أخبار السودان

الصراعات القبلية خطر جديد يهدد وحدة السودان

محجوب محمد صالح

تشغلنا الحروب الأهلية في ولايات السودان والمآسي التي تصاحبها والمواجهات العسكرية الكامنة بين الشمال والجنوب تشغلنا عن تطورات أمنية خطيرة تحدث على الأرض في السودان، وتتمثل في الصراعات القبلية الدموية التي أصبحت بنداً دائماً في قائمة المآسي التي تحيط بالسودان، إذ ينفجر بين حين وآخر صراع دموي بين قبيلتين متجاورتين، أو حتى بين عشيرتين من قبيلة واحدة ينتهي بمئات القتلى والجرحى، دون أن يثير ذلك كثير اهتمام، ويبدو أن ثقافة العنف السائدة في السودان والحروب الأهلية المتواصلة، قد أماتت مشاعرنا وأحاسيسنا تجاه هذه الانفجارات الأمنية التي تخلف وراءها مئات القتلى والجرحى في أماكن مختلفة من السودان.

الأسبوع الماضي شهد معارك قبلية داخلية في ولايتي جنوب كردفان ودارفور خلفت وراءها مئات القتلى والجرحى دون أن ينفعل الناس بهذه الأحداث، كأنما تلك المآسي قد أصبحت أمراً روتينياً لا يثير الدهشة ولا يدعو للحزن والأسى! لقد انفرط عقد الأمن حقيقة في السودان، وما زالت التداعيات متواصلة، والأحوال تزداد سوءاً، ونخشى إذ تواصلت هذه الانفجارات القبلية أن تجعل من المستحيل الاحتفاظ بأي قدر من الأمن والاستقرار في هذا الوطن، الصراعات القبلية ليست جديدة على السودان، فهي قد ظلت تحدث كثيراً، ولكنها كانت محدودة، وكانت تدور بأسلحة تقليدية لا تتجاوز العصي والسكاكين إلى الرماح والسيوف إلا نادراً، وكانت هناك الآليات القبلية التقليدية لفض النزاعات وتدخلات (الأجاويد)، وعقد مجالس الصلح وكانت الإصابات محدودة وعدد القتلى قليلا، والحكومة تتعامل مع الصراعات بحيدة وإنصاف، ولكن الصورة اختلفت تماماً، فالسلاح غير الشرعي انتشر في كافة ربوع السودان والمليشيات أصبحت تملأ الأفق، والدفاع الشعبي درب الملايين تدريباً عسكرياً ثم تخلى عنهم، ودخلت أحدث أنواع الأسلحة، وباتت الصراعات القبلية والمعارك العشائرية تدار بالراجمات ومدافع الهاون (والآر بي جي) وغيرها من الأسلحة الحديثة القاتلة وبعضها لا يتوفر حتى للقوات النظامية، وفي كل قبيلة المئات من الشباب العاطل من خريجي الدفاع الشعبي أو غيره من المليشيات، وأصبح المحاربون القبليون يتحركون بالعربات ذات الدفع الرباعي والدراجات النارية يصبون حمم أسلحتهم الفتاكة على الأبرياء العزل في غياب تام للدولة.

أولى المعارك التي دارت هذا الأسبوع كانت بين عشيرتين من قبيلة واحدة (قبيلة المسيرية) في منطقة الفولة، وهذه لم تكن المعركة الأولى بينهما، بل وقعت من قبل ثلاث مرات بين نفس هاتين العشيرتين انتهت المعركة الأولى بمؤتمر صلح انعقد في مدينة الأبيض، ولم تنفذ قراراته ووقفت المعركة الثانية، وقد كانت الأشد شراسة في أكتوبر عام 2011، وخلفت وراءها مائتي قتيل، ثم جاءت الثالثة في الفولة الأسبوع الماضي، ما زال الاحتقان يسود المنطقة وقد سافر لها بالأمس وزيرا الداخلية والدفاع لمحاولة حسم الخلافات ووقف مسلسل الثارات المتبادلة.

المعالجات الآنية والتي تتجه لمخاطبة تداعيات الأزمة دون النظر إلى أسبابها الجذرية لن تجدي، وهي ليست انفلاتات عابرة، إنما هي نتيجة حتمية لسياسات خاطئة وممارسات جائرة، وهي ليست وقفاً على هذه المنطقة، بل إن هذه الأخطاء وهذه الممارسات تطال مناطق عديدة، وهي سبب الانفجارات هنا وهناك، والأسباب الجذرية ذات أبعاد سياسية وأبعاد أمنية وأبعاد اقتصادية، وما لم تعالج دفعة واحدة فإن هذه المعارك ستهدد أمن الوطن كله.

لقد اعتمدت الإنقاذ سياسة تفتيت المجتمعات القبلية، و (تسيس) العمل الإداري الأهلي والدستوري، فافتقدت الإدارة الجيدة، وأصبحت المناصب يتم تقاسمها على أساس قبلي يجامل قبيلة أو عشيرة على حساب أخرى، ويقوض أسس العدالة والمساواة، ويضعف الإدارة الأهلية التي أصبحت تعتمد على الولاء للحزب، وليس الكفاءة، مما يجعل المرارات والمظالم تتراكم. ومنطقة جنوب كردفان تعاني من مشاكل اقتصادية ومن ضعف الخدمات و «عطالة» الشباب، خاصة أولئك الذين تم (تجيشهم) في الدفاع الشعبي، أو انضموا للمليشيات ونالوا تدريبات عسكرية، وثم وجدوا أنفسهم في العراء «عطالة» بلا عمل ولا مصدر دخل، وهي منطقة تنتج النفط، وليس لأهلها نصيب منه، فلا وفر لهم النفط وظائف ولا قدم لهم خدمات أو تنمية، بينما حصيلته تبني القصور في الخرطوم، فكيف لا تتصاعد وسطهم المرارات، وكيف لا ينفجرون أمام المظالم المتراكمة، بل إن انقطاع أجزاء واسعة من أراضيهم للتنقيب عن النفط حرمهم من مراع ومزارع في وقت هم يعانون من شح الأرض بسبب الجفاف والتصحر، مما يزيد حدة المنافسة حول أرض تضيق ولا تتسع.

والمنطقة في داخلها سلاح كثيف وحديث فتاك، وبات متاحاً في أيدي الجميع دون أي جهد حكومي لنزعه أو محاصرته مع غياب للدولة في منطقة تعاني من انعدام التنمية وضعف الخدمات و «العطالة» السافرة والمقنعة وانسداد الأفق أمامهم.
النظرة السطحية للمشكلة التي تتكرر في جميع أنحاء السودان ومحاولة معالجتها بمسكنات وقتية لن تجدي فتيلاً، لأنها لا تستهدف جذور المشكلة، وإذا تصالح القوم اليوم بجهد الأجاويد والمجاملات، فإن الصراع سيتجدد في غد قريب، بل وسينفجر في مواقع أخرى فعندما كانت الأنباء ترد عن اشتباكات (الفولة) في جنوب كردفان انفجرت المعارك في منطقة جبل عامر شمال دارفور بين قبيلة الرزيقات وقبيلة بني حسين، ولم تتوقف إلا بعد تدخل القوات المسلحة واستعانتها بالإدارة الأهلية لتهدئة الخواطر بعد أن ظل القتال متواصلاً ثلاثة أيام وراح ضحيته أكثر من ثمانية وثلاثين مواطناً.

إننا في حاجة لنظرة شاملة لهذه الأوضاع المتفجرة، والتي تنذر بعواقب وخيمة على وحدة السودان وأمنه واستقراره.

العرب
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تحليل سطحي يفتقر للدقة ويضع للمشكلة مسببات ثانوية من شاكلتة “النفط في مناطقهم ولم يستفيدوا منه” والحكومة اقتطعت أراضيهم للتنقيب عن النفط.
    هل يعلم الكاتب أنه بسبب حادث اختطاف إمراة بتصرف فردي أدت لمقتل أكثر من 500 من قبيلة المسيرية!!!
    زعم الكاتب أن المشكلة تتكرر في جميع أنحاء السودان ولكننا لم نسمع بقتال قبلي في الشمالية أو النيل الابيض أو القضارف أو حتى النيل الازرق بالرغم من أن التهميش يشتكي منه سكان النيل الازرق أكثر من غيرهم.
    الحل النهائي والذي يحتاج لجهود متواصلة ربما لعقود من الزمان هو تدمير العصبية القبلية والتي كان لها دور في حفظ الامن في الماضي ولكن قطعا في الدولة حديثة يجب أن لا يكون للقبيلة دور إداري أو قضائي

  2. يا أستاذنا .. كان الأجدر بك أن تكيف هذه النزاعات والمعارك القبلية في سياقها أطارها الفعلي .. إطارها الفعلي هو أن القبائل المتقاتلة هي من مكونات السكان المحرومين في الهامش ، لا المكونات القبلية التي تنتمي لها (الجلابة) المتحكمين في مركز السودان المهيمنين على كل شئ ..

    أما سياق هذه المعارك القبلية فإنها تأتي في وقت تخوض فيه غالبية مكونات الهامش النضال المسلح ضد المركز لإنتزاع حقوقها ووضع الحد لهيمنة العناصر التي تستأثر بكل شي في السودان .. وضمن هذا السياق أيضاً تنامي الوعي لدى قبائل البقارة المتقاتلة بعدوها المشترك وهو المركز .. كما إزدادت وعيها بحلفائها الذين هم العناصر القبلية بالهامش التي تقاتل المركز حالياً ..
    والحال هذه يا ترى -أستاذنا- من صاحب المصلحة في إقتتال قبائل البقارة في الهامش من يدفعها إلى ذلك ؟؟ من وفر لها السلاح الثقيل الذي تستخدمه في معاركها؟؟ .. ولماذا لا يوجد ذلك النوع من السلاح في أيدي القبائل التي ينتمي إليها الجلابة؟؟

    ولكن دعنا نتساءل أستاذنا : هل كنت تجهل هذه الحقائق والموحيات عندما كتبت مقالك أم قصدت تغبيش رؤى مثقفي الهامش وبسطاء المركز وإرضاء نخبه بإعطاء ذات التفاسير المنحازة المكررة التي لا ترى في السودان إلا القبائل التي ينتمي إليها الجلابة؟؟ ألا تشير المنطلقات التي تناولت منها الموضوع أن الجلابة حزب واحد ضد الهامش ولو تعددت أسماءها وأسماء قياداتها أم ماذا؟؟

  3. تعزى هزه الحروب وخاصة القبلية للجهل المتفشى فى مجتمعات تلك القبائل وكان من المفترض على القائمين على الامر اقامة مؤتمرات توعية متواصلة وعلى كل وحسب مااراه انا شخصيا وقد عشت فى تلك المناطق لفترات ليست بالقصيرة مكنتنى من معرفة تلك القبائل فالقصور من جانب المستنيرين ايضا ختاما اقول الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها

  4. الاخ الناصح:
    الدولة نفسها قبلية والصراعات الدائرة هناك سببها اناس لا اخلاق لهم ومجردين تماما من الانسانية ينشرون الموت في مختلف انحاء السودان لمصلحتهم، وقد توصل كل السودانيين الي هذه الحقيقة. معروف ان الحكومات المتعاقبة على السودان تحرص كل الحرص على توزيع الاسلحة بغرب السودان وبطريقة كثيفة مستغلة الجهل المنتشر هناك والذي هو ايضا متعمد وسياسة للدولة. نحن نعرف ان الدولة في السودان دولة قبلية وتعمل لمصلحة قبائل محددة في السودان وفي سبيل ذلك فهي مستعدة لابادة كل السودانيين. من ينشرون الموت في السودان لاجل مصلحة ذاتية اناس لا قيم ولا اخلاق لهم والمهم عندهم ان يملأوا كروشهم بالطعام ومن ثم يبحثون عن ادبخانة لتفريغها ومن ثم يبحثون عن صالة او مسرح ليبدأوا في الرقيص والهجيج والجبجبة، انهم اناس عديمي الاخلاق. نحن متأكدون تماما من ان الموت الذي يدور في غرب السودان لا يهمهم في شيء، لا يهمهم ان ترملت نساءهم او تيتم اطفالهم او حتى بادوا عن بكرة ابيهم، نحن ندرك ذلك يا ايها المتجردون من الانسانية. ما يقومون به لا يصدر الا من اناس مريضين، ساديين، انانيين لا احساس لهم ناهيك عن انسانية.

    الان الان هناك طفل يحلم بقرقوش يسد به رمقه واخر يكافح لاستخلاص لبن غير موجود من ضرع خاوي، واخر يموت من الجوع، واخر يفترش الارض ويلتحف السماء، واخر يكاد يموت من الخوف بينما اخرون يرقصون ويجبجون دون حيا وعندما تأتيهم مسحة من انسانية يتذكرون اطفال فلسطين.

    نحن نعي تماما ان الدولة لم ولن تكون جادة في حل المشاكل في تلك المناطق، بالله كيف تكون تفعل ذلك وهي التي تنشر السلاح هناك وتسمح بحيازته؟

    الموت تفوح رائحته في النيل الازرق وقريب من القضارف ولو اقتضت الضرورة فأن عديمي الاخلاق لا يتورعون في نشره في النيل الابيض او اي مكان اخر في السودان.
    الدولة لا ترغب ولا تسمح بانتشار السلاح في مناطق معروفة في السودان والسبب بسيط ومعروف وهو انهم المستفيدين من الموت الذي يحدث في السودان.

  5. اعتمدت الإنقاذ سياسة تفتيت المجتمعات القبلية، و (تسيس) العمل الإداري الأهلي والدستوري، فافتقدت الإدارة الجيدة، وأصبحت المناصب يتم تقاسمها على أساس قبلي يجامل قبيلة أو عشيرة على حساب أخرى، ويقوض أسس العدالة والمساواة، ويضعف الإدارة الأهلية التي أصبحت تعتمد على الولاء للحزب، وليس الكفاءة، مما يجعل المرارات والمظالم تتراكم. ومنطقة جنوب كردفان تعاني من مشاكل اقتصادية ومن ضعف الخدمات و «عطالة» الشباب، خاصة أولئك الذين تم (تجيشهم) في الدفاع الشعبي، أو انضموا للمليشيات ونالوا تدريبات عسكرية، وثم وجدوا أنفسهم في العراء «عطالة» بلا عمل ولا مصدر دخل، وهي منطقة تنتج النفط، وليس لأهلها نصيب منه، فلا وفر لهم النفط وظائف ولا قدم لهم خدمات أو تنمية، بينما حصيلته تبني القصور في الخرطوم، فكيف لا تتصاعد وسطهم المرارات، وكيف لا ينفجرون أمام المظالم المتراكمة، بل إن انقطاع أجزاء واسعة من أراضيهم للتنقيب عن النفط حرمهم من مراع ومزارع في وقت هم يعانون من شح الأرض بسبب الجفاف والتصحر، مما يزيد حدة المنافسة حول أرض تضيق ولا تتسع.ـــــمعذرة للتكرار ولكن هنا يكمن أس الداء وللمعلقين القراءة بتأنى!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..