مصر وأميركا..مصالح وليس زواجاً كاثوليكياً

المؤثرون في صناعة القرار الأميركي لم يعودوا واثقين من قدرتهم على التعويل على القيادة المصرية في حماية المصالح الأميركية الاستراتيجية.
بقلم: محمد بن امحمد العلوي
الولايات المتحدة الأميركية تحسب الخطى لكي لا تكون خسارتها لمصر مدوية، حيث أن المواجهة بين الإدارة الأميركية والسلطة الحاكمة في مصر إن هي خرجت عن نطاق السيطرة من الممكن أن تغرق أميركا في عصر الاستعداء مثل تلك التي حصلت بين حركة الضباط الأحرار عام 1952 وموت جمال عبد الناصر الذي لم يتورع عن تطوير واستخدام نفوذ مصر في تأجيج القومية العربية ومعاداة الولايات المتحدة في جميع أنحاء أفريقيا والعالم العربي كسلاح كان يعتبره ضاغطاً لتمرير سياساته.
أخرجت أميركا سلاح المساعدات الأميركية لمصر التي تقدر بنحو 1.5 مليار دولار سنوياً للضغط على المؤسسات العسكرية والسياسية، في حين أن المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة قد قدمت مبلغ 12 مليار دولار في شكل منح مختلفة تتراوح بين ودائع في البنك المركزي والمواد الغذائية والحبوب والمنتجات النفطية، ومواد البناء دعماً للمصريين وحرباً على الفكر المتطرف في المنطقة والذي يتغذى من الانفلات الأمني بسيناء بشكل خاص وتطويقه في اليمن.
إذن المواجهة بين مصر والولايات المتحدة تهدد بتدمير أسس إقليمية سياسية وأمنية وعسكرية واستخباراتية ومن ضمنها تحالف شامل لمكافحة الإرهاب تأسست قواعدها على مدى عقود من الزمن، إضافة إلى مجموعة مهمة من الاستثمارات الأميركية في مجالات التعليم والبحوث الطبية والتدريب الصناعي والتجارة والتوجيه السياسي التنظيمي لجيل من المهنيين المدنيين والعسكريين.
الجيش المصري بعد اتفاقية كامب ديفيد الموقعة في 17 سبتمبر 1978 يعتبر عاملاً رئيسياً في المحافظة على مضمون الاتفاقية المتمثلة في تأمين السلام بين مصر وإسرائيل إضافة إلى عزل التنظيمات الراديكالية، بالتالي فأي خلخلة للوضع في مصر والضغط على قياداتها العسكرية يمكن أن تزيد الأمور تفاقماً في منطقة سيناء والتي تتحرك فيها مجموعات متطرفة، ولا يمكن إغفال حركة حماس في قطاع غزة داخل معادلة تأمين.
بعد مقتل 16 جندياً وضابطاً مصرياً بسيناء في عهد الرئيس المعزول مرسي قبل عام، في العملية التي مثلت صدمة لدى الرأي العامّ المصري وخلقت جواً مرتبكاً على جميع مستويات القيادة السياسية والعسكرية والاستخبارية ليتعزز الرأي القائل بأنّ سيناء بركان قابل للهيجان في أي لحظة ليس لمصر وحدها بل للمنطقة بأسرها، مما يعني إعادة النظر في الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية في توازٍ مع ما هو أمني خصوصاً إذا لاحظنا أن المنطقة أصبحت مرتعاً لكل أنواع الأعمال غير المشروعة من تهريب السلاح إلى المخدرات والرقيق وهي تجارة الإرهاب الدولي الذي يهدد الأمن الإقليمي والدولي، الشيء الذي تقرأه الولايات المتحدة في المعنى الشامل للجيوستراتيجي الذي يشمل أمن إسرائيل كحليف استراتيجي.
أميركا الواقعية ربطت المساعدات باتفاقية كامب ديفيد وأي إخلال ببنود هذه الاتفاقية الحامية لأمن إسرائيل ينتج عنه ترتيب آخر في العلاقات المصرية الأميركية والمساعدات المقدمة سواء عسكرية أو غيرها.
لا بد من ربط موقف أميركا مما يحدث في مصر في ميداني رابعة والنهضة، مع قرار إغلاق قنصليات وسفارات الولايات المتحدة في 19 دولة ومنها مصر بعد إصدار تحذيرات بأن هناك احتمال هجمات على مصالح أميركية بناء على اتصالات تم اعتراضها بين قادة تنظيم القاعدة في اليمن وباكستان تركز على السفارات كأهداف واضحة من قِبَلِ القاعدة، هذه الأخيرة التي أعلن اوباما في حملته الانتخابية لولايته الرئاسية الثانية أن تنظيمها على طريق الهزيمة.
نرى أن موقف أميركا مما يحدث في مصر يمكن أن يقرأ على أنه صراع على السلطة ويتخوفون من أن يتعدى تأثيره السلبي إلى مصالحها الحيوية في أماكن أخرى من العالم، في عمليات مثل الهجوم على المدمرة الأميركية كول قبالة السواحل اليمنية في عام 2000 وتفجير سفارتي الولايات المتحدة في شرق أفريقيا في عام 1998، والهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي ومقتل السفير وصولاً إلى انفجارات ماراثون بوسطن.
مع تصريح دانيال بنيامين مدير مركز جون سلون ديكي للتفاهم الدولي في كلية دارتموث الذي قال فيه “بعد الربيع العربي، لا يمكننا الاعتماد على الأجهزة الأمنية المحلية بعد الآن” نستشف من هكذا تصريح أن المؤثرين في صناعة القرار داخل الولايات المتحدة بالرغم من أنهم يصدرون توصياتهم وتقاريرهم إلى الإدارة بالتحالف مع القيادة السياسية والعسكرية في مصر حسب المصلحة الإستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية لكن بلا ثقة مبالغ فيها بكل بساطة، خصوصاً وأننا نتحدث على جيش تحركه عقيدة متماشية مع نبض الشعب المصري وقاد حركة 1952 وعبور 1973 ومواقفه في 25 يناير 2011، كمؤسسة وطنية كان دائماً يعمل على إعادة ترتيب المشهد الداخلي وتغيير السّياق الذي لا يتوافق مع مصالح البلد.
محمد بن امحمد العلوي
ميدل ايست أونلاين