أعراس للاجئين الأزواديين في ظروف بائسة

اللجوء معاناة وعذاب، وحين يكون ميدان اللجوء هو الصحراء الشاسعة القاسية تزداد المعاناة وتتضاعف المأساة، ولكن اللاجئين الماليين الذين استقر بهم المقام في مخيم “أمبره” بالجزء الشرقي من صحراء موريتانيا القاحلة يأبون إلا تطويع الظروف ومغالبة المأساة، ورسم الأمل بين جدران الحياة القاسية في المخيم.

في نهار المخيم الذي يبدأ مبكرا جدا حين تخترق أشعة الشمس الحارقة جنبات الخيم والأعرشة المتواضعة وتتسلل أضواؤها الكاشفة داخلها، يتحول الجميع إلى خلية نحل جيئة وذهابا بحثا عن القوت وما يسد الرمق، في رقعة تتقلص فيها مصادر الرزق وأسباب الحياة، أما حين تغرب شمس المخيم ويسدل الليل ستائره فتتلاشى الأحزان، ويرفرف ربيع الحياة الطلق في سماء المخيم الملبدة بالأحزان.

المناسبات الاجتماعية والحفلات الراقصة والموسيقى الطوارقية الحانية والهادئة هي مفردات أساسية في ليالي اللجوء، فحين تصدح الموسيقى الطوارقية في سماء المخيم تنقبض الأحزان وتنبسط أفئدة اللاجئين كما يقول أحدهم، “فالموسيقى هي ما تبقى من رسل بين الوطن البعيد وأهله المشردين بين دول وجهات متعددة”، يضيف آخر.

يقول سكان المخيم إن المساحة التي تحتلها الأفراح في حياتهم كبيرة جدا، رغم أن المشهد الطاغي والأعم هو مشهد البأس بتجاعيده المؤلمة، وبإطلالاته الباهتة، ولكن الروح الأزوادية المتعودة على قهر الصعاب والأحزان كفيلة بإعادة تلوين الصورة من جديد، كما يقول أحد المخيمين.
إبراهيم: 520 حالة زواج خلال الشهور الثلاثة الماضية (الجزيرة)

تسارع
يقول أحد العسكريين الذين يقومون بتأمين المخيم إن إقبال اللاجئين على الزواج يبدو لافتا بدرجة غير مألوفة، مشيرا إلى أن وتيرة الزواج في أوساط اللاجئين تزايدت مع تعقد الأوضاع الأمنية والعسكرية في مالي، وإحساس عدد من اللاجئين أن رحلة اللجوء قد تطول، وأن تأجيل المشاريع الهامة في حياة الكثيرين منهم قد لا يكون الخيار الأمثل.

ويقول محمد مصطفى إبراهيم -وهو رئيس إحدى المنظمات الناشطة في المخيم وعامل في بعض الهيئات الدولية الناشطة في المخيم- إنهم أحصوا 520 حالة زواج خلال الشهور الثلاثة الماضية فقط، مؤكدا هو الآخر أن الوتيرة في تسارع.

أحد هؤلاء الذين تزوجوا حديثا هو المهدي محمد الأمين، ويقول إنه قرر الزواج من إحدى بنات جيرانه في المخيم بعد أن لاحظ أن ما جلبه من مال وثروة قبل الحرب صار يتقلص ويوشك أن يتبدد. ويشير إلى أن تكاليف الزواج -مهرا واحتفالا وولائم- كلفته أكثر من ألف دولار تقريبا.

سيقول البعض إن الكلفة غالية، بيد أن ولد محمد الأمين يشير إلى أن غلاء تكاليف الزواج في المخيم يعود إلى الجو المفتوح، والفراغ الواسع الذي يعيشه سكان المخيم، فالجميع مدعو سلفا للوليمة، والتقاليد تفرض التوسعة والإكرام للمدعوين والحاضرين، وذلك جزء من التحديات التي يواجهها الراغبون في الزواج من ذوي الإمكانات المحدودة في المخيم.

دوافع
ولكن لماذا تقبل فتاة على الزواج من شاب لاجئ مشرد وعاطل عن العمل، وعاجز عن توفير لقمة العيش ومواجهة أعباء الحياة القاسية؟ تقول العروس فاطمة بنت محمد إنها قطعا تفضل زوجا ذا إمكانيات مالية، ولكنها تحب زوجها، ولن تتردد -إن خُيرت- في اختيار من تحب ومن يملك قلبها على من يملك مالا ويحوز نقودا، ولكنه لا يخيّم بين جوانحها.

أما بالنسبة للظروف المعيشية والمتطلبات العائلية، فتقول بنت محمد إنها ستقاومها بالكثير من الصبر والتفهم، وتسأل الله زوال الكرب وحلول الفرج، وتلاشي الصعاب.

سيبدأ الزوجان في الإنجاب على الفور حسب ما قرراه، ولا ينويان انتظار العودة إلى الوطن، ولا الحصول على فرص عمل، ويضيف الزوج أن “الإنجاب هو أحد أهم أهداف وغايات الزواج في مجتمع إسلامي مثل المجتمع الأزوادي، وتلك سنة الحياة، وبعد العسر يسرا”.
المصدر:الجزيرة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..