ماتحتاجه الرواية

الرواية مثل أعصاب العين ؛ حساسة جدا، وتحتاج كتابتها الى الجلوس الجاد ، والبحث والتنقيب قبل كتابة سطر واحد . إن أقل هزل يحيد بالرواية عن قيمتها وجوهرها ، وفهم أن الرواية للكبار ، يعني أنك ستخضع فكريا لمستويات عقلية رفيعة ، وسقوف فكرية مرتفعة ، والكاتب يجب -وهو يستعرض عضلاته- أن يكون فوق الجميع. فالرواية تحتاج الى صبر لبنائها ، وتفريدا لكل شق وجزئية من جزئياتها على حدة لتتميز عن الباقين ، فرواية كرواية الكريات الزجاجية لهرمان هيسه ، ليست مجرد فعل كتابي ، بل جهد مبذول على الكلمات ، وهنا تختلف الرواية عن القصة القصيرة ، فالأخيرة سريعة ، وتحتاج فقط الى فكر منفتح ومرن وتكفي الخبرة الحياتية ، لكن الرواية تحتاج فوق ذلك الى وضع اعتبارات عديدة كالصياغة والأسلوب وتقسيم الأجزاء ، وعدم التعارض ، وسهولة الطرح ، وإفهام عدة مستويات ، وبناء نموذج مصغر قبل التكبير ، وإلى دراسات نفسية واجتماعية وسياسية وفنية …الخ أي أن الرواية هي منهج وصفي في أفضل صورها دون أن يطغى المنهج على الطبيعة الروائية بل الاستخدام الذكي للمعلومات والعناصر. فإذا لم تتبع الرواية المنهج الوصفي فإنها إذن تحتاج الى اشتغال ذهني كبير وخبرة حياتية واسعة لتكون بديلا عن البحث والمرجعية. ويمكن قياس المجهود المبذول عبر الاستشعار الفني للرواية ، أي عبر الكم المعرفي الذي بنيت عليه الرواية وما طرحته ، وضعف وقوة أسانيدها ومدى حيدتها أو انحيازها الآيدولوجي ، فالرواية تفقد الكثير بالانحياز وتؤكد التوقعات المبدئية للقارئ ، وبدلا عن طرح تساؤلات عميقة فإنها ستطرح إجابات جاهزة وساذجة وبالتالي ستفقد عنصر الادهاش والفضول . إن الرواية يجب أن تمنح القارئ ، الجديد فصلا تلو فصل ، وتجره جرا الى تتبع الحبكة ، فلا تكون صادمة بقوة الغموض ولا بالانكشاف الحاد. فهي في منطقة وسطى بين الأمرين.
[email][email protected][/email]