مقالات وآراء

الشهادة السودانية …… واللغة العربية الضحية

الباقر علي محمد الحسن

شهد التعليم عموما هزات قوية في العقود المنصرمة ،والذي لم يخف على العين التدهور المريع وعلى وجه الخصوص خارج المدن الكبيرة وهي التي عادة يلجأ إليها المدرسون ذوي الخبرة وكبار السن من المدرسين المؤهلين ، والأسباب معروفة ومعلومة منها الإقتصادي ، أو ضرورة الإنتقال مع الأبناء لمتابعة تعليمهم الجامعي ، وقد إنعكس ذلك جليا في نتائج الشهادة السودانية والتي تميز فيها أبناء المدينة عموما والعاصمة خصوصا بتصدرهم النجاح والتفوق على زملائهم من المناطق الريفية ، المائة الأوائل ، 75 % كانوا من المدارس الخاصة والنموذجية وهذا مؤشر سلبي يوضح أن المدارس الحكومية قد فقدت القدرة على المنافسة وهي غير جديرة بثقة الأباء والأسر .
الرسوب في الشهادة السودانية بلغ 44% من جملة الجالسين للإمتحان ، هذه نسبة مهولة ، وهي تقود لسؤال مشروع كيف تدرج كل هذا الكم الهائل للصف الثالث الثانوي ، والذي يجعل هذا السؤال أكثر مشروعية نسبة الرسوب في مادة اللغة العربية والتي بلغت نسبة 61% ، هذا إن دل إنما يدل على وجود خلل في نظام التقييم أثناء الفترة الدراسية وخلل في نظام الإنتقال الى السلالم الفصلية العليا .
تتعدد الأسباب لتفوق المدارس الخاصة والنموذجية على المدارس الحكومية ، ومن أقوى الأسباب أن المدارس الخاصة تختار التلاميذ المميزين عند القبول وتهتم بالنوع بغرض المنافسة ، كما أنها توفر الكتاب والمدرس المؤهل والبيئة المدرسية المقبولة التي تؤمن للتلميذ تلبية حاجاته أثناء اليوم الدراسي ، فوجود التلاميذ المميزين في حواضن الخاص أفقد روح المنافسة في المدارس الحكومية لتدني مستويات تلاميذها لكن قد توجد بعض الحالات النادرة والتي لا ترقى لمستوى المقارنة بين النوعين من المدارس وعلى الجانب الآخر في المدارس الحكومية والتي تفتقر الى أبسط مقومات البيئة التعليمية الصالحة إجلاسا ومعلما مؤهلا ومدربا وكتابا مرجعا للطالب والمعلم على حد سواء .
المدرس في المدارس الحكومية وبعد تعديل الرواتب يتقاضى ما يعادل 76 دولار ، أي عشرين ألف جنيه ، هذا الراتب لا يكفي لمدة أسبوع واحد مع تصاعد الأسعار الجنوني الذي تعيشه البلاد ، هذا من الأسباب القوية التي تدفع بالمعلم لترك المهنة والبحث عن عمل ذي عائد أكبر أو الهروب للقطاع الخاص والذي يتيح له فرصة القيام بأداء دروس خصوصية لبعض من تلاميذه المقتدرين والذي يدر عليه عائدا مجزيا ، لقد تم تجفيف المدارس الحكومية من المعلمين ذوي الخبرات ، مما أدى لتغطية العجز بمدرسين يؤدون الخدمة الوطنية وهم في غالبيتهم لا يكلفون بتدريس مواد تخصصهم ،
إن الحروب التي عاشتها كثير من مناطق السودان أدت لعدم إستقرار التعليم وديمومته نسبة للنزوح والتهجير مما أدى الى فاقد تعليمي عال وغياب عن الإمتحانات النهائية إما بسبب عدم الجاهزية أو التوجه لأداء أعمال هامشية للمساهمة في توفير ضروريات الحياة المعيشية ، وهذا ينسحب تماما على المناطق التي تأثرت بالسيول والأمطار ،والظروف الطبيعية هذه تأتي خصما على التحصيل والتميز لتلاميذ المدارس الثانوية الحكومية .

لا يفوتنا أن نتحدث عن سياسة نقل التلاميذ من فصل الى فصل أعلى والتي لا يراعى فيها قدرات التلميذ التي تؤهله من ناحية القراءة وإستيعاب المنهج المقرر وذلك تفاديا للتكدس دون مراعاة للحصيلة العلمية التي تلقاها التلميذ في الفصل المنتقل منه للصف الذي يليه ، التلميذ في الصف الثامن لا يعرف القراءة والكتابة في لغته الأم ناهيك عن لغة الأجانب ( الإنجليزية ) ، ويجلس للإمتحان وتترقب الأسر المسكينة تفوق إبنائهم ومنافستهم لتلاميذ المدارس الخاصة ولكن تواجههم الحقيقة المرة إن حصاد أبنائهم كان رمادا وخيبة .
حتى نعيد التعليم لسيرته الأولى مع تطوير المناهج لتواكب النهضة العلمية مع الحرص على مخرجات التعليم الأساس وبالذات في المناطق الريفية ، أن يعاد النظر في تأهيل وتدريب المعلم ، توفير الكتاب المنقح المبرأ من الأخطاء حتى لو دعت الضرورة لتصويره بشكل لائق ومن قبل أن يراعى في تصميم المنهج البيئات الإجتماعية المتنوعة ، خلق بيئة مدرسية جاذبة ، على الأقل حمامات صحية ومياه شرب صالحة، أن لا يتجاوز عدد التلاميذ أربعين تلميذا حتى يتثنى للمعلم القيام بدوره في المتابعة وتوزيع الفرص ، إعطاء كل الصلاحيات لمدراء المدارس في عدم نقل التلاميذ الى الصفوف العليا في حالة عدم إستيفاء شروط النقل للصفوف الأعلى ، مشاركة الأسرة في متابعة التلاميذ وأن تخلق قنوات إتصال بين المدرسة والأسرة للمشاركة في تقييم أداء التلميذ ،
على وزارة التربية والتعليم كجهة ممثلة للدولة إن توفر الإجلاس المناسب والكتاب وأن تجعل من تدريب المعلم هدف إستراتيجي كما على الوزارة إعادة النظر في العائد المادي للمدرس حتى تكون المهنة جاذبة ووظيفة تؤمن حياة كريمة للمعلمين .
بذلك يمكن أن تتاح الفرص المتقاربة للمنافسة بين التعليم العام والتعليم الخاص للحصول على مقاعد بالجامعات تضمن أستمرار الطالب في الجامعات بقدرته وإمكاناته التحصيلية ومن بعد أن يكون المخرج منافسا للتعليم على مستوى العالم العربي والعالمي ،

الباقر علي محمد الحسن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..