مصير السودان والموقف العربي

لم يبق إلا كمشة من الأيام على انتخابات تقرير المصير في جنوب السودان التي ينتظر أن تكون متوترة وصعبة للغاية. ولكن الموقف العربي لا يزال نائما حيث لا يلاحظ المرء أي تحرك سياسي أو دبلوماسي لتوجيه هذه الانتخابات بما يضمن بقاء السودان موحدا، أو للحيلولة على الأقل دون تفجر نزاع مسلح بين الشمال والجنوب في حالة اختيار الأغلبية المطلقة من الناخبين الجنوبيين للانفصال وتكوين دولة جديدة ذات هوية خاصة بهم.
إن هذا الصمت العربي الرسمي والشعبي معا يدل دلالة واضحة على نهاية مرحلة كاملة كانت تدعى في الأدبيات السياسية بالتضامن العربي، أو بالنظام العربي. وهكذا يلاحظ أيضا أن دوي المدافع في العراق المحتل بدأ يفرز تداعيات تتمثل في تقسيم الأوطان مرة باسم التباين العرقي والاثني، ومرة باسم غياب العدالة المادية والأخلاقية، وتوزيع حصص التنمية. فانتخابات تقرير المصير في السودان سوف تجري في 9 جانفي/يناير 2011م، أي بعد أسبوعين تقريبا.
ويبدو أن حظ بقاء السودان دولة موحدة متأرجح. في هذا المناخ قد صرح الرئيس السوداني عمر البشير خلال هذا الأسبوع معلنا عن التنازل عن النفط الذي يستخرج من جنوب السودان بالكامل في حالة موافقة الجنوبيين على الانتخابات بنعم لصالح وحدة البلاد. وكما أبرز أيضا يوم الأحد الماضي أن شمال السودان سوف يدخل تعديلات على الدستور وإضافة بندين أساسيين إليه يقران بجعل القوانين مؤسسة على الشريعة الإسلامية، واللغة العربية لغة رسمية ووطنية وحيدة في البلاد، أي في دولة السودان الشمالية، وبلغة السياسة فإن الرئيس عمر البشير يعني أن الانفصال سوف يقضي على الدولة السودانية ذات الأعراق والإثنيات المتعددة. ولكن فحوى تصريحات الرئيس السوداني يمكن أن يقرأ قراءة أخرى، وأن يؤول على أنه تلميحات تشير مواربة إلى إمكانية حصول الانفصال فعليا. إن هذا التمهيد له مغزى نفسي ويتمثل في إعداد الرأي العام السوداني وتحديدا في الشمال لتقبل حادثة الانفصال والتعامل معها بحكمة وصبر، وبروح رياضية.
إنه لحد الآن لا توجد معلومات دقيقة مدعمة بالإحصائيات ونسب سبر الآراء في جنوب السودان بخصوص ما سوف تفرزه الانتخابات، وبشأن تعداد الأفراد الذين سيصوتون للوحدة، وتعداد الأفراد الذين سيصوتون للانفصال. إن انعدام مثل هذه الإحصائيات دليل آخر على غموض الوضع برمته علما أن قوائم المنتخبين جاهزة وعدد الناخبين في مختلف الدوائر والمحافظات معلوم لدوائر صنع القرار السياسي في أروقة الدولة المركزية السودانية.
ثم إن قراءة تصريحات بعض القادة في جنوب السودان تعقيبا على ما صرح به مؤخرا الرئيس السوداني عمر البشير توحي بأن هؤلاء يقفون إلى جانب خيار إنشاء دولة سودانية جنوبية جديدة مستقلة عن الدولة المركزية في الشمال. وفي الواقع فإن الأزمة السودانية سوف تشهد تحولات دراماتيكية في حالة حدوث الانفصال، وخاصة في دارفور الذي يمكن أن يتطور فيه النزاع كمقدمة للحذو حذو الجنوب. لا شك أن القوى الغربية سوف تحرك أسباب الفرقة في دارفور بطرق مختلفة من أجل تمزيق السودان بالكامل، وتحويله إلى فسيفساء دويلات صغيرة وضعيفة تكون سهلة للامتصاص والسيطرة.
رغم خطورة الموقف فإن الجامعة العربية التي تمثل الأنظمة العربية لم تحرك ساكنا وكأن ما يحدث في السودان سوف يبقى داخل الدائرة الجغرافية السودانية ولا تنتقل عدواه إلى ما تبقى من شبه الأقطار من المحيط إلى الخليج علما أن في هذه الأقطار أنظمة سلبية تساعد على تفجير أفكار الانفصال، وتحويلها إلى حقائق في الميدان، فضلا عن وجود تيارات انفصالية بدعاوى مختلفة وتملك وكلاء في الغرب كقوى مساندة ومدعمة.
العرب اونلاين