من الاحلام والذهب

مدن لا توجد في جغرافيا السودان ولا تاريخه الحديث ، ولكنها انشئت حديثا واصبحت واقع ملموس . يقطنها البشر بعد ان كانت قفر وتيه هي مدن عمالية بمعنى الكلمة بها طرق برية واسواق واصبحت فيها كل مقومات الحياة . انها مدن الذهب ( مناطق التعدين الأهلي ) حيث تكاملت فيها الخدمات وبجانب انتاج الذهب ايضا توجد انشطة مصاحبة ومساندة تتمثل في وجود الاسواق بكل مواصفاتها من حيث توفير الاحتياجات الاساسية للمعدنيين . على سبيل المثال المتاجر الكبيرة التي توفر المواد الغذائية , و المطاعم ، والمشافي ومحطات بيع وقود السيارات والاليات الثقيلة التي تعمل في المجال بأشكالها المختلفة ومحلات (الاسبيرات) ، وورش الصيانة ، وابراج الاتصالات التي سهلت وسائل الاتصالات واماكن الترفيه ممثلة في اندية المشاهدة ودور العبادة ( المساجد ) . ومحال بيع الذهب وهى فروع لشركات كبرى في السودان واليات استخلاص الذهب ممثلة في الطواحين الحديثة والتقليدية التي تعمل على طحن وغسيل وفرز خام الذهب. وكذلك توجد النظم الادارية للدولة ممثلة ادنى المستويات (المحلية) وتوجد نقاط للشرطة لتوفير الامن وبسط القانون وفض النزاعات التي تحدث في هذه الاسواق هنا وهناك . نبتت هذه المدن وسط الصحارى. وهى ذات اثر اقتصادي كبير . على البلاد حيث تتصف بإنتاج الذهب بصورة وفيرة لذا يستهدفها الباحثون عن المال والثروة ومثال لبعض المدن … منطقة ( قبقبة) شمال ابوحمد وهي المنطقة الاولى في انتاج الذهب ثم منطقة (نوراي ) تقع بين بورتسودان وابوحمد وتتبع لمحلية جبيت منطقة وهى تتوسط هذه البقاع الصحراوية والجبلية اصبحت مدنية عمالية كاملة ولها فرعيات صغيرة وهى ( الجقب ، ام خراطيش، الأنصاري ، وجبال ابو نمر) .
وشمال شرق العبيدية – منطقة ابو قمر وجبال الكليس . وبهورة . والسربايوب وجبال النجيم ، ووادي امور ).
و البطانة ( ودبشارة ، والخياري ، والفويل ، القلعة ام بوص ، وام جعارين ).
ومنطقة ( جبل عامر ).في دارفور هذا على سبيل المثال لا الحصر.
هذه المناطق تتميز بإنتاج خام الذهب الجيد ، هذا الحراك الاقتصادي الكبير جذب كثير من الناس وكذلك شركات التعدين الكبرى المحلية والاجنبية والتي استفادة استفادة قصوى من هذه الاسواق التي وفرة لها كثير من المصروفات والدعم . هذه المدن لها اثر الاجتماعي واقتصادي على مستوى السودان . اذا انها تشكلت فى ذهنية الشعب السوداني بمختلف قبائله وخاصة الذين ذهبوا الى هذه المناطق وخاصة المتقاعدين والمعاشين وكبار التجار وأولياء والاسر ذات الدخل المحدودة. اذ ارتبطت بفرح او حزن . والفرح يتمثل في تغيير واقع الحياة عند كثير من الاسر تحولت من حالت العوز والحاجة الى مرحلة الاكتفاء والانتاج . وتحولت حياتهم من واقع الى واقع جديد الى اقصى مراحل الثراء . هذا بجانب الحزن اذا ان عملية انتاج الدهب وخاصة (التعدين الأهلي ) هي عملية غاية في الخطورة والتعقيد ممثلة في عملية الابار التقليدية والتي تتسبب في موت كثير من العمال سواء بالهدم او الموت خنقا لانعدام الاكسجين . ليس كمن سمع كمن رأى.. لقد زرت اغلب هذه المناطق شمالا وشرقا فى العام 2010م كنت قد ذهبت في (تحقيق صحفي ) عن التعدين الأهلي وقد مررت بأغلب هذه المناطق وكانت الدهشة أكبر من التوقع وقد قابلت كثير من الأثرياء الجدد ووقفت على كثير من الاحداث . هذا النشاط الاجتماعي الكبير . ممثلا في انتقال اكثر من 500 الف مواطن الى مناطق التعدين الأهلي. كما اصبح لهم ادب وشعر خاص ومن اشهر شعراء (الدهابه ) سراج احمد سراج افي رائعته (قبقبة ). واسم (الدهابه ) هذه نسبة الى المجال. هجر الابناء التعليم وهجر الاباء الاسر بحثا عن حظهم فى الثروة والدهب الذى ساهم في حلحلت كثير من المشاكل الاقتصادية على راسها الديون هذا النشاط البشرى انتج ظروف اقتصادية ساهمت بشكل مباشر في حل ازمة السودان الاقتصادية بعد انفصال الجنوب وفقدان السودان الشمالي المورد الرئيسي وهو البترول. كان للتعدين الأهلي القدح المعلى فى سد هذه الفجوة… افرز هذا النشاط واقع بيئي واجتماعي معقد . مثل كل المدن اذ انتشرت تجارة المخدرات بشكل مخيف بكل انواعها المعروفة حيث وجدت بيئة جيده للانتشار حيث تقل الرقابة الاسرية و الرسمية , لهذا اصبحت رائجة فى مناطق التعدين الأهلي. حيث تصعب السيطرة عليها في المناطق المكشوفة والصحارى الواسعة وجبال ووديان وعرة, وفى المجال البيئي والصحي توجد بيئة سيئة للاستخلاص الدهب عبر الزئبق الذى يشكل خطورة على المعدنين . برغم كل المخاطر والصعاب والواقع البيئي والصحي الذى تحملوه . الا ان الدور الرسمي والتوعوي ضعيف نظير ما قدموه من تضحيات اذ ان الدولة تجدها بشكل كبير عند الجبايات وتتقلص عند الخدمات . كما ان الاهمال وعدم المتابعة شجع الاجانب من دول مجاورة الدخول فى المجال وهذا بدوره ساهم في تهريب الثروة القومية الى الخارج . ختاما على الدولة الاهتمام بقطاع التعدين الأهلي بصورة جادة في التنظيم والتدريب والحماية للاستفادة منه بصورة مثلى.