(التماهي بالمتسلط ).. وعوار استبيان المقهورين عن قانون النظام

المفاجئ الوحيد في الخلاصات التي أتفق حولها الأستاذان محمد أشرف وعثمان ميرغني حول نتائج استطلاعين عن قانون النظام العام للرجال والنساء كل على حدة..هو إٌقرار أنها مفاجئة. وتكمن المشكلة الكبرى في التوصل إلى نتيجة مؤداها عجز الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي عن إحداث إجماع يؤدي إلى تغيير يجمعون الشعب عليه، ذلك لأنه يعني ببساطة، أن على الناس الركون إلى ما هم عليه من حال . نتيجة اليأس عن إحداث تغيير جدي.
سنتجاوز عن مدى توافق سؤال الاستبيان مع الشروط المطلوبة كما لاحظ أحد المعلقين ، وكذلك عن وسائل تأكيد خلو قروبات التواصل الاجتماعي النسائية من الرجال وكتائب (الجهاد الإليكتروني )المعروفة لدى النظام.
لقد صدقت الخلاصتان في استنتاج أن المستطلعين يقعون في إسار مفاهيم مجتمعية تجعل ما يدعو إليه الناشطون بعيدة عن ملامسة رؤاهم.وسوف نرتكز على هذه النقطة لمحاولة الوصول إلى مغزى النتائج التي رأوها مفاجئة.مستعينين على ذلك بالمؤلَف المميز للدكتور مصطفى حجازي الذي يتناول سيكولوجية الإنسان المقهور . تحت العنوان الأساسي ( التخلف الاجتماعي).ففي بحثه القيم عن أسباب التخلف الاجتماعي وفشل خطط التنمية في المجتمعات المتخلفة. يصل إلى حقيقة مؤداها أن الإنسان المتخلف في الواقع يرزخ تحت أغلال التسلط ،الذي ميز سيكولوجيته المنبنية على تعرضه المستمر للقهر. ما يجعلها عقبات جدية في إحداث التغيير الاجتماعي.
وسوف نركز هنا على محاولة تفسير ما بدا مفاجئاً من نتائج الاستطلاعين المشار إليهما.ويمثل ( التماهي بالمتسلط) الذي تناوله أصلح تعليل حيث يقول (التماهي بالمتسلط يشكل أحد المظاهر البارزة في سعي الانسان المقهور لحل مأزقه الوجودي.والتخفف من انعدام الشعور بالأمن والتبخيس الذاتي الذي يلحق به جراء وضعية الرضوخ)ويواصل في فقرة أخرى في وصف عملية التماهي(وهي تشكل على ذلك ،الوجه المضاد لعملية مقاومة المتسلط من خلال الانكفاء على الذات والاحتماء بالجماعة بمعاييرها وتراثها.) ويفرق هنا بين اشكال من التماهي أهمها:
1/ التماهي بسلوك التسلط وعدوانه. وبتناوله يتضح لنا أن الشرطي الذي يقسو على الجمهور ليس بالضرورة مستفيداً من النظام القاهر الذي يعمل لديه، وإلا فماذا عن الموظف الذي يتعامل بفظاظة مع الجمهور الذي وفرت له الوظيفة لخدمته ؟ والمعلم الذي يذهب بعيداً في القسوة على تلميذه.والإداري الذي يقهر من هم دونه. كل هذه الأنماط يفسرها في إطار تحقير الذات الخاضعة للمتسلط والتي لم تتمكن من ان تكون مكانه في السلطة ،وعوض مقاومته يتلبس دوره في التسلط والعدوان على غيره في سلسلة من العلائق التسلطية.من هنا يمكن أن نفهم آراء بعض المستطلعين .
2/ التماهي بقيم وأسلوب حياة المتسلط. وهو الخطر والأكثر بروزاً في حالتنا السودانية.وخطورته انه يتم بلا عنف ظاهر .إذ يتخلى المقهور عن مقاومة المتسلط بالذوبان في قيمه وأسلوب حياته.ويصبح مجرد لاهث في التقرب والتمثل بالمتسلط.فتصبح حياته استعراضاً لأسلوب حياته وصرفه ووجاهته.ويمكن بذلك تفسير ما سماه الأستاذ عثمان ميرغني بالعيش في جلباب الأب على المستوى الفكري.والإجابة على سؤال يُطرح دائماً بمدى تطور المجتمع. فتكون الإجابة جاهزة بالإيجاب قياساً إلى العمائر والستائر وفواره السيارات والأزياء والمقتنيات التي لا تتناسب كلفتها مع مستويات الدخول. رغم أنها محض تبن لأسلوب حياة المتسلط.والإنسان الذي يقع تحت هذا النمط من التماهي هو ضحية عملية طويلة لغسيل الأدمغة.بشن حرب منظمة على القيم الموجودة .تحاصره في وسائل الإعلام ومناهج التعليم التي تجعل التلميذ المثالي هو الراضخ لقيم المتسلط .ويماثل هذا التماهي عدم تقبل حقيقة وضعه مثل الجري وراء تغيير لون البشرة من الأسود إلى الأبيض.والمثير للإنتباه هنا أن المتسلط ومن دونه أسرى لتسلط النمط الذي تروجه أجهزة العولمة.ما يمكن أن يفسر تنكر الطبقات الحاكمة لنمط حياتهم السابقة وتتبع خطى الغرب في الاستهلاك والمظاهر رغم ترداد الأحاديث النبوية عن التشبه باليهود والنصارى.
ولئن كان ما سبق يبين تساوي الرجال والنساء في التأثر بالقهر في المجتمعات المتخلفة. فإن للنساء قدح اعلى كونهن أكثر الفئات عرضة تاريخياً للقهر الذي يبدأ من الأسرة والمجتمع في القبيلة والدولة . فقهر النساء حسب الكتاب هو في الأساس وفق المؤلف إحساس بأزمة الرجل المقهور الذي يعوض عجزه عن مواجهة المتسلط بالتسلط عليها.لكن الغريب أن المرأة هي الفئة الأكثر حرصاً على القوانين التي تعمل على قهرها.فتقوم بتطبيق كل قوانين القهر التي تعرضت لها وغرس قيمها في بناتها بالأخص مثل تبني عادة الختان مثلاً.ما قد يفسر عدم ممانعة بعض النساء من سريان قانون النظام العام .
بناء على ما سبق فإن النتائج ليست مدعاة للإحباط بل للتأمل وإعادة الفهم إلى حقيقته.كما لا تعني إلإستنتاج بعزلة النشطاء من المجتمع. فالرواد في الأصل محدودون.لكن الأهم هو الوقوف على التجارب التي خاضها النشطاء.فأولى مظاهر الاحتجاج في نوفمبرمن العام الماضي كانت من نساء القروبات أنفسهن.والعصيان المدني كان استجابة لدعوة ناشطين.ولا تتم عملية التغيير وفقاً لعامل واحد. بل تتراكم ليتجمع الشعب كل باهتمامه ضد الطغيان.ما يتسق مع ما وصل إليه المؤلف من أن مرحلة الرضوخ تليها مرحلة التمرد والثورة.
معمر حسن محمد نور
[email][email protected][/email]
I AGREE WITH YOUR OPINION. THANKS
I AGREE WITH YOUR OPINION. THANKS