سليمان سري المتحدث الرسمي باسم التحالف العربي من أجل السودان: هناك صمت عربي مريب تجاه ما يحدث في السودان

حاورته: روعة قاسم
قال الصحافي والكاتب السوداني سليمان سري مسؤول الإعلام والمتحدث الرسمي باسم “التحالف العربي من أجل السودان” لـ “القدس العربي” إن الاحتجاجات في السودان انطلقت بدوافع اقتصادية ورفضا لاحتكار مجموعة صغيرة المال العام وثروات البلاد. مشيرا إلى انه منذ اندلاع الحرب في دارفور 2003 والسودانيون يفتقدون إلى الأمن والاستقرار. موضحا ان فصل الجنوب أشعل الحرب في جنوب كردفان “جبال النوبة” وجنوب النيل الأزرق. وأكد أن السودان لديه إرث في تفجير الثورات بداية من الثورة المهدية في العام 1885 مرورا بثورة أكتوبر/تشرين الأول، حتى انتفاضة الشعب في نيسان/أبريل 1985. وقال إن هذه الثورات تمثل إرثا تاريخيا متراكما في ثقافة الشعب السوداني. يشار إلى أن التحالف العربي من أجل السودان يضم 130 منظمة مجتمع مدني في 19 دولة في الوطن العربي، وقد نشأ بمبادرة من نشطاء سودانيين وعرب بهدف كسر الصمت العربي الرسمي وغير الرسمي، تجاه ما يحدث في دارفور.
وهنا نص الحوار:
*ما تقييمكم للمشهد في السودان اليوم وما هي أسباب الاحتجاجات التي تشهدها البلاد؟
**المشهد الآن هو أن الجماهير التي خرجت لأسباب اقتصادية تتعلق بمعاش الناس احتجاجاً على الارتفاع “الجنوني” في الأسعار وانعدام السلع الضرورية، باتت تطالب بإسقاط النظام لأنه عجز عن توفير السلع الضرورية من غذاء ودواء ووقود. ثم تمددت الأزمة حتى أصبح هناك شح كبير في السيولة، والدولة تتحكم في أموال المودعين في البنوك، ولا تسمح بالسحب إلا بسقف محدود، وذلك مع تنامي التضخم والصعود اليومي للعملة الأجنبية مقابل العملة المحلية التي فقدت قيمتها، فالأسعار كل يوم تتغير ما تسبب في انعدام السيولة. ويلجأ النظام لطباعة العملة يومياً مما يزيد من حجم التضخم، هذا بغض النظر عن مشاكل الصحة وأزمة العلاج وانعدام الدواء “أي الأدوية المنقذة للحياة” يعني من يذهب للعلاج قد لا يعود. المقتدرون يستطيعون السفر إلى الخارج خاصة وأن بعض الأمراض المستعصية والعمليات الخطيرة يصعب علاجها في السودان، والمعاناة تتضاعف كل يوم وتضيق الخناق على الشعب السوداني، في المقابل لا توجد معالجات جادة من الدولة ونسمع عن حجم الفساد يتجاوز أي شكل من أشكال الفساد في الدول العربية والأفريقية. هذا الفساد الذي لم ينكشف حجمه إلا بعد ان انفجر الصراع بين مراكز القوى داخل النظام وجهاز أمنه وحزبه الحاكم، بدأنا نسمع على من أطلقوا عليهم تسمية “القطط السمان” وتمت اعتقالات عشوائية في إطار ما يسمى بالحرب على الفساد، وتمت تسويات نسمع بها في الإعلام لا تصل المحاكم ولا يعاقب أي مسؤول متهم بالفساد. والحقيقة كل المنظومة تمارس الفساد، بدون محاسبة أو مراقبة، وكل عام يصدر المراجع العام تقارير فساد واعتداء على المال العام، وتهرب مؤسسات كبيرة حكومية وشبه حكومية من تقديم حساباتها للمراجع العامة، أبرزها وزارة السدود، وذلك بخلاف الشركات التي تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطنية والتي تنهب من وراء الاستثمار وبيع أراضي الدولة الزراعية للمستثمرين بغرض التصدير وليس لتوفير الغذاء للمواطنين. ويتم تصدير المحصول للخارج رغم حاجة البلد للغذاء ولا تدخل العملة الصعبة للبلاد من هذا النشاط. ويستثمر البعض في التعدين، الذي يسبب أمراضا فتاكة ويذهب عائده لمجموعة من النافذين في دوائر الحكم، وعائد الذهب يوازي عائد النفط، فلم نستفد لا من هذا ولا من ذاك، وهكذا الساقية تدور، كل مسؤول يأتي ينهب ويذهب.
كل تلك السيناريوهات تمثل المشهد الآن يضاف إليها الظلم المتراكم طوال الثلاثين عاماً الماضية من انتهاكات وقمع للنشطاء والمعارضين والشباب والطلاب، من قتل خارج نطاق القانون واعتقال على أساس سياسي وعرقي واختفاء قسري نتيجة للخطف من الشارع أو دور الأحزاب أو المنظمات أو الجامعات، ولا يتم الإعلان عن المخطوف. وهذا يحصل بخلاف القوانين المقيدة للحريات وأوله قانون الأمن الوطني الذي يوفرالحصانات لمنسوبيه والمتعاونين معهم، ويمنحهم سلطة الاعتقال بدون أي أسباب، وقانون النظام العام الذي يهين المرأة ويحط من كرامتها بالجلد 40 جلدة مع الغرامة أو السجن أو الثلاثة معا وذلك بحجة ارتداء الزي الفاضح. هذا مع منع النشاط السياسي والحقوقي ووضع الصحف تحت الرقابة الأمنية ومصادرتها بعد الطبع إمعانا في اضرارها مالياً، مع فرض قائمة طويلة من الممنوعات على غرار حظر النشر في قضايا مهمة كالفساد وفي أحداث يومية مثل الحراك الشعبي الثوري الحالي، وحظر كتاب الرأي من الكتابة واعتقال الصحافيين والناشطين والسياسيين واستدعاؤهم بصورة مستمرة، ومنعهم من أي مشاركة خارجية، عدا عن الملاحقات القضائية ببلاغات كيدية.
لذلك الاحتجاجات انطلقت لأسباب اقتصادية بسبب انعدام أبسط مقومات الحياة مقابل احتكار مجموعة صغيرة المال العام وثروات البلاد، فلا توجد أسرة سودانية لم تتضرر من هذا النظام الذي أصبحت المطالبات بإسقاطه أمرا أساسيا فلا جدوى من تجريب المجرب ولا جدية للنظام في معالجة الأمور فهو نفسه يعاني من أزمة مركبة ولن يحل الأزمة.
*ومن يقود هذا الحراك وما مدى مخاطر “عسكرته” كما حدث في دول أخرى إقليمية؟
**بعد خروج الناس في تظاهرات بدأت من مدينة عطبرة “أتبرا” في شمال السودان، تولى “تجمع المهنيين السودانيين” زمام المبادرة ليعلن زمان ومكان الحراك والتجمع وتنظيمه، ثم أعلن عن سكرتيره العام المعتقل حالياً دكتور محمد ناجي الأصم والدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى وزير دولة للعمل السابق، وهذا الظهور لتجمع المهنيين جاء للتعريف بأنفسهم وللتنسيق مع القوى السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.
هذا التجمع جاء كجسم مواز للنقابات التابعة للنظام ويفتح مسارا ثالثا للتواصل مع الجماهير، ويمكّن المعارضة من العودة للمشهد السياسي والإعلامي ويقطع أي حوار بينها وبين النظام ويبعث برسالة بهذا النشاط المبتكر للحركات المسلحة التي كانت في طريقها للتفاوض بأن تجمّد تفاوضها مع النظام، كل تلك القوى المدنية والمسلحة وضعت يدها مع هذا التجمع واستطاعت أن تحشد له الدعم والتأييد بتوجيه قواعدها للمشاركة في كل دعوة تصدر من هذا التجمع.
*وإلى أين تسير الأمور إذن؟
**تسير إلى منتهاها وتحقيق أهدافها بإسقاط النظام الذي ظلّ جاثما على صدر الشعب السوداني ثلاثين عاماً من الفشل والانهيار. نظام شمولي قسم البلاد على أساس عرقي، ديني وثقافي وسياسي ليظل في سدة الحكم. ضحى بنصف ثروات البلاد في مقدمتها النفط والمعادن وغيرها من الثروات الزراعية والحيوانية، ثم أشعل الحرب في مناطق الإنتاج في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، تسبب في قتل ما يقارب (300 ألف في دارفور و100 ألف في المنطقتين) 400 ألف شخص في المناطق الثلاث وشرد ما يقارب من مليونين في معسكرات النزوح في الداخل واللجوء في دول الجوار منذ اندلاع الحرب في دارفور 2003 والناس تعيش في المعسكرات وليسوا في وضع آمن، ومنذ 2011 وبعد فصل الجنوب أشعل الحرب في جنوب كردفان “جبال النوبة” وجنوب النيل الأزرق، ليستمر في السلطة ويحكم بمن بقي وفضل أن يبعد معارضيه ممن تقاسموا معه السلطة عبر اتفاقية السلام في العام 2005.
*هل يمكن اعتبار ان ما يجري في السودان هو امتداد لـ “الربيع العربي”؟
**بدون التقليل من أهمية “ثورات الربيع العربي” لكن كل دولة لديها ظروفها. يمكن أن نعتبر الثورات هي امتداد في وحدة الشعوب تجاه رفضها للديكتاتوريات والنظم الشمولية. وإذا كانت الثورة تعني تغييرا نوعيا فإنّ هذا التغيير لم يحدث باستثناء تونس. في المقابل لم يتحقق التغيير في بقية الدول. “الربيع” في ليبيا لم تحققه الإرادة الشعبية إذ كان بعون خارجي أسقط النظام في ليبيا. في مصر عادت السلطة لأحضان العسكر، في سوريا أيضاً حدث تدخل خارجي وحماية مباشرة من روسيا وانتصر بشار الأسد، المشهد في اليمن تحول إلى حرب بالوكالة، والحال يغني عن السؤال، فالربيع العربي في بعض الدول ارتبط بتقاطعات إقليمية ومصالح دولية.
في السودان المشهد يختلف عن دول الربيع العربي التي لم تجرب معاناة الشعب السوداني. نحن واجهنا نظاما ايديولوجيا عسكريا، مع كل ما أحدثه من كوارث وجرائم تفوق ما حدث في دول المركز العربي من قتل ودمار وتخريب.
السودان لديه إرث في تفجير الثورات بداية من الثورة المهدية في العام 1885 فقد كنا الدولة الوحيدة التي طردت المستعمر التركي ـ المصري، حتى مصر نفسها لم تتحرر من الاستعمار التركي وحكمنا حتى مجيء الاحتلال الإنكليزي ـ المصري. ثم ثار الشعب على نظام عبود الذي حكم منذ العام 1958 حتى 1964 ضمن الثورة المعروفة بثورة أكتوبر/تشرين الأول، ولم يمكث النظام الديمقراطي أكثر من 5 سنوات حتى انقض العسكر على السلطة بقيادة جعفر محمد نميري في 25 أيار/مايو 1969 حتى انتفاضة الشعب في نيسان/ابريل 1985.
هذه الثورات تمثل إرثا تاريخيا متراكما في ثقافة الشعب السوداني. لكن شعبنا غير محظوظ مع الانقلابات العسكرية التي تقوض النظام الديمقراطي المنتخب، فمثلاً جملة النظم الديكتاتورية حكمت حوالي خمسين عاما مقابل عشرة أعوام ديمقراطية فقط.
*ما مآل الوضع إذن؟
**عوامل نجاح هذا الحراك توفرت بإرادة شعبية وتوحد كل الشعب السوداني للخلاص من هذا النظام. والشارع فرض رأيه على السياسيين ولكن لم يتم تجاوزهم على العكس هناك تنسيق كامل بين الحركات المسلحة والقوى السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وهذه تخلت عن الحياد كونها هي نفسها في قلب الاستهداف، مع شباب وجيل عاشق للحرية ومتطلع للعيش بكرامة وفي كل يوم يبهر العالم بإبداعاته ومحافظته على سلمية الحراك “سلمية …سلمية ضد الحرامية” حرامية لأن الحكام نهبوا مستقبله. في المقابل يستخدم النظام فزاعة “الربيع العربي” وما حدث فيه من خراب محذرا من أن السودان سيلقى المصير ذاته إن حاول السودانيون تغيير النظام، وأي تظاهرات تعني له محاولات تخريبية ومدعومة من جهات خارجية مثلما اتهم مدير جهازه حركة تحرير السوان بقيادة عبد الواحد محمد نور بدعم إسرائيلي. وهم يطلقون هذه التصريحات لتحميل الأزمة لجهات غير موجودة وترحيلها للخارج لعدو “وهمي” غير موجود، كأنما الشعب السوداني يعمل بمؤثرات خارجية وليس بمطالبه وحقوقه.
*كيف تفسر زيارات عمر البشير الخارجية الأخيرة؟
**زيارة البشير إلى سوريا كانت مفاجئة وغير معلنة وبترتيب روسي وعربي هدفه كسر عزلة الرئيس السوري بشار الأسد، فقبل تلك الزيارة زار روسيا زيارة سرية ثم زار سوريا زيارة غير معلنة، على الرغم من أن النظام السوداني كان ضد موقف الأسد واستقبل اللاجئين ونشطاء ومعارضين سياسيين إسلاميين من سوريا، فزيارته كسرت الطوق والعزلة على سوريا.
لكن ما نود تذكيره للدول العربية والافريقية والجامعة العربية والاتحاد الافريقي جميعهم لم يدينوا عمليات القتل التي حدثت، هذه الدول عليها أن تراجع موقفها فالعلاقات مع الشعوب قوية واستراتيجية والأنظمة إلى زوال مهما طال أمدها. وفي الوقت ذاته لا يفوت علينا أن نقدر الدعم والتأييد من الشعوب العربية في دول المغرب العربي ومصر من خلال عدد من النشطاء والسياسيين والصحافيين والمثقفين الذين عبروا عن موقفهم بمذكرات وحملات تواقيع. وبعضهم خرج مثلما حدث في المغرب، فالصلات بين الشعوب لا تنفصل ومصيرها مشترك في رفض الأنظمة الشمولية.
*لو تحدثنا عن إنشاء التحالف العربي من أجل السودان وأهدافه؟
** نشاهد ونتابع الآن الصمت العربي المريب تجاه ما يحدث في السودان، إذ لم تعبر تلك الدول عن قلقها تجاه ما يحدث ولم تدن القتل بالرصاص الحي، وحدث الأمر كذلك في أيلول/سبتمبر 2013، وفي اندلاع الحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. مات مئات الآلاف برصاص النظام وميليشياته، حجم الضحايا في السودان يتجاوز عدد الضحايا في الدول العربية مجتمعة.
ذلك كان هو سبب نشأة التحالف العربي من أجل السودان، هذا التحالف نشأ بمبادرة من نشطاء سودانيين وعرب وهدفه كسر الصمت العربي الرسمي وغير الرسمي، تجاه ما يحدث في دارفور عام 2008 وأطلق نشطاؤه حملة تحت شعار “انقذوا دارفور قبل فوات الأوان” وذلك لأن كل العالم اهتم بأزمة دارفور عدا العرب. هذه الحملة وجدت استجابة كبيرة انضمت لها 57 منظمة، والآن التحالف العربي من أجل السودان يضم أكثر من 130منظمة مجتمع مدني في 19 دولة عربية، تم تغيير اسم التحالف العربي من أجل دارفور إلى السودان، لأن السودان كله أصبح دارفور، السيناريو نفسه الذي حدث في دارفور تم تنفيذه في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ثم غيرنا الاستراتيجية لتستوعب كل مشاكل السودان من تضييق للحريات وقتل للأبرياء خارج نطاق القانون والاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، وكل الانتهاكات التي يعاني منها الشعب السوداني.
أصبحنا نمثل صوت الشعب السوداني في الخارج لأن ما يحدث في السودان لا يعكسه الإعلام العربي وإذا اهتم بنشر قضايا السودان فإن ذلك يحصل في نطاق محدود. لذلك نحن نقوم بتوثيق ما يحدث ونشره في وسائل الإعلام في الخارج ونشكل مجموعة ضغط نحاول التأثير على مركز القرار في مجالس حقوق الإنسان في سويسرا أو اللجنة العربية لحقوق الإنسان في جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي، وهنا نشير إلى أنه وبعد وضع الصحف تحت الرقابة الأمنية وسحب تراخيص بعض المراسلين، والتضييق الشديد على مراسلي وكالات الأنباء والصحف العالمية والقنوات الفضائية، ليس أمام السودانيين إلا الاعتماد على الإعلام البديل “الالكتروني” وتطبيقاته ووسائطه المتعددة رغم انه تم قطع الانترنت أثناء الحراك.