أندية ومقاهٍ عشوائية

أندية ومقاهٍ عشوائية
أي شخص زار الخرطوم سيعتقد أن غالبية شبابها يعيش في حالة فراغ دائم؛ فهم يوجدون في الشوارع بكثافة وبشكل مستمر، إما تحت ظلال الأشجار يشربون الشاي والقهوة أو في شوارع الأحياء وهكذا، مما يؤكد- فعلا- أنه لا توجد أماكن عامة يذهبون إليها من أجل الاستفادة من زمنهم- كما هو حال الشباب في كل العالم؛ مما يعني أنهم يعيشون في حالة تهميش رسمي من قبل الدولة.
من يرى الشباب في ولاية الخرطوم بل وكل السودان يشعر كأنه في دولة يحكمها استعمار يريد أن يحتفظ بشبابها عاطلا ومقعدا، فقد أغلقت أمامهم عمدا أبواب العلم والعمل والنشاطات بجميع أنواعها الرياضية والثقافية والاجتماعية، حتى ما أتيح لهم وجوده كعدمه، وفوق كل هذا يعيشون في مجتمع مكبل بالفقر والمرض والمشاكل الاجتماعية، كثيرون استفادوا من هذا الوضع واستثمروا في الشباب الذين يدفعهم الفراغ إلى الانخراط في أي برنامج دون تفكير.
أندية المشاهدة ومقاهي الشيشة العشوائية واحدة من مجالات العمل التي فكر فيها بعض الشباب وسيلةً تدر عليهم مالا، حتى تكون هذه الأندية والمقاهي أكثر جاذبية فهي تقدم الممنوع وكل ممنوع مرغوب، فتوفر مشاهدة ما لا يمكن مشاهدته علنا وتعاطي ما لا يمكن تعاطيه علنا، وبما أن حكومة الخرطوم لا يهمها الشباب بقدر ما يهمها المال فهي تركتها تنتشر وغضت الطرف عنها زمنا طويلا حتى انتشرت ثم تقوم بعمل كشات ومحاكمات كل فترة وفترة هدفها الغرامات، فهي تعلم تماما أنها تدر مالا جيدا على أصحابها، هذه النوادي والمقاهي اسم على غير مسمى وتفتقر إلى كل المواصفات التى تجعلها أماكن عامة، بل هي فوضى مثل كل مجالات الفوضى التي تتركها الحكومة تنمو ثم تحاكم أصحابها بالغرامات.
في شهر مايو الماضي تمت محاكمة 13 متهماً من ملاك مقاهي الشيشة وأندية المشاهدة في محكمة حماية البيئة بالخرطوم شمال؛ لمخالفتهم قانون البيئة، ومكافحة التبغ، من بينهم المتحري نفسه، ولم تفعل الحكومة ذلك وحدها من أجل حماية الشباب بل لأن السكان من اشتكوا أن تلك النوادي سبّبت لهم الإزعاج وتراكم الأوساخ.
هذه النوادي والمقاهي ظهرت نتيجة لإهمال الحكومة حقوق الشباب، وهنا كان يجب على نواب المجالس التشريعية الذين يفترض أنهم صوت الشعب ومراقبون للحكومة أن يمارسوا الضغط عليها، ويناضلوا من أجل تغيير الواقع والظروف التي يعيشها الشباب في الخرطوم، ومن أجل تفعيل دور النوادي الحكومية، وتأسيس المزيد منها، وتوفير المؤسسات التي تستوعب الشباب، وتوفر لهم مقومات التطور والإبداع والحماية، لكن هذا لم يحدث وخلال السنوات الماضية لم تنتشر نوادي المشاهدة ومقاهي الشيشة- فقط ? بل وظواهر أخرى كثيرة، كلها أثرت على الشباب سلباً، ولا حياة لمن تنادي.
في ونسة لمجلس تشريعي الخرطوم قال إن نوادي المشاهدة أصبحت مهدداً اجتماعياً، وهذه ليست هي المرة الأولى يقول فيها هذا الكلام دون أن يفعل شيئاً، وهو يعلم من زمان أن ونوادي المشاهدة لم تكن يوما آمنة على المجتمع، والحكومة أيضا تعلم هذا لكن لأنها غير مستعدة لرعاية الشباب وحمايتهم؛ فهي تترك كل شيء للظروف كعادتها، فهي الحكومة الوحيدة في العالم التي تهمل الشباب عن قصد، وقطعا سيأتي اليوم الذي ستدفع فيه ثمن هذا الإهمال الذي سيكون غالياً جداً.
أسماء محمد جمعة
التيار