مقالات وآراء

عن الثورة القادمة، أقول

معتصم بخاري

لا شك أن الوضع العام في السودان قد وصل إلي مرحلة الإنهيار التام أو كاد، و بلغ يأس الناس مرحلة تنذر بأن القادم أخطر و أن المصير قاتم و قد بلغت القلوب الحناجر و لم يعد في الإمكان تجميل الواقع أو الصبر عليه.. لم يعد الحديث عن أزمة، بل أزمات تطبق علي أعناق الخلق و تداهمهم من كل حدب و صوب..

تنادي أعداء الأمة و “خونتها” بأن حي علي قتل الثورة و وأدها، تكاتف أبناء الأبالسة و الأبالسة من مجرمي و ” زبالة” المؤتمر الوطني البائد مع عسكر اللجنة الأمنية للمخلوع و قطاع طرق ” الخلا”، تعاونوا ليس علي البر و التقوي بل علي التضييق علي الناس في أرزاقهم و سبل عيشهم… إستخدموا ما بيدهم من سلطة جاءتهم في ساعة غفلة لإرباك المشهد العام، و ما بيدهم من أموال كسبوها غشآ و سرقة لضرب العملة الوطنية لتهوي الي مستويات غير مسبوقة من التدني الإنحطاط مما أدي إلي حالة من الجنون في السوق حيث أصبح من المستحيل الوفاء بأبسط موجبات الحياة الكريمة.. أو بأبسط مقومات الحياة حتي و إن لم تكن كريمة !!.

بعد أن أنجز الثوار واحدة من أنبل الثورات في العصر الحديث من حيث سلميتها و مدنيتها و روعتها، كان المرتجي أن ينهض الساسة و يتسلموا زمام الأمر و المضي بالثورة نحو تحقيق غاياتها و آمالها… و الناظر إلي شعارات الثورة ( حرية ،سلام، و عدالة)، يجد أن أيًَ من هذه الشعارات النبيلة لم يتحقق.. و بالضرورة يحتاج تحقيق هذه الشعارات الي وضع سياسي مستقر و إقتصاد يتعافي، يعطي الناس بعض الأمل في غد أفضل… و علي العكس من كل التوقعات إزداد الأمر سوءآ و لم يعد بإمكان الشعب الصبر علي هذا الوضع المأساوي المحبط..

و في هذا الصدد يتحمل الساسة جزءآ مقدرآ من المسؤولية، حيث فشل جلهم في الإرتقاء الي مستوي المسؤولية الوطنية.. و تفرغوا عوضآ عن ذلك للبحث عن المحاصصات و برعوا في الكيد السياسي ليس إلا. لم يقدموا عن طريق أحزابهم أي برنامج سياسي يلهم شباب هذه الأمة أو يقودهم الي طريق التنمية و البناء..

لقد دأب جنرالات اللجنة الأمنية للمخلوع و ” مساندوهم ” من “قطاع الطرق” يرمون باللوم علي المكون المدني للسلطة الإنتقالية، و كأنهم ليسوا جزءآ من هذه السلطة. ظنآ منهم بأن ذلك سيؤلب الشعب علي الحكومة المدنية و يعطيهم تفويضآ طلبوه “صراحة” للقفز علي السلطة بإنقلاب عسكري.. و لكي يمهدوا لفعلهم القبيح هذا، تركوا حالة التفلت الأمني تنتقل من منطقة الي أخري دون أن يحركوا ساكنآ.. و ظنوا بأن الشعب سيقبل أن يحكمه جنرال آخر .. و نحن نعلم أنهم يعملون وفق تعليمات و “أوامر” تأتيهم من خارج الحدود و لا يعنيهم الوطن للاسف في شئ..

رغم الإنجازات المهمة و الإختراقات الجبارة التي حدثت في ملف العلاقات الخارجية، من حيث رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مما مهد لعودة السودان معززآ الي حضن الأسرة الدولية.. و إنعقاد أكثر من مؤتمر لشركاء السودان، و إرسال بعثة اليونامس تحت البند السادس من مجلس الأمن لإرساء قواعد التحول المدني الديمقراطي.. و رغم كل الإشارات التي خرجت من عواصم مهمة و ذات تأثير علي مجمل الأوضاع الدولية تنادي بإحترام خيار الشعب السوداني و رغبته في الحكم المدني.. رغم كل هذه الإنجازات، إلا أن الوضع الإقتصادي ظل عصيآ علي الإصلاح نسبة لكم الدمار و الفساد الذي أحدثه نظام الإنقاذ المقبور خلال سني حكمهم الثلاثين البائسة.. و نسبة لحال الحرب التي تشنها الدولة العميقة بكل مكوناتها ضد التحول المدني و ضد الثورة…

أقول

إن الوضع أصبح فوق طاقة الشعب ليتحمله، و قد بدأت بعض التحركات الإحتجاجية تنطلق بعفوية في بعض الأحيان و “بتدبير” في أحيان أخري.. و تشترك قوي كثيرة في تحريك هذه الإحتجاجات.. بعضها صالح و بعضها طالح.. و ينبغي أن يعلم من يكيدون للثورة، بأن الثوار يعون و يدركون أين تكمن مصالحهم، و ستكون لهم الكلمة الفصل في نهاية المطاف… و لن يرضي الشعب أن يحكمه جنرال آخر حتي و إن إضطر الي أكل لحاء الشجر..

الجولة الثانية للثورة قادمة لا محالة، و قد عرف كل أناس مشربهم، و قد تمايزت الصفوف… و فترة الإنتقال “الأولي” أظهرت المعادن و كشفت الغطاء… و سيكون الحساب عسيرآ هذه المرة.. و لن يرضي الثوار ” بنصف ثورة”.. و هم يعلمون أن القادم أصعب و التضحيات ستكون أكبر… و لكن لا بد من صنعاء و إن طال السفر و لا بد من الديمقراطية و إن زاد العنت..

د. معتصم بخاري

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..