أرض الحضارات القديمة إنهم يسرقون التاريخ قرى الشمال الأقصى تتوسد الذهب وتشكو الفقر

وادي حلفا : محمد فتحي

أثارت أنبوبة غاز من الحجم الكبير جدلا وسط مجموعة من الشباب كانوا يتسامرون أمام (الدكان) الوحيد في القرية، الأنبوبة التي تمد رأسها على ظهر البوكس في مشهد معهود ألفته العيون مع تمدد عمليات التنقيب العشوائي عن الذهب في الولاية الشمالية، الجدل كان يدور حول وجهة استخدام الغاز في الصحراء، قال أحدهم إنه يستخدم للطهي، وآخر استبعد ذلك قائلاً إن وقود (الحطب) في (الخلا) على قفا من يشيل و(ببلاش) وبلا زيادة حمولة على العربة التي أصلاً تئن من ثقل ما على ظهرها، هكذا تواصل الجدل إلى أن قال أحدهم إن المنقبين يستخدمون الغاز في كل الأوجه التي ذكرت بالإضافة إلى مهمة أخرى هي صهر الآثار وتحويلها إلى كتل من الذهب خوفاً من الوقوع تحت طائلة عقوبة سرقة الآثار ومصادرتها، الكثير من مثل هذه المؤشرات تتحدث عما تتعرض له الآثار من عبث في شتى بقاع السودان بشكل عام ومناطق النوبة في شمال السودان بشكل خاص.
سرقة التاريخ:
توجهت (السوداني) في رحلة شاقة إلى تلك المناطق في أقاصي شمال السودان ومن القضايا المهمة التي استوقفتنا قضية سرقة الآثار التي يكثر عنها الحديث وتتسيد مجالس الأنس ومثار شكوى مع قضايا أخرى يبثها المواطنون إلى حكومة الولاية والأخيرة لا تفعل شيئاً سوى تدوينها أو تحويلها إلى (حكومة المركز) كما يسميها أهالي تلك المناطق, تتعدد روايات الأهالي الذين يسكنون بالقرب من المناطق الأثرية عن سرقات تاريخ المنطقة (الآثار) المتتالية كما يقول المواطن عصام جعفر إنهم أبلغوا السلطات أكثر من مرة بوجود (خواجات) ينهبون الآثار جنوب قرية (فريق) وأن اللجان الشعبية أخطرت الشرطة التي أوضحت على حد قول عصام أن الذين يحفرون مجموعة تحمل تصديقاً رسميا يخول لها ذلك.
لكن ماذا إن تبادر اللجنة الشعبية وتخطر الشرطة وكانت المجموعة تعمل بشكل غير شرعي الإجابة تشير إلى أن الواقعة تكشف عن عدم تنسيق فاللجنة الشعبية كان يجب أن تكون مخطرة بمهمة المجموعة سلفاً حتى تكون على علم بما يجري باعتبارها سلطة شعبية محلية ومنتشرة في كل أرجاء المنطقة ووضعها في الصورة لتعزيز تأمين هذه الثروة وغياب التنسيق يمكن أن يغيب دور هذه السلطة المهمة ويتيح للعابثين ثغرات للعبور إلى المواقع الأثرية.
ومن الشواهد ما قاله (سامي) وهو من الذين يعملون في التعدين العشوائي عندما طرحنا عليه سؤالاً: ماذا سيفعل إن عثر على قطعة أثرية أثناء بحثه عن الذهب هل سيسلمها للسطات أم…؟ فقاطعنا حتى قبل أن نكمل السؤال قائلاً: (طيب أنا ضارب الخلا لي شنو فاعل خير) لكنه عاد وأكد أنه لم يعثر على آثار طوال فترة بحثه عن الذهب التي قاربت العامين.
وتتردد الكثير من الروايات الشفهية التي تؤكد أن المواقع الأثرية تتعرض لانتهاكات كثيرة، ففي قرية كويا يتحدث السكان عن عربة (لاندكروزر) تجوب تخوم القرية في الساعات الأولى من الصباح وتستقلها مجموعة مسلحة ويقولون إنها تدخل حرم القرية أحيانا وفي يوم ما طلبت المجموعة وهي مسلحة من عدد من شباب القرية العمل لصالحهم دون أن يكشفوا عن هويتهم أو طبيعة العمل الذي يقومون به وشك الأهالي في الأمر ونصبوا لهم كميناً أفلتوا منه واختفوا ثم ظهروا مجدداً في جبل دوشا وترددوا عليه كثيرا ودوشا منطقة أثرية معروفة قرب صلب التي اعتقد سكانها أن المجموعة تتبع لقوات نظامية لكنهم صباح ذات يوم اكتشفوا حفريات واسعة في الموقع الأثري القريب من القرية بعدها اختفت المجموعة المسلحة التي تمتطي (تاتشر).
وفي تنرى يتحدث الناس عن مجموعة منقبين سودانيين كانوا يبحثون عن الذهب في الجبال القريبة من القرية فترة طويلة حتى توثقت علاقتها بالأهالي الذين تفاجؤوا صباح ذات يوم باختفاء المنقبين وبعد أيام اكتشفوا أن الموقع الأثري القريب من القرية طاله عبث واسع وبطبيعة الحال ربطوا بين هروب المجموعة ليلاً والانتهاكات الكبيرة التي لحقت بالموقع وهو ربط منطقي.
تناقضات الولاية
رغم الحديث الكثير الذي يدور حول القضية تظهر حكومة الولاية ردود فعل متناقضة حيالها وهي تؤكد أحيانا وجودها وفي أخرى تستخف بما يتردد وتؤكد أن الآثار في حرز أمين كما هو الحال مع وزيرة الإعلام والثقافة بالولاية الشمالية تاجوج يحيى حاج الأمين, التي بثت تطمينات للمهمومين بالآثار من سكان الولاية والمهتمين بتلك الحضارة الإنسانية العريقة أن الوضع تحت السيطرة, وأنه نُشر 328 من ضباط الشرطة على المواقع الأثرية في كل من صاي, كرمة , دنقلا العجوز, نوري ,سيسا, جبل البركل , أرقو ,تمبس , صلب ,صادنقا ,سمنة، معابد النوبة السفلى.
وقالت إن الولاية في عام 2007م استرجعت قطعتين من الآثار المسروقة قدرت بملايين الدولارات وكشفت أن ذات العام سجلت فيه 6 حالات سرقة آثار.
لكن والي الشمالية فتحي خليل أقر بتفشي سرقة الآثار بعد ظهور التنقيب عن الذهب بالمنطقة وأدى ذلك إلى اكتشافات أثرية من قبل المنقبين ولم يبلغوا السلطات المختصة بها.
ولكن مدير متحف كرمة عبد الماجد عبد الرحمن يكشف المستور ويشتكي من قلة موظفي الآثار الذين يجب أن يراقبوا هذه البعثات لأن البعض قد يفضل العمل المكتبي بعيدا عن أجواء الصحراء القاسية, ويطالب عبد الماجد بوجود مكثف من مفتشي الآثار السودانيين وسط البعثات الأجنبية التي تنشط في عملها خلال النصف الثاني من نوفمبر لقطع الطريق أمام من تسول له نفسه العبث بآثارنا التي لا تقدر بثمن.
وما يزال الإهمال يخيم على واقع أكثر الحقب إشراقا في تاريخ السودان والإنسانية, ليكون في أيدي العابثين الطامعين في الثراء السريع وفي ظل ضعف الرقابة ما يزال مسلسل العبث يتواصل في ظل عجز الدولة عن حماية هذه الثروة باعتراف المدير العام للهيئة العامة للآثار وأمين المتاحف الذي قال للصحف إن الرقابة على الآثار مستحيلة, ويرى أن الحل الوحيد الذي ينقذ الآثار على حد قوله هو إيقاف التنقيب, مشيرا إلى أن أكثر المناطق تضررا بالسرقات هي منطقة شرق السودان الذي يشهد ازديادا في عدد السياح الأوربيين مع وجود مواقع أثرية قيمة تباع عشوائيا للمهربيين الأجانب و التجار.
تخيل عزيزي القارئ تلك الشجاعة المفجعة للقلوب! مسئول في قمة الهرم لحماية تاريخ الإنسانية يتحدث بهذه اللغة المستسلمة للواقع, وفي فصل آخر من الدراما السوداء, أكد أكثر من مسئول ولائي واتحادي وجود أجانب في مواقع التنقيب عن المعدن النفيس آخرهم والي شمال دارفور محمد يوسف كبر الذي قال إن معظم العاملين بالبعثة الدولية المشتركة (اليوناميد) خاصة الأفارقة منهم يعملون في مناطق التعدين الأهلي للذهب في عدة مواقع من ولاية شمال دارفور، خاصة أولئك الذين انتهت خدمتهم في السودان يعودون مجدداً للعمل في مواقع التعدين وبما أن المعدنين لا يفرقون في لهثهم المحموم خلف الذهب بين الآثار والذهب الخام فإنه من غير المستبعد أن تتعرض مواقعنا الأثرية لنهب دولي.
* الحقيقة والتهويل
وبالعودة إلى الشمالية فإن التعدين عن الذهب في شمال شرق النيل في الولاية وشرقا وغربا مع حدود تشاد وليبيا, وفي تلك الأنحاء توجد مناطق سكن مغلقة لحضارات قديمة وفيها يتمركز جموع المنقبين والبعثات الأجنبية هنالك عبر (وادي هور) على حدود تشاد وعثر على مجموعة كبيرة من الآثار القديمة مما أدى إلى حدوث السرقات والتهريب عبر الحدود بواسطة شبكة تتكون من أجانب وسودانيين وهي ذات خبرة عالية في هذا المجال وفق ما أفادنا مصدر آثاري طلب عدم نشر اسمه!
وقال مسئول كبير في وزارة البيئة السياحة: رغم وجود شرطة حماية الآثار إلا أن عصابات الآثار تستطيع الإفلات من قبضتها مما يؤدي إلى وقوع الجريمة سواء كانت سرقة الآثار أو التهريب.
والحال كما وصفنا نسأل عن دور (المنظمات الطوعية, وأهالي المنطقة , والمهمومين بتاريخ الإنسانية من مختص وهاو وغيرهم), فالسلطات تستقبل البلاغات وترصد الآثار المسروقة كما تقول وزارة السياحة على لسان وكيلها إنها شملت: ولاية الخرطوم (9) بلاغات, نهر النيل (5) بلاغات , الولاية الشمالية (9) بلاغات, ولاية البحر الأحمر (11) بلاغا مختلفا حول الآثار دون أن تكون العقوبات التي طالت الجناة مقنعة, كما حكم في عام 2002م لسارق تمثال جنائزي (شهرين) وفي عام 2003م صدر حكم على سارق تمثال تهراقا بـ(6) أشهر مع وقف التنفيذ!
حاولنا الاتصال بوزيرة الثقافة بالولاية الشمالية لكن محاولاتنا رغم تكرارها فشلت فاستعضنا عنها بمسئول في حكومة الولاية أقر بحدوث سرقات للآثار بدليل البلاغات التي تجد طريقها إلى سجلات الشرطة لكنه عاد وقال إن هناك تضخيماً ومبالغات بعيدة عن الواقع في هذه القضية، وأكد أن الولاية بها انتشار مقبول لشرطة حماية الآثار ولا يمكن في ظل هذا الوجود أن ينهب بالصورة التي يتحدث بها البعض، وعن الشواهد التي عرضناها يقول إن هناك فرقا من علماء الآثار تعمل بشكل شرعي في عدد من المواقع والناس يعتقدون أن كل من يحفر في الأرض (حرامي) وهذا ليس صحيحياً كما أن المواقع الأثرية المعروفة غالبا ما تكون قد مسحت وحفظت محتوياتها من الآثار لذلك فالحديث عن العبث بالمواقع الأثرية المتاخمة للقرى حديث فيه الكثير من التهويل.

السوداني

تعليق واحد

  1. [SIZE=3]على النوبيين أن يحموا ارضهم ولا يعتمدوا على ا] جهات حكومية حالية أو قادمة في حماية ارضهم وحضارتهم وتراثهم وللا يكرروا اخطاء الماضي البعيد والقريب باعتبار أن الدولة تحميهم وعليهم أن يتذكروا انهم سيظلون عرضة للسرقة والنهب والطمس والتهميش حتى زوالهم لذا عليهم منع اي شخص مهما كانت سلطته ان يأتى ليحفر او ينقب على اي كان ومهما كانت المبررات بل يجب ان ترافق الوفود الحكومية ممثلين ما أهالى المنطقة فهذه المنطقة لا زالت بكر من ثرواتها من الآثار والتى كانت معظمها من الذهبر ولا زالت تحت الرمال!! فالحذر الحذر خاصة من الجهات الحكومية التي تشكو الفاقة والفلس خاصة بعد انقطاع مورد البترول ونقله منة الجنوب [/SIZE]

  2. ..لا اعتقد ان محمد على باشا ترك لنا شئ يذكر من الاثار..ولا الانجليز الذين نقبوا حتى جبل موية الواقع بين ربك وسنار .

  3. والله العظيم الامر اكبر من ذالك البلد دي لو فيها مسؤولين دي ماكانت حالتنا ديل همهم كلو ياخدو مرتباتهم والله واحد فيهم ماعارف الحاصل شنو
    قال شرطه اثار قال 90% من المواقع الثريه مافيها اي شرطه حتى ان لقيت بتلق ليك عسكري مفصول من سنه اولى اساس مابيعرف يكتب اسمو ولا عارف هو قاعد لي اصلا…..
    الخواجات داخلين ومارقين علي كيفهم وقدام عينا ,حتى ولو شغالين بي اذن وتصريح وين الرقابه …………
    وسرقه الاثار من الاجانب او السودانيين لم تبدا مع التعدين الاهلي علي الاطلاق حتي يتحدث المسؤولين عن ايقاف التعدين
    من سنين شايفين الخواجات بيحفرو في كرمه وارقو وتمبس وغيرها ولا في زول بيسال زول
    بالمناسبه من السهل جدا انك تسرق اثار في الشماليه(وانا ما بسميها سرقه لانو حتي السرقه محتاجه شويه تخطيط وخداع اما فيما يخص الاثار فالامر اسهل من ذلك بكثير….)
    واحتمال يكون في مسؤولين متورطين في القضيه دي حكومه الانقاذ اتوقعو منها اي شيء ديل همهم بطونم فقط مافيهم واحد شغال بي اثار لانو لو فتشت بتلق مسؤول الاثار خريج علم اسريه (دا لو اتخرج اصلا).

  4. SUDAN IS THE ONLY COUNTRY IN THE WORLD ,,WHOSE GOVERNMENT ENCOURAGES THIEVES AND LOOTERS,, AND GRAVE DIGGERS TO DESTROY OUR ANCIENT CIVILISATION

    OMER ALBASHIR AND THE REST OF THE INGAZI THUGS DO NOT KNOW ANY THING ABOUT OUR HERITAGE,, THEIR MAIN CONCERN IS TO LET THE MOB DIG FOR GOLD TO KEEP THEM BUSY,, SO THEY WILL NOT REVOLT AGAINST THEIR RUTHLESS GOVERNMENT
    THE NUBIAN CIVILISATION IS THE ONLY CIVILISATION WHICH FLOURISHED ALONG THE BANKS OF THE NILE,,,OUR KUSHITE ANCESTORS RULED THE WORLD ,,AT LEAST WE SHOULD SHOW THEM SOME RESPECT AND DECENCY,,, THE EGYPTIANS CLAIM OUR NUBIAN CIVILISATION AS THEIRS AND THEY ARE MAKING BILLIONS OF DOLLARS FROM THIS CLAIM

    IS NOT IT ABOUT TIME,, THAT OUR ARCHIOLOGIST SHOULD LET THE REST OF WORLD KNOW ABOUT THIS CRIME AGAINST A WORLD HERITAGE

    I KNOW THE NUBIAN SOCIETY HAVE CONNECTION WITH EUROPIAN ARCHIOLOGISTS LIKE PROFESSOR HERMAN BELL ,,WHY CAN NOT THEY GET THESE INFLUENTIAL FIGURES INVOLVED TO STOP THIS VILE CRIME

  5. علشان كده لازم السدود الشمالية تشيد لكى تحفظ الحضارة و لكى تكون هنالك وجود مستديم للسلطة للحفاظ على هذه الحضارة بدلاًًً من هذه السرقات.

  6. العصابه المتمثله فى الشرطه والحكومه والحراميه ديل الشغل دا واضح بمساندة الشرطه وبدل مايسرقوا الغربا ويودوهامصر ويطلعو حقت الفراعنه اسرقو انتو بتخافو اولى انتو

  7. “””لكن والي الشمالية فتحي خليل أقر بتفشي سرقة الآثار بعد ظهور التنقيب عن الذهب بالمنطقة وأدى ذلك إلى اكتشافات أثرية من قبل المنقبين ولم يبلغوا السلطات المختصة بها.”””

    اي سلطات يا فتحي خليل ؟؟؟ كلكم حرامية قايلين نفسكم سلطات بلا سلطات بلا كلام فاضية

    والاثار كيف ما تتهرب اذا كان كل عساكركم مرتشين ولصوص ووزرائكم حرامية وماخذين البلد ليهم هم واهاليهم ؟؟؟ اذا كان انتوا العاملين فيها قادة وحكام اكبر مافيا في العالم دايرين المواطن الجوعتوه والعذبتوه والشردتوه يكون وطني كيف ؟

    واللا لو يلقى تمثال تهراقا يبيعه ويبيع امه كمان

    بلا كلام فاضي معاكم يا احقر واتفه حكومات الارض

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..