المأزق – أو: من يغش الثورة؟

وجدي كامل
مثل العديد من محبي التأمل والتفكيرأسرح بالبال مرارا متاملاً، اقلب ما جرى اثناء وبعد ثورة ديسمبر ٢٠١٩ وما آلت وتؤول اليه مصائرها بعد كل ذلك الوقت فلا ارى سوى تلالا او جبالا من سوء الفهم والمفاهيم التي تراكمت عن كيفية ادارة وتوظيف فعل الثورة التى جاءت باذخة وحرة.
سيظل عدد معتبر و مؤثر يتناول التغيير في المراحل الانتقالية بوصفه واحدا من اصعب أنواع التغيير وخاصة اذا وضعنا الحالة السودانية كمثال لحكم امنوقراطي، شمولي احادي الحزب. فثلاثة عقود من تحويل السودان الى مختبر ضخم لتجريب كافة اشكال التقريغ والتجهيل بالادارة والاخلاق والاجتماع والاقتصاد والسياسة تصبح كافية لإرباك مهمة الثورة و التغيير.
وبعيدا عن تفاصيل اخطاء الاداء التنفيذي للحكومتين المتعاقبتين بعد الثورة يستطيع المرء تقديم السؤال المقلق عن لماذا ارتكبت الاخطاء وترتكب حتى اللحظة في الاداء العام لفعل التغيير؟.
قد يقول قائل ان ثنائية التضاد في التفكير بين مركزين مدني وعسكري للقوة قد يشكل العائق الجوهري لاحداث التغيير. وذلك ما تجتمع حوله اغلب التحليلات واشدها رواجا في اتجاهات الراى العام. ولكن فعند النظر بهدوء وتؤدة سوف نقرا ان ذلك نوع من التحليل يذهب الى اعتماد النتائج والناتج من فعل الثورة التي خالطت اللجنة الامنية في مرحلة حاسمة من مراحل تفجرها وفتح بذلك الطريق الى صنع وصناعة المساومة التي سوف تظل لغما مستداما في حركة التغيير وتطور مهامه ومستحقاته.
غير ان التفكير الواقعي للتحليل قد يقود الى نتيجة مخالفة لتلك النتيجة اذا ما اعتمد تحليل قوى الثورة المدنية ذاتها التي ساهمت بنشاط في قيادة التغييرات السياسية اليومية. فنظرة واحدة الى تجمع المهنيين – التنظيم الاكثر تاثيرا في تفجير الثورة واتباعه الية إخفاء هوية اعضائه والكشف عنها بعد الثورة تقود الى ان ذلك الكشف قد عرض الثورة وكشف ظهرها بعد ما سمى بانحياز الجيش والذي ثبت ان كلمة سره تمثلت في اللجنة الامنية المتشكلة في اخريات ايام حكم الانقاذ.
لقد حدثت وبعد الكشف عن المكونات السياسية للتجمع المواجهة الصامتة بين عقلية اللجنة الامنية المتبقية بالذهاب الى التغيير باقل الخسائر ( الانقاذية) بالتفاف على ناتج الصراع المدني الذي تلى انفضاض سامر التجمع والمتمثل في تحالف الحرية والتغيير باستغلال خبرة القوى المضادة للتغيير متشاركة مع القوى الراغبة في احداثه.غير ان الخطا الجسيم يظل اولا في عدم تطوير صيغة التحالف الخاص و فتح خارطة التمثيل داخل تجمع المهنيين واعتماده لالية سياسية اشد ذكاءا لمواصلة قيادة الثورة وبالتالي السيطرة على مفاهيم التغيير.
ان انشاء تنظيم فضفاض يجمع الضحايا السياسين للانقاذ موكلا اليه اجراء المهمة التاريخية المقدسة للانتقال بات وفي الاحتمال الاقوى مصدرا لاغراء عقلية الحفاظ والمحافظة على واقع التخلف والاستثمار فيه من القوى المضادة بهدف اعادة تجريب قدراتها التاريخية في تقسيم المقسم واضعاف الوحدة السياسية وتصوير الثورة كمناسبة تنفيذية سعيدة لتشكيل الحكومات وليس بناء واقع جديد و تشكيل المستقبل بروح الثورة عبر التوظيف لقواها ومصادرها الجماهيرية الحية.
اثار ذلك ومنذ الوهلة الاولى العداء المكتوم بين لجان المقاومة والتغيير كقوى اصيلة للثورة والاحزاب وممثلي الحركات المسلحة الذين سياتون لاحقا بصيغة تعديل التحالف العام وفرض رؤيتهم الخاصة لمحتوى الانتقال.
لم تستوعب الحرية والتغيير المصادر الجماهيرية للثورة بقدر استيعابها للقوى السياسية المتاثرة من الانقاذ دون توحد في خطاب نقدي متين وعميق يستهدف اهم واجبات المرحلة الانتقالية وهو واجب الاصلاح. فالاصلاح باعتباره الفكرة الذهبية من الانتقال والذي احتاج قبل كل شى لتفعيل افكاره وتحديد مجالاته والذهاب المباشر له عبر اهم محطاته في الاقتصاد لم ينل الاهتمام الاولي لدى الحرية والتغيير وكان من الممكن اذا ما حافظ تجمع المهنيين على القيادة بفتح التمثيل السياسي بنحو ديمقراطي و بانضباط ونزاهة عالية ان يواجه ويصارع بالوثيقة الدستورية نفسها كصيغة للسياسة الواقعية والناتج من التغيير السياسي الذي جرى بالبلاد.
فالوثيقة الدستورية كانت وستظل مجال صراع يتطلب استحداث برامج وتطبيقات جديدة من التفكير السياسي الجديد الذي كانت قوى الثورة الممثلة ( افترضا ) في تجمع المهنيين اليه.
لقد آلت التطورات السياسية للثورة الى ترسيم واقع الاصطفاف السياسي على اساس تناسق وتوافق المصالح وتقاربها على اسس من التقاربات الفكرية والطبقية الاجتماعية على ما دونها باستبعاد حاد للمصادر الجماهيرية الحية و شرائح الكفاءات الوطنية الديمقراطية من العلماء والمثقفين العضويين الثوريين من دائرة التفكير المركزي للثورة وبالتالي عن عجمة الاداء التنفيذي الذي انفردت به مجموعات ذات ارتباطات مخلة بالثورة و تماهي احيانا بمؤسسات الانقاذ الامنية والعسكرية والسياسية فاحدثت مشهد القعود والتجميد لارصدة الثورة في الجهاز التنفيذي الذي يظل الى الان الواجهة المثلى والمثالية للجم عود الثورة والتغيير. فعدم استلهام نظريات الاصلاح الثوري الملهمة في ادارة الدولة والجهاز التنفيذي معا يثبت يوما بعد يوم صحة رهان اللجنة الامنية ( رغم اتفاقية السلام ) في مسعاها القديم منذ انطلاق الثورة بكبح جماحها والخروج باقل الخسائر منها لتصدير الصيغة الثانية من الانقاذ كوليد شرعي لسلطة مصالحهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتجددة.
الآن يتبقى ان نضع الملاحظة القائلة بانه وجراء لما سبق بان الثورة تخسر و تنخفض، بل تتعرض للغش والنشل بخفة يد من جيبها الخلفي، وان الذين يساهمون في ذلك كثر وفي مقدمتهم حزم من النخب الجديدة الكارهة للماضي لمجرد انه ماضي وليس لانه قديم جامد.
انها نخب و بمختلف انحداراتها الاثنية والثقافية تصطف باخلاص وولاء استثنائين للولوج بعقار الانقاذ التنفيذي الشرير بوعى ودون وعى لاخذ ما تريد من السلطة والثروة والامتيازات بصفة جديدة دون التفكير للحظة واحدة لاكتشاف كون ذلك العقار هو ذات العقار الذي شهد نهب السودان بكل صنوف واشكال الغش التاريخي المقيت.
ان العلاج والمعالجة تبدأ وفي تقديري باعادة تأسيس المنصة الثورية بتمثيل كافة الكيانات والقوى السياسية الراغبة في احداث التغيير والتطور على برنامج وطني مبني على قاعدة التنمية الشاملة. والمخرج من المأزق ينطلق من أهمية التشجيع والاعتماد للوعي النقدي العلمي و النشر والترويج للثقافة الديمقراطية، و بتأسيس مراكز بحوث ودراسات الديمقراطية و الثورة والتغيير في شتى المجالات وتشكيل اللجان الاستشارية من أهم أعضائها من الأخصائيين والمتخصصين وليس ( الخبراء ) كمسمى جرى تفريغه من محتواه وبات ربما الأقرب الى السبة منه الى المعنى الحميد المطلوب المستبعد من سياسات عقلية الانقاذ التي لم نتخلص بعد من ارثها اللعين المعيب.
كلام خارم بارم بتاع منظراتية لا يسمن ولا يغنى من جوع
المازق كبير لكن من غشنا ليس منا الحمدلله ان سينا رجعت خلوكم في حالكم احسن. :)
الزول دة ما عرفناهو قاصد شنو والهدف شنو من كلامو دة اها دة مثال للفلسفة العمياء
بالعكس ارى انه تحليل واقعى جدا بالنظر الى ماانتهت اليه الثوره.
ما تراه انت ليس بالضرورة ان يكون صحيحا و صائبا !!
تربت يداك. نشلت الثورة بسبب أزمة الوعي.