الاهتمام بالمحاسبة والحمامات لجذب الاستثمارات

أسامة ضي النعيم محمد
من بين النقاشات التي كنا نثيرها في سبعينيات القرن الماضي مع بعض وزراء المالية في السودان – رحم الله الجميع أمواتا وأحياء-هو تواجد مقار ادارات الحسابات في معظم الوزارات والمصالح بقرب مباني الحمامات ، ذلك يعني بعدها جغرافيا ولو لأمتار معدودة عن مكتب وكيل الوزارة أو مدير الوحدة وهو بحسب اللائحة المالية المناط به ادارة المال و أمين الخزينة كمسئول أول يفوض من يراه لتولي أعمال المحاسبة والصيرفة ، تلك النقاشات ساهمت كثيرا في رد ألاعتبار لمهنة المحاسبة والصيرفة في السودان وصدر قرار تثبيتا لتلك الرؤية بقيام ديوان الحسابات علي رأسه وكيل أسوة بديوان شؤون الخدمة كما كان يسمي ، تعدلت النظرة الي فئة المحاسبين ومكتب وكيل ديوان الحسابات لا يبعد عن مكتب وزير الماليه الا بقدر درجات السلم الذي بناه الإنجليز وحصل العديد من المحاسبين علي بعثات دراسية الي خارج السودان ، ذلك كان جهد اتحاد المحاسبين والصيارفة في ذلك الزمان مع رجال دولة من وزراء الماليه تجالسهم وتحس بأنك في حصة مع وعن الوطن السودان.
لا بد من ذكر بعض وزراء المالية الذين ساهموا في تغيير النظرة الي فئة المحاسبين والصيارفة في وزارة المالية ومن بينهم معالي الاستاذ / الشريف الخاتم ومعالي الدكتور/ ابراهيم منعم منصور ومعالي الدكتور/ ابراهيم الياس ، بصفة خاصة أولي الاستاذ الشريف الخاتم قدرا كبيرا لتحسين بيئة العمل المحاسبي والصيرفي في الوزارات والمصالح الحكومية حيث كان يتم انتداب المحاسبين والصيارفة من وزارة المالية للعمل بالوحدات المحاسبية في الوزارات والمصالح الحكومية ، كان يستمع كثيرا الي تظلمات اتحاد المحاسبين والصيارفة ويصدر الاستاذ الشريف الخاتم من القرارات والمعالجات ماهومقنع وعادل ويرضي الجميع.
تفرقنا أيدي سبأ وتشتت الرصاص ولم نعد كما كنا في 16/04/1972م وهو تأريخ استيعابنا كمحاسبين جامعيين في وزارة المالية ، جرت مياه كثيرة وتطاول العهد الي نصف قرن وتضاءل أو غاب دور ديوان الحسابات ونقابته في الثلاثين عاما الاخيرة في صنع الكثير من الاحداث المالية ولم يعد تقرير ديوان الحسابات وإشرافه المالي الا علي نسبة 18% من حجم الموازنة المعتمدة للدولة، غض الطرف عن تجنيب المال العام خطيئة مارسها ديوان الحسابات وأصبحت عنوانا لكثيرمن الفساد سجلته تقارير المراجع القومي في نهاية أعمال المراجعة السنوية، نسبة 82% من الاموال العامة لم تعد تحت ولاية وزارة المالية ، وحدات حكومية تخصص لها أموال من الموازنة العامة تفتح حساباتها في البنوك التجارية داخل وخارج السودان بالعملات المحلية والصعبة دون علم ديوان الحسابات ، لم تحرك جمعيات المحاسبين المهنية ونقابة المحاسبين والصيارفة حبل جرس الانذار أو ترسل اشارة حمراء للشعب ليحمي أمواله وخزائنه من عبث القلة.
الانضباط المالي والمحاسبي في حركة الصرف والإيداع في خزائن الدولة هو المحدد والمتابع لحسن الاداء . الفساد المالي وجد طريقه بخفة الي كيس الدولة عبر التسيب في الاداء المحاسبي والصيرفي في السودان ، ذلك السلوك هو ما وضع السودان في قائمة الدول الطاردة للاستثمارات الاجنبية وحتي رأس المال السوداني المنهوب من خزائن الشعب السوداني أناخ مطاياه بعيدا في شواطئ ماليزيا وتركيا أو تحول الي أصول وعقارات في دبي ، ليت الاموال المنهوبة وظفت في مزارع ومراع داخل السودان .
ثم من طاردات الاستثمار ورجال الاعمال وتسميم بيئة العمل في السودان هو التعامل في توفير الحمامات العامة بمستوي كما هو في معظم بلاد العالم ، في محطات التوقف عبر المدن تجد الحمامات النظيفة التي تصلح لاستعمالات جميع أذواق العالم ، في السودان لا زلنا نتعامل مع ( الكنيف ) أو مستراح فقط لفئة بعض السودانيين ، تلك من الموبقات السودانية الطاردة لرجل أعمال خليجي حبسه غيابها في فندق اقامته بالخرطوم الي أن غادرها عائدا بأمواله . أصابني الكثير من تجريحه لي كمستشار وصديق ناصحته بالاستثمار في السودان.
يبقي جذب رجال الاعمال الاجانب للاستثمار في السودان صناعة مثلها خدمات الضيافة علي متن الطائرات ، عفش الراكب في أمان بعيدا عن أياد فاسدة تمتد لسرقته أو تسمعه عبارة ( حقي وينو) . ثم حاجته الانسانية ونداء الطبيعة يقضيها في حمام يليق ، تلك عناصر جذبه لتكرار الرحلة علي ذات الخطوط الجوية السودانية وإلا غادرها الي الخطوط الاثيوبية حيث تجد استثماراته عينا حفيظه وعلما عصريا يساعده في تنمية ثرواته ويتردد في أذنيه صدي قول الرسول الكريم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام لأصحابه : ( لو خرجتم الي الحبشة ، فان بها ملكا لا يظلم عنده أحد).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.