تشكيل وزاري .. فريد من نوعه

تشكيل وزاري .. فريد من نوعه

الطاهر ساتي

** قبل عام ، جاء أحد أعمامي بابنته إلى الخرطوم – مكرها – ليلحقها بإحدى الجامعات ، وكانت تلك زيارته الأولى والأخيرة لعاصمة البلد ، فهو من المرابطين بقرية كثافتها السكانية لاتتجاوز الخمسمائة نسمة..خرجت به ذات صباح في إطار برنامج سياحي ليعرف بعض ملامح الخرطوم ، وساقتنا خطى القدر إلى السوق العربي ساعة الذروة وزحامها الذي أدهش عمي وأرغمه على التساؤل : يا ولدي الناس ديل بالليل بيرقدو وين ..؟.. فأجبت ضاحكا : في بيوتم .. فأردف سؤاله باستدراك فحواه : لا أنا قصدي الحكومة بتكفيهم عناقريب وسراير كيف ..؟..فضحكت على نواياه الطيبة التي تظن بالحكومة خيرا ، فالمسكين لايعلم أن ذاك الزحام البشري هو من يوفر المرقد الوثير للحكومة ، وليس العكس ..!!

** المهم ، تذكرت حيرة عمي ثم احترت مثله وأنا أطالع أسماء السادة الوزراء ووزراء الدولة الذين تم اختيارهم مساء أول البارحة ، حيث تساءلت أمام تلك الأسماء لا إراديا : الحكومة بتكفيهم مكاتب وعربات ومرتبات كيف ؟..القائمة طويلة ، حين تختمها تكون قد نسيت أولها ، فتبدأ تذكير ذاتك من (أول وجديد ) .. قلبي على الصحف وأرشيفها الذي يجب أن يحتفظ بأسماء وصور هذا الفيلق ..خمسة وثلاثون وزيرا ثم اثنان وأربعون وزيرا للدولة ، ما شاء الله ( عيني باردة ) .. لو لم يكن القرار صادرا من رئاسة جمهوريتنا وخاصا بدولتنا السودانية فقط لاغيرها ، لحسبت أن المراد بهذا الجيش من الوزراء هو السيطرة على أنظمة دول إفريقيا وإدارة أمر شعوبها..!!

** نعم ، السلطة الحاكمة بالسودان – كما بعض مرافق الدولة العامة – مترهلة .. وبمناسبة المرافق ، مدير عام الطيران المدني كان قد ذكر ذات يوم بأن الهيكل الوظيفي بمرفقه يشمل خمسة وعشرين ترزيا ، على سبيل مثال الترهل .. مجلس الوزراء المرتقب لايختلف عن هذا المرفق من حيث الترهل ، بيد أن سوط الهيكلة سيكتفي بجلد ترزية الطيران المدني – وأمثالهم – على بطونهم ، لأنهم بلا ظهور كما هذا الفيلق .. سبحان الله ، أمريكا التي تحكم العالم تشكل حكومتها بأقل من عشرين وزير فقط لاغير ، أما نحن – ناس شوفوني أنا وزير – نملأ مجلس الوزراء بكل من يأنس – ولا يأنس – في نفسه الكفاءة ، لترضية الأذواق القبلية والعشائرية ومراكز القوى والمؤلفة قلوبهم على إرهاق كاهل المواطن ، تحت مسمى حكومة الوحدة الوطنية .. وكأن المعني بالوحدة الوطنية هو الاتحاد ضد المواطن واضطهاد موارد بلده عبر مزايا وامتيازات هذا ( الجيش العرمرم )..!!

** على سبيل المثال – إحصاء القائمة كلها أمر مرهق – وزارة الزراعة كان بها وزيرا وآخر قبل شهر ونيف ، فصار بها حاليا وزيرا وآخر للدولة ثم ثالث لذات الدولة ، وليس لدولة مجاورة .. ربما جاءوا بالثالث خصيصا لسندس أو مشروع الجزيرة ، حال هذا وذاك – فعلا – يستحق ( وزير خاص ) .. وكذلك وزارة الثروة الحيوانية والسمكية ، كان بها وزيرا وآخر للدولة ، فصار بها حاليا وزيرا ثم اثنين للدولة .. جميل ، فليمسك أحدهم ملف الأبقار والبلطي ويدع للآخر ملف الضأن والقراقير، ليتفرغ الثالث لملف الماعز والجمبري ، وهكذا نكون قد حققنا للوزارة الاكتفاء الذاتي من الوزراء .. أها ، وزارة البيئة والغابات والتنمية العمرانية .. كان بها وزيرا وآخر للدولة ، فصار حالها كما حال إخواتها – والطيران المدني أيضا – مترهلة بوزير ثم اثنين للدولة .. أي ، للبيئة وزير وللغابات وزير وللتنمية العمرانية وزير ، و( مافيش حد أحسن من حد ) في ميزانية مرتباتهم وامتيازاتهم وعرباتهم .. هذا نموذج ترهل ، والشعب موعود بأن يدفع ثمنه خصما من قوت يومه ( رسوما وجبايات ) ..!!

** أما النموذج الآخر ، وزارة الكهرباء والسدود .. الكهرباء كانت محض هيئة تابعة للطاقة ، فصارت وزارة قبل كم سنة ، ثم أصبحت حاليا رفيقة للسدود بوزارة .. أما مهمة تشييد السدود ، فكانت من مهام وزارة الري ، ولكن تلك المهمة التي يجب أن تؤديها إدارة بوزارة الري صارت من مهام الوزارة الجديدة .. لا علاقة بين توليد الكهرباء وتشييد السدود ، فالكهرباء لاتولد من السدود فقط ، ولذلك كان طبيعيا الوضع الأسبق للكهرباء ، أي تبعيتها لوزارة الطاقة ، وكذلك كان طبيعيا الوضع الأسبق للسدود ، أي تبعيتها لوزارة الري .. ولكن وزارة الكهرباء والسدود هي المقاس الأمثل لأسامة عبد الله … وهكذا تقريبا هذا التشكيل الوزاري .. فلنصبر عليه ، إن الله مع الصابرين ..!!

صحيفة لحقيقة