التحوّل إلى (الخارجية).. دبلوماسيون بخلفية أمنية

الخرطوم: محمد أبوزيد كروم

أصدر الرئيس عمر حسن أحمد البشير، مساء أمس الأول (الإثنين) قراراً جمهورياً بتعيين المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق الفريق أول أمن مهندس محمد عطا المولى عباس سفيراً بوزارة الخارجية بالقطاع الأول الخاص. وجاء تعيين محمد عطا بعد إعفائه من إدارة جهاز الأمن والمخابرات لصالح سلفه السابق في ذات المنصب الفريق أول أمن صلاح عبد الله قوش.

ومنذ إعفاء عطا لم يتم الإعلان عن وجهته الجديدة، غير أن التوقعات كلها كانت تشير إلى أن عطا لن يذهب إلى استراحة محارب ولن يحال إلى الصالح العام، وأن موقعاً جديداً في انتظاره.

بالدرجة الأولى:
لم يكن محمد عطا وحده من تم انتدابه من السياسيين لوزارة الخارجية، فسبقه إلى درجة سفير بالخارجية كثير من نظرائه خاصة في عهد حكومة الإنقاذ. وما بين مؤيد ومتحفظ على تولي من ليس لهم صلة بالسلك الدبلوماسي من سلمه الأول إلى قمة هرمه، يظل الجدل دائراً حول التعيين السياسي في الخارجية.
وفي حالة الفريق محمد عطا لم يكن دخيلاً على السلك الدبلوماسي إذ شغل من قبل منصب مدير مكتب السلام بالقصر الجمهوري.
يذكر أن الفريق محمد عطا المولى عباس مواليد الخرطوم أبريل 1957م، تخرج في كلية الهندسة – جامعة الخرطوم 1982م، وانضم لجهاز الأمن العام في أكتوبر 1992م، وانتقل لجهاز الأمن الخارجي 1994، ومن ثم شغل منصب الأمين العام لمستشارية السلام بالقصر الجمهوري 2000م، ومديراً لمكتب السلام بالسفارة السودانية – نيروبي 2001م، وعين نائباً لمدير عام جهاز الأمن الداخلي في أغسطس 2002م، ومن ثم عُين نائباً لمدير عام جهاز الأمن والمخابرات الوطني في 2004، وعين مديراً عاماً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني في 13 أغسطس 2009م.

ترضيات:
هنالك أشخاص وأسماء يبدو من الصعب تجاوزها في تشكيلات حكومة الإنقاذ المتعاقبة، حتى وإن تم إعفاؤها من منصبها تجدها في أماكن أخرى، ولذلك السلوك كثير من الأسباب والمبررات، مما يعني أن تلك الأسماء لها من الكسب ما يجعلها متواجدة في أي تشكيل حكومي في تاريخ الإنقاذ لثلاثة عقود ماضية، وفي الغالب تتم ترضية المسؤول المعني بتنصيبه سفيراً في إحدى الدول، كاستراحة أو تعويض أو إن شئت إبعاداً في بعض الأحايين، ومن هؤلاء في أوقات ماضية شغل عضو مجلس قيادة الثورة العميد صلاح كرار، منصب سفير السودان في البحرين، وفي ذات المحطة عمل وزير الدفاع الحالي عوض بن عوف قبل استدعائه وزيراً للدفاع، وفي ذات الإطار تم ابتداع مستشارية الأمن لتسكين الفريق أول أمن صلاح قوش فيها بعد إعفائه من رئاسة الجهاز قبل أن يعود إليه مرة أخرى، ليتكرر ذات السيناريو ولو بطريقة مختلفة مع سلفه محمد عطا الذي صدر مرسوم جمهوري بتعيينه سفيراً في الخارجية في انتظار محطة جديدة ربما تكون واشنطن بحسب عدد من المراقبين.

نماذج مماثلة:
بعيداً عن حالة تعيين الفريق أول محمد عطا المولى سفيراً بوزارة الخارجية، هنالك نماذج عديدة لقيادات سياسية تبوأت منصب السفير لعدد من الدول خاصة تلك التي تتميز بظروف خاصة تجعل من الأهمية فيها بمكان للسودان مما يتطلب وضع أشخاص بمؤهلات محددة حتى تؤدي ما هو مطلوب منها من مهام وطنية قد لا تتطلب دبلوماسيين مهنيين. ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر السياسي، مهدي إبراهيم الذي عمل سفيراً للسودان في واشنطن في ظروف بالغة الحساسية، لما بين البلدين من ملفات حساسة في ذلك الوقت، وعلى ذات النسق في الجوار الإقليمي القريب عمل الفريق عبد الرحمن سر الختم سفيراً للسودان في كلٍ من أديس أبابا والقاهرة، ولا يخفى على أحد الأهمية القصوى لعلاقة السودان مع مصر وأثيوبيا، كما عمل أيضاً القيادي بالمؤتمر الوطني حاج ماجد سوار سفيراً للسودان في ليبيا في ظروف بالغة التعقيد والتشابك عقب سقوط نظام القذافي، كما انتدب السودان السياسي والقيادي الكبير في المؤتمر الوطني مصطفى عثمان إسماعيل سفيراً في جنيف، ولم يكن إرسال دكتور مصطفى عثمان إلى محطة جنيف من باب المصادفة وإنما لمهام محددة، وهكذا أمثلة كثيرة.

أمر طبيعي:
بين الرفض والقبول لمبدأ تعيين السياسيين في وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي، رأى السفير الرشيد أبو شامة أن تعيين أشخاص من خارج السلك الدبلوماسي في درجة سفير في وزارة الخارجية ليس أمراً جديداً ولا محصوراً في السودان، وقال أبوشامة خلال حديثه لـ(الصيحة) إن التعيين يتم بنسبة محددة ولظروف معينة. ويتم التعيين عبر السلطة والنظام الحاكم لأهداف محددة.
وعن حالة تعيين مدير جهاز الأمن السابق سفيراً بالخارجية قال أبو شامة إن محمد عطا له خبرات كبيرة وعلاقات واسعة، وزاد بأن هذا هو المطلوب للدبلوماسي بما يمتلكه عطا من خبرات وتجارب، وعن تجارب السياسيين في السلك الدبلوماسي رأى أبو شامة أن في أغلبها تجارب مميزة بسبب أن الاختيار لا يكون عشوائياً وإنما يتم بمواصفات معينة، وأضاف بأن تجربة تعيين السفراء من خارج الخارجية لا تعد مشكلة إلا إذا تم تعيين شخص غير مؤهل.

واستدل أبو شامة بالقانون الأمريكي الذي يعطي الرئيس المنتخب حقاً في تعيين عدد من السفراء من خارج السلك الدبلوماسي حسب ما يرى ووفقاً لتقديرات الرئيس الشخصية.
ورأى أبو شامة أن هنالك نماذج كثيرة لسياسيين قدموا نجاحات كبيرة منهم الدكتور حسن عابدين الذي عمل سفيراً للسودان في لندن ووكيلاً لوزارة الخارجية في عهد الإنقاذ، وزاد بأن عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري شهد نجاحات كبيرة لسفراء ليسوا من السلك الدبلوماسي منهم اللواء أحمد الشريف الحبيب، وأردف بأن النجاحات الموجودة الآن كبيرة لدبلوماسيين من خارج البيت الدبلوماسي منهم، عبد الرحمن سر الختم، علي النميري، العبيد مروح، قاطعاً بأن الخبرات والعلاقات الواسعة والتجارب هي التي تؤهل الشخص لقيادة دفة العمل الدبلوماسي الذي يحتاج إلى الكثير غير التدرج في العمل بالخارجية.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..