لعنة الذهب.. الزئبق يهدد حياة ملايين السودانيين

حذر تقرير مستند على دراسات علمية ميدانية، من تعرّض ملايين المواطنين بكل انحاء السودان لمخاطر مميتة جراء الاستعمال العشوائي لمواد كيماوية خطرة كالزئبق والسيانيد والثيوريا في استخلاص الذهب، بدون اتخاذ أي إجراءات عملية لحماية المتعاملين بها والسكان المحليين من حولهم.
ويشير التقرير الذي أصدرته (Sudan Transparency and Policy Tracker)، إلى أن الحكومة السودانية فشلت في إحكام السيطرة على عمليات استيراد ونقل وتخزين واستخدام الزئبق والتخلص منه، بسبب فشلها في ممارسة الرقابة وفرض الحد الأدنى من معايير حماية صحة مواطنيها وسلامة البيئة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مأساوية على الإنسان والبيئة على حدٍ سواء.
وحسب التقرير حدّدت إحصاءات التجارة العالمية لواردات وصادرات الزئبق، التي سجلتها قاعدة بيانات الأمم المتحدة (كومتريد)، السودان بوصفه أكبر مستورد للزئبق في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث استورد البلد 38٪ من جميع واردات المنطقة خلال الفترة 2010-2015.
وقدّر البنك الدولي، إجمالي الذهب المنتج في السودان في فترة الثماني سنوات بين 2008 و2015 بنحو 346 طناً. وخلال نفس الفترة استورد السودان 336 طناً من الزئبق . وفي حين طابقت كمية واردات السودان المعلنة رسمياً، تقريباً، تقدير البنك الدولي بواقع 36 طناً سنوياً في الفترة من 2014 إلى 2020، توصلت مصادر أخرى إلى تقديرات أعلى لاستخدام الزئبق. واستناداً إلى الملاحظة المباشرة لدورة إنتاج التعدين الحرفي والصغير في العبيدية ومناطق التعدين الأخرى، تقدر، نسبة الزئبق المستخدمة ما يصل إلى 626 طناً سنوياً محسوبة على أساس مقادير إنتاج السودان المعلنة. وربما تأتي الفجوة بين الواردات الرسمية وهذا الرقم من التهريب والواردات غير المصرح بها من البلدان التي لا تعلن عن صادراتها من الزئبق إلى قاعدة بيانات الأمم المتحدة (كومتريد).
ويضيف التقرير أن الإجراءات المتعلقة بالتسهيلات التجارية المتعلقة بمنح تراخيص لشركات استيراد خاصة لاستيراد الزئبق باسمها، إلى زيادة مقلقة في كميات الزئبق التي تدخل السودان بشكل قانوني. وتُظهر السجلات الرسمية أن السلطات صدّقت بين النصف الثاني من عام 2021 وعام 2022 باستيراد كمية من الزئبق تجاوزت الـ 4000 طن، أي ما يقرب من 450٪ من حجم التجارة الدولية الرسمية في الزئبق لعام 2020 المقدرة بـ 891 طناً، أي أربعة أضعاف ونصف حجم هذه التجارة الدولية.
مخاطر بيئية
تهدّد المخاطر الصحية والبيئية المجتمعات المحلية في مناطق التعدين الحرَفي للذهب في جميع أنحاء السودان. وقد أدّى استخدام المواد الكيميائية الخطرة مثل الزئبق والسيانيد والثيوريا، لزمن مديد وبدون حماية كافية، إلى تعريض الملايين من عمال مناجم الذهب والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء السودان إلى مخاطر مميتة.
وفشلت الحكومات المتعاقبة في الوفاء بمسؤوليتها في إلزام من يستخدمون هذه المواد بتطبيق تدابير السلامة الصناعية اللازمة. كما فشلت هذه الحكومات في توعية المواطنين باتخاذ التحوطات اللازمة لتجنب إيذاء أنفسهم وأسرهم.
ويعد الزئبق من المعادن شديدة السمية ويمثل واحداً من المخاطر العالمية كونه يؤثر على صحة الإنسان، خاصة الجهاز العصبي والرئتين والجهاز الهضمي والكلى والجلد والعين، وربما يتسبب في الوفاة في حالة التعرض لكميات كبيرة منه، ويؤثر كذلك بصورة كبيرة على نمو الأجنة في بطون الأمّهات وعلى صحة الأطفال. ويشمل التلوث بالزئبق التربة والمياه والهواء والأسماك، حيث يدخل في السلسلة الغذائية.

ويقول التقرير إن السودان – وفقاً للبنك الدولي- أحد أكبر مستوردي الزئبق في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تم استيراد ما يقدر بـ 346 طناً بين عامي 2008 و2015، ما يشير إلى متوسط 43.25 طناً من الواردات سنوياً. ورغم ذلك، أشارت السجلات الرسمية إلى أن السودان استورد رسمياً بين عامي 2014 و2020 ما متوسطه 36 طناً من الزئبق.
كما تشير السجلات الرسمية إلى أنه اعتباراً من انقلاب أكتوبر 2021 وحتى الآن، تمت الموافقة على تراخيص لاستيراد أكثر من 4000 طن من الزئبق، بما في ذلك تلك الـ 2000 طن المعتمدة للشركة المرتبطة بشخصية سياسية بارزة.
بالإضافة إلى الواردات الرسمية من الزئبق هناك كميات غير معروفة من المادة تهرّب إلى السودان عبر الحدود الغربية والشمالية مع تشاد وليبيا.
مناطق استخدام الزئبق
وينتشر التعدين حالياً في 15 ولاية من ولايات السودان الـ 18، حسب التقديرات الرسمية. وتنتشر عمليات التعدين في مساحات واسعة من أراضي السودان في مئات المناجم. وتعتبر ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر وغرب كردفان أعلى الولايات انتاجاً للذهب في السودان ولا يُوجد حصر دقيق لأعداد العاملين في قطاع التعدين، وعلى وجه الخصوص التعدين التقليدي، لكن يقدر عدد المنخرطين في عمليات الحفر وطرق الحصول على الذهب بأشكالها المختلفة بأكثر من 2 مليون عامل. ويرتفع هذا العدد إلى حوالي 5 مليون إذا أضفنا العاملين في المهن المصاحبة وعمليات المعالجة، وهو ما يعادل 13% من إجمالي سكان السودان.
وفي الأسبوع الأول من أغسطس الماضي جرفت السيول التي اجتاحت أكثر من 25 قرية بولاية نهر النيل في المناطق الواقعة شمال عطبرة، آلاف الأطنان من مخلفات التعدين الملوثة بالزئبق إلى النهر، ما يعتبر واحدة من أكبر الكوارث الصحية والبيئية التي طالت المجتمعات المحلية في مناطق التعدين التقليدي في السودان.
وأجرى فريق بحثي مشترك من جامعة الخرطوم، وجامعة النيلين، والجمعية السودانية لحماية البيئة، والمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية خلال عام 2021 بحثاً متعدد التخصصات في ولاية نهر النيل بين مدينتي عطبرة وبربر. وأشار تقرير البعثة الصادر في يناير 2022 إلى معدلات تلوث البيئة مقلقة، ونسب عالية من الزئبق في الدم والبول والشعر وأنسجة الجلد التي جُمعت من عينات عشوائية من المعدنين الحرفيين وأفراد المجتمع في منطقة الدراسة. كما أظهر تحليل حليب الأبقار والماعز والمنتجات الزراعية ارتفاع معدلات التلوث بالزئبق في المنطقة.
وتوصّلت الدراسة باستخدام الاستشعار عن بعد إلى وجود 700 كوم من المخلفات أو النفايات المعدنية، تتوزع على المسافة القصيرة بين عطبرة والعبيدية البالغ طولها 64 كيلومتراً. وقدرت الدراسة حجم المخلفات في المواقع الزراعية والسكنية بـ 450 ألف طن، تحتوي على زئبق يقدر بـ 1.91 طن. قام المزارعون وسكان البلدات الصغيرة والقرى في هذه المنطقة بنقل أكوام الخام إلى أراضيهم الزراعية وساحات منازل عائلاتهم، حيث أقاموا عدداً مذهلاً من الخلاطات بلغ 7000 خلاط معالجة يستخدم الثيوريا المحظورة رسمياً لاستخراج الذهب. وكانت الأكوام تقع مباشرةً على مجرى تصريف مياه الأمطار الموسمية إلى نهر النيل. كما وثّقت الدراسة زيادة معدلات الإجهاض بين النساء الحوامل. كما وردت تقارير صحفية عديدة عن حالات الشلل والعمى وزيادة الأمراض في المناطق التي تتركز فيها النفايات شديدة السمية.
وقعت الكارثة التي كان يخشاها أهالي المنطقة والمختصين والناشطين البيئيين في أغسطس 2022، حيث جرفت مياه السيول أكوام المخلفات (الكرتة) وألقت بها في النيل. وقد تضررت 25 قرية، من ضمنها قرى المكايلاب والسعدابية والنبوية ودار مالي ومناطق غرب بربر وغيرها من القرى القريبة من النيل على طول المسافة الواقعة شمال عطبرة وجنوب العبيدية، وفقدت 25 ألف أسرة المأوى. ولن يقتصر تأثير هذه الكارثة على هذه القرى، وإنما سيمتد إلى القرى الواقعة على النيل شمالاً بدرجات متفاوتة.
نسبة تلوث عالية
وكشفت الدراسات التي أجريت أن الناس في مناطق التعدين معرضون للتلوث بالزئبق بمعدلات أعلى كثيراً من أولئك الذين يعيشون في مناطق أخرى. وأُجريت دراسة في ولاية نهر النيل ونشرت في العام 2015، ووجدت أن متوسط تركيز الزئبق في عينات الدم التي جُمعت من المعدنين تبلغ 23.6 ± 30.5 مليجرام/لتر، بينما بلغ متوسط تركيز الزئبق في العينات المرجعية 1.4± 0.6 مليجرام/لتر. ووجدت أن تركيز الزئبق في عينات الشعر التي جُمعت من المعدنين بلغت 2.99± 1.7 مليجرام/جرام، وهي أعلى من نسبة تركيز الزئبق في العينات المرجعية التي سجلت تركيزاً قدره 0.7± 0.9 مليجرام/جرام.
وأُجريت دراسة أخرى في منطقة أبوحمد بولاية نهر النيل بين عامي 2012 و2014 ووجدت أن تركيز الزئبق في عينات الدم وسط عمال التعدين يتراوح بين 24.9 – 32.24 مليجرام/لتر، بينما بلغ تركيزاً يتراوح بين 1.4_ 0.94 مليجرام/ لتر في العينات التي جُمعت من مناطق أخرى.
وكذلك أجريت دراسة في منطقة وادي حلفا شملت منطقة بحيرة النوبة أقصي شمال السودان على الحدود السودانية المصرية، ووجدت أن تركيز الزئبق في التربة في منطقة صرص يبلغ 58.4 جزءاً في المليون؛ وفي منطقة مك الناصر 37.5 جزءاً في المليون؛ وفي منطقة سمنة 22.2 جزءاً في المليون، مقارنة بالحد المسموح به من قبل الوكالة الأمريكية لحماية البيئة وهو 0.2 جزءاً في المليون.
وتوصلت دراسات أخرى إلى أن معدلات الزئبق أعلى في التربة والمياه في هذه المناطق تتجاوز الحد البالغ 0.001 الذي حددته منظمة الصحة العالمية. وعلى المستوى المحلي تعتمد الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس (2015) ووزارة المعادن، أعلى حد مسموح به عند مستوى 0.004 جزءاً في المليون.
وفي العام 2017، أُجريت دراسة شملت منطقة وادي حلفا والمناطق الواقعة جنوبها، توصّلت إلى أن تراكيز مختلف المعادن الثقيلة في زيادة مستمرة في بحيرة النوبة وأسواق التعدين وعلى نهر النيل وفي مناطق التعدين.
وأُجريت دراسة أخرى في العام 2016 فوجدت أن تركيز الزئبق في المياه الجوفية في الآبار حول مناطق التعدين مرتفعة.
وفي صواردة وُجد أن المياه التي وصلت القرية بواسطة السيول الطبيعية جرفت معها ملوثات عديدة من ضمنها الزئبق، وفي العام 2022 أجرى المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية والجمعية السودانية لحماية البيئة وجامعة النيلين ونشروا دراسة مهمة توصلت الى أن 20% من عينات مياه الشرب، و2 من 7 عينات من البول وواحدة من 14 عينة دم جُمعت من ولاية نهر النيل احتوت على نسب عالية من الزئبق. وكانت معظم العينات قد أخذت من أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 الى 11 سنة. كما وثّقت الدراسة حالات إجهاض، إلى جانب نفوق الطيور والحيوانات التي شربت من الماء الملوث.
وكشفت، علاوة على ذلك، أن المخلفات الملوثة التي تبلغ حوالي 450 ألف طن منتشرة بكثافة في 700 موقع في ولاية نهر النيل.
وفي العام 2018 كشفت دراسة أن منطقة دار مالي بولاية نهر النيل، تعاني من تلوث عالٍ بالزئبق. وقد بلغ معدل التلوث في الماء حوالي 29 مرة، أعلى من المعدلات المسموح بها عالمياً. أثبتت دراسة أخرى نشرت في العام 2019 وجود معدلات تلوث عالية في التربة والمياه في منطقة العبيدية، ويشتكي سكان مواقع التعدين، في مناطق عدة من السودان، من تزايد حالات الإجهاض، وحالات نفوق الطيور والحيوانات. كما يشتكي سكان مناطق مختلفة من ولاية جنوب كردفان، من ضمنها محليتي الترتر والدلنج، من تزايد حالات تشوه الأطفال حديثي الولادة.
الديمقراطي
صممت منظمة براكتكال اكشن البريطانية جهاز بسيطا يمكن من استخدام الذهب بأمان وباستمرار – يوجد الاثنين علي موقع المنظمة.وهو عبارة عن حاوية صغيرة مرتبطة بماسورة ،يتم ثنيها لتدخل في اناء به ماء.
يتم تسخين المحتوي من الحجر المطحون الذي يحتوي علي الذهب ،بعد وضع الذئبق عليه.مع التسخين ينفصل الذئبق ويبقي في قعر الغناء(يمكن استخدام قارورة ماء الصحة او المشروبات الاخري،يفضل الشفافية).ومن بعد يسكب الماء للحصول علي الذئبق. ويفتح الاناء الذي يحتوي علي الحجر،للحصول علي الذهب الصافي.
يمكن الاتصال لمزيد من الشرح.