابضا على جمر القضية في انتظار فجر الخلاص والانعتاق يحلم بالمجد القادم من خلف حجب الغيب ودهاليز وسحارات التاريخ العتيقة -وكيف تبنى الامم وتعيد صياغة تركيبها من جديد – وقطار الحياة ماضي نحو محطته الاخيرة والناس في وطني يعشقون الحب -كلامهم كله جميل -احاسيسهم عامرة مترعة نابضة بالوفاء والاحترام لبعضهم البعض
نسيمات صباحية تدغدغ وجوهنا وتداعب احاسيسنا وتصيبنا بنوع من الخدر اللذيد في ذاك الصباح الباهي النديّ واطنان من الشوق تزحف نحو حواري وازقة العاصمة وولايات بلادنا المختلفة ويالخوف فؤادي من غد –
الذكرى الحبية تعربد في مسارب الروح الظمأى والعطشى للالفة والمودة -تبادل للتحايا والسلام والابتسامات بين الركاب وعاملي المناولة الارضية الذين لفحت وجوهم شمس بلادي الحارقة الا انهم لايزالوا يؤدون رسالتهم في الحياة نحو وطنهم وابنائهم بفخر وشرف ورجولة ونظرة اعزاز ووفاء لوطن عظيم رائد سيبلغ منتهي قوته خلال سنوات باذن الله تعالى
بدا الوطن رائعا مهيبا شامخا كعادته منذ الاطلالة الانيقة الاولى عليه وثراه يحيينا نحن ابنائه وبناته العائدين من حجب الغيب ستارا يداوي جراحاته النازفة ويرسم لوحة مشرقة في سماواته النضرة انها تراجيديا الزمن العابث بالاشياء والحضارة والتاريخ والانتماء وشي من هرطقات وخربشات على جدار وطننا من هنا وهناك
دقائق ونحن في صالة القدوم أمام كاونتر الجوازات وحضور ووصول مواطن واعتقد ان ادارة جوازاتنا هي الوحيدة في العالم التي توزع ذلك الفورم على متن الطائرة ولا ادري الغرض منه حتى تاريخه؟؟ -تراصت الصفوف وبدا العبوس والوجوم والتكشيرة المميزة لموطفي وموظفات الجوازات ونحن من كنا نتوقع استقبالهم لنا بوجه نونه عميقة بالسرور وبابتسامة صداقة صافية نابعة من القلب للقلب بصفتنا اخوة واخوات طال غيابهم
لم تستغرق اجراءات الجوازات وتاشيرة الدخول سوى دقائق رغم العبس والتكشيرة المميزة وان كنت اتمنى ان تبادر هذه الادارة الكبيرة الفتية على تدريب منسوبيها العاملين في المطارات كيف يستقبلون اخوانهم واخواتهم العائدين من المنافي والمهاجر البعيدة ؟ واعتقد ان في اعماق اي واحد منهم قصة طويلة يطول شرحها –
كانت صالة القدوم بائسة واقرب الى خيال المآتة منها كصالة قدوم لم تطالها يد التغيير والتطوير والحداثة لسنوات وظلت على ماهي عليه تشتكي حظها العاثر وبؤسها وهوانها على الناس والعالمين رغم انها واجهة وطننا الاولى لضيوف بلادنا والقادمين والزائرين لها لاول مرة وهذا لحاله يتطلب اهتمام المسئولين بادارة الطيران المدني بها وتطويرها لكي تماثل على الاقل صالات القدوم في المطارات المتقدمة والحديثة أو تقترب منها وهي مسالة في تقديري لاتحتاج ميزانيات ضخمة ولا تكلفة عالية بقدر ماتحتاج الى ادارة واعية حريصة متفهمة تعرف مهامها وواجباتها وتدرك بالضرورة القصوى ان هذه واجهة دولة وشعب صاحب حضارة وتاريخ وليس بقالة أو مقهى— نواصل

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الاستاذ القانوني المميز طارق
    خربشاتك على جدار الوطن تحفة أدبية رائعة تستحق القراءة سلم قلمك السيال

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..