17 نوفمبر 1958م: نعي الديمقراطية الأول

ذكرى تسلُّم طغمة 17 نوفمبر 1958م للحكم هي يوم الشؤم العظيم لبلدنا. فعصابة نوفمبر، في لغة التصوير، هي “النجتيف-العفريتة” التي طبعنا منها نُظُم الطُّغَم التي توالت علينا. فقد صادر الانقلاب الحوار الوطني الذي دار حول منهج الحكم آنذاك، وعرض المعونة الأمريكية لنا في ملابسات الحرب الباردة. ولم تقبل دوائر واسعة منا بهذه المعونة. وقد تحالفت تلك الدوائر في موكب 21 أكتوبر 1958م الذي اقتحمه السفير الأمريكي آنذاك لسبب غامض ما يزال. وصوَّر المنقلبون هذا الحوار بأنه قلاقل استحقت القمع والوصاية. وقد ردَّ اتحاد طلاب جامعة الخرطوم على هذا المنطق بمذكّرتهم للطُّغمة النوفمبرية في سبتمبر 1959م قائلين: “وكنا نرى منذ البداية أنه في ظل الديمقراطية، لا في غيبتها، يتدرَّب الشعب على الحكم النيابي والاستمساك به”. وهكذا فرَّط الانقلاب في عادة الديمقراطية، وأرسى عادة الاستبداد. وقد فشت العادة في الحكومة والمعارضة معاً، وتأبَّطت الطُّغَم شرَّ السلاح وشرهه، وأفرغوا السياسة من الشعب مصدر السلطات.
لقد أخذت الطُّغَم اللاحقة قسماتها الدميمة كلها من نطفة نوفمبر الأولى. فقد أصدرت حكومة 17 نوفمبر قانون دفاع السودان (1958م) الذي أساء للعدل بسنة المحاكم العسكرية للمدنيين والاعتقال التحفُّظي. وتعدَّت على حرية التنظيم بإلغاء قوانين العمل النقابي بأخرى موسوسة مثل قانون نقابات العمال 1960م، والقانون رقم (9) لاتحاد طلبة جامعة الخرطوم، وقانون المجلس المركزي؛ الذي كان رئيس القضاة وقتها قيِّماً على اللجنة التي وضعت مُسَوَّدته الظالمة. وصادرت استقلال الجامعة حتى ضمَّتها للتربية والتعليم في 1963م. وأرادت تأميم الصحافة واكتفت بصحيفة لسان الحال: “البرش بقرش”. وضيَّقت على الصحف تضييقاً جعل الكتابة مستحيلة. وشملت قائمة المحرمات: “الكتابة عن كيشو ولجنة نادي الهلال”، و”التعرُّض بالنقد للإذاعة ومراقبها التاج حمد”.
وبدأت الطغمة حرب الجنوب الثقافية باستخدام الأسلمة والتعريب كأدوات حكومية. فقد هدفت “البلدوية”، المنسوية إلى علي بلدو، مدير مديرية الاستوائية على أيامها، عكس مجرى السياسة الاستعمارية بنشر الإسلام والعربية، بدلاً عن الإنجليزية والمسيحية. واحتجَّ الجنوب على ذلك حتى توَّج ذلك بتأسيس حركة أنانيا. وعلَّقت دولة نوفمبر رفاق السلاح المعارضين على المشانق، وقتلت الأنصار في المولد، ورحَّلت جماعة النوبة التاريخية من موضعها بغير استئذان. وقد مشت الطُّغَم اللاحقة على دربها.
انتهت طغمة نوفمبر إلى شيء من القبول عند بعض العامة والخاصة. وقد يصدُق عليهم قولنا إن الكلب يحب خانقو.. الأول. ويثني البعض عليها بزعم أنها استسلمت للإرادة الشعبية بغير ملاواة مع أنها أزهقت في أكتوبر أربعين نفساً في مدن البلاد المختلفة. ولم يكن بوُسع الطُّغْمة البقاء لأكثر مما بقيت. فقد حانت ساعة أزمتها الثورية. وهي أزمة يكون بها النظام المُقوَّض ليس قادراً على الحكم وحسب، بل لا يعود الناس يطيقون البقاء في ظله لأطول مما فعلوا. وقد صوَّر ذلك استاذنا عبدالخالق محجوب بقوله إن نظام نوفمبر رأى الدولة نفسها، دعك عن المجتمع المدني، تنفصل عنه بالكلية بالإضراب السياسي العام وتتركه عارياً من الغطاء.
غفر كثيرون منا لطُغمة نوفمبر بسبب فساد منهج معارضي الطُّغَم اللاحقة. فقد تبنَّوا في تهافتهم على السلطان فكرة أن الطُغمة المكتوين بها في يومهم نظام لم يقع لنا من قبل و”ورّانا جديد ما كان على بال”. ولهذا غابت عن وعينا شفرة نوفمبر التي هي في صميم كل الطُّغَم. ومن الجهة الأخرى ركَّزت المعارضة على الاحتفال بثورة أكتوبر كأداة مجرَّدة لتغيير النُّظُم وليس كحدث تاريخي لا يستقيم فهمه بغير تحليل نظام نوفمبر. وهكذا دعا حسن الترابي مرة الطلاب إلى القيام بثورة أكتوبر، كأنها يمكن أن تقع لمجرَّد أن شيخنا قد ترك طغمته مغاضباً.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. دكتور عبدالله بما انك شاهد عصر عن ثورة اكتوبر والاحداث التى صاحبتها نرجو ان تدلى بشهادتك للتاريخ , عن الندوه التى اقيمت فى البركس واصيب واستشهد فيها القرشى وبابكر عبدالحفيظ خدمه للاجيال الجديده. يدعى كثير من كتاب الصحف من الاسلاميين ان الندوه اقامها الدكتور حسن الترابى هكذا لوحده . والصحيح الذى يعرفه كل من عاصر تلك الفتره ان الندوه اقامها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وكان الترابى احد المتحدثين ولم يكن المتحدث الوحيد. وقد كنت انت احد المتحدثين عن الجبهه الديمقراطيه . نرجو توضيح مادار خدمة للتاريخ والاجيال القادمه.

  2. يا دكتور نرجو توضيح حجم تورط الأحزاب السياسية في الإنقلابات العسكرية ، فالتحدث عن الإنقلاب العسكري بإعتباره عمل قام به العسكر لوحدهم دون مد من الأحزاب السياسية والتي يناط بها حماية الحكم الديقراطي قول ليس صحيح ويجافي حال الإنقلابات العسكرية في السودان.

  3. شوقى بدرى شاليهات تقيله معاك لييه ؟ ؟ ؟ انا عارفه عتالى ساكت وكلامو كضب ساكت لكن مالو معاك؟ ؟

  4. الأخ عبدالله على إبراهيم
    حياك الله
    تقول نعى الديمقراطيه الأول بعد انقلاب 17 نوفمبر
    أولا كلمة ديمقراطيه كانت مصطلح جديد يتفوه به الناس ونعلم وانت تعلم اى ديمقراطيه تطبق ومستوى الاميه في السودان بنسبة 90%
    مكونات الأحزاب السياسية طائفيه عنصريه ومهلهله تلاعب السادة واتجاههم نحو الراسماليه وبناء قلاع الولاء والطاعة . بناء الديمقراطيه في وطن اينما في العالم ممنهج بدستور وتدرس في المدارس كتربية وطنيه . الأخ الكاتب هل وصل السودان مستوى الوعى الثقافي الديمقراطى ولا بس شيل الله ياعلي !ّ!
    انقلاب 17 نوفمبر أخى الكاتب أفتكر تتفق معى هو انقلاب حزب الامة أمر السيد عبدالرحمن بتسليم السلطة للعسكر والكل يعرف تفاصيل بيانات الاجتماعات
    الارحم الله الديمقراطيه ونرجو ان يكون الوقت احسن بتطبيقها بعد زوال هذا الكيان
    الذى حولنا لاقلام تتحدث وغياب صوت المتحدث

  5. الأخ عبدالله على إبراهيم
    حياك الله
    تقول نعى الديمقراطيه الأول بعد انقلاب 17 نوفمبر
    أولا كلمة ديمقراطيه كانت مصطلح جديد يتفوه به الناس ونعلم وانت تعلم اى ديمقراطيه تطبق ومستوى الاميه في السودان بنسبة 90%
    مكونات الأحزاب السياسية طائفيه عنصريه ومهلهله تلاعب السادة واتجاههم نحو الراسماليه وبناء قلاع الولاء والطاعة . بناء الديمقراطيه في وطن اينما في العالم ممنهج بدستور وتدرس في المدارس كتربية وطنيه . الأخ الكاتب هل وصل السودان مستوى الوعى الثقافي الديمقراطى ولا بس شيل الله ياعلي !ّ!
    انقلاب 17 نوفمبر أخى الكاتب أفتكر تتفق معى هو انقلاب حزب الامة أمر السيد عبدالرحمن بتسليم السلطة للعسكر والكل يعرف تفاصيل بيانات الاجتماعات
    الارحم الله الديمقراطيه ونرجو ان يكون الوقت احسن بتطبيقها بعد زوال هذا الكيان الذى حولنا لاقلام تتحدث وغياب صوت المتحدث

  6. الأخ عبدالله على إبراهيم
    حياك الله
    تقول نعى الديمقراطيه الأول بعد انقلاب 17 نوفمبر
    أولا كلمة ديمقراطيه كانت مصطلح جديد يتفوه به الناس ونعلم وانت تعلم اى ديمقراطيه تطبق ومستوى الاميه في السودان بنسبة 90%
    مكونات الأحزاب السياسية طائفيه عنصريه ومهلهله تلاعب السادة واتجاههم نحو الراسماليه وبناء قلاع الولاء والطاعة . بناء الديمقراطيه في وطن اينما في العالم ممنهج بدستور وتدرس في المدارس كتربية وطنيه . الأخ الكاتب هل وصل السودان مستوى الوعى الثقافي الديمقراطى ولا بس شيل الله ياعلي !ّ!
    انقلاب 17 نوفمبر أخى الكاتب أفتكر تتفق معى هو انقلاب حزب الامة أمر السيد عبدالرحمن بتسليم السلطة للعسكر والكل يعرف تفاصيل بيانات الاجتماعات
    الارحم الله الديمقراطيه ونرجو ان يكون الوقت احسن بتطبيقها بعد زوال هذا الكيان الذى حولنا لاقلام تتحدث وغياب صوت المتحدث

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..