سقوط الإخوان ومكاسب الأميركان

تحولت الولايات المتحدة من داعم لمرسي وحكمه إلى القبول بسياسة الأمر الواقع، فتركت مصر لتصحح وضعها الداخلي وساعدت على منع تزعزع تحالفات اقليمية، خصوصا في الخليج، تطلب بناؤها الكثير.

بقلم: محمد أبو الفضل

طريقة التعامل الأميركي مع عملية عزل الدكتور محمد مرسي من على رأس السلطة في مصر، حملت تناقضات سياسية كثيرة، ليس هذا مجال التوقف عند تفاصيلها وخلفياتها، لكن ما يهمني هنا تصوير الموقف على أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من عزل مرسي، بعد مظاهرات حاشدة، انحازت فيها المؤسسة العسكرية الوطنية للملايين التي خرجت في شوارع وميادين القاهرة وغيرها من المحافظات، لأن واشنطن في الحالتين رابحة. فإستمرار حكم الإخوان كان سيضمن للأميركان مكاسب استراتيجية كبيرة في بعض الزوايا، كما أن سقوطهم الذريع لا يعني الوصول إلى نتيجة معاكسة، تتكبد بموجبها واشنطن جملة من الخسائر الإقليمية المؤثرة.

الطريقة التي أدارت بها واشنطن الموقف مما حدث في مصر، لم تكن كما يعتقد كثيرون منحازة إلى أو مصرة على بقاء الرئيس المعزول في السلطة، فقد انتقلت بشكل طبيعي ومتدرج، من التأييد الكامل، إلى القبول بالأمر الواقع، خلال المهلة التي منحها الجيش للدكتور مرسي، وهي 48 ساعة للاستجابة لمطالب الجماهير الغفيرة التي خرجت يوم الثلاثين من يونيو- حزيران الماضي. ورغم ما يبدو من تفاوت في وجهات النظر بشأن ما جري ويجري في مصر بين دوائر أميركية مختلفة، إلا أن هناك تفهما كبيرا للدوافع التي وقفت وراء الطريقة التي تم التعامل بها مع الدكتور مرسي، وحتى الكلام الأميركي الخاص بالإفراج عن الرجل لا ينطوي على دلالة تشي بالتمترس خلف ضرورة عودته، فالمسألة تتعلق بشكل أساسي بحقوق الإنسان، حسب المعايير الأميركية المزدوجة. كما أن جماعة الإخوان التي كانت تعول على واشنطن في مساندتها، واضح أنها توصلت إلى اقتناع بتخلي الأخيرة عنها، وبدأت تؤمن بالعبارة الشهيرة التي رددها الرئيس الأسبق حسني مبارك عقب خلعه وهي أن “المتغطي بالأميركان عريان”.

الحاصل أن الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، لا ترهن سياساتها بنجاح أو إخفاق جماعات سياسية هاوية، لكن لديها حسابات تفرض عليها في بعض اللحظات الفارقة الميل ناحيتها، انطلاقا من قدرتها على تحقيق حزمة من الأهداف العاجلة، ولا يعني أن السفيرة الأميركية في القاهرة آن باتريسون كالت المديح لحكم الإخوان، أن هناك يقينا في هذا النجاح، أو أنها قدمت شيكا على بياض استلمته الجماعة، بل يعني ضخ الدماء في تجربة قد تكون قابلة للحياة، ويمكن أن تقلب موازين المنطقة لصالح تعزيز نفوذ الأميركان. فمن السذاجة على دولة في حجم ووزن الولايات المتحدة أن تتغافل عن تفاصيل الكواليس الحقيقية للأوضاع في مصر، والدور المحوري للمؤسسة العسكرية فيها، كما أن العلاقة الوثيقة بين الجيش المصري والبنتاغون معروفة، ولن تسمح بأية تدخلات من قبل جهات سياسية أو حقوقية أميركية بالتأثير سلبا عليها. وأعتقد أن هذا التداخل لعب دورا حاسما في عدم الرضوخ للمزايدات والضغوط السياسية التي حاول البعض المتاجرة بها، وساهم التلويح المصري باحتمال تنويع مصادر السلاح في الإنحياز الهادئ لتحركات المؤسسة العسكرية، التي حرصت على الابتعاد عن واجهة المشهد السياسي، ووضعت خارطة طريق مدنية لإدارة المرحلة الانتقالية الجديدة.

الواقع أن عزل الرئيس مرسي وفشل الإخوان في إدارة البلاد، ضرب مجموعة من العصافير الإقليمية، والتي سوف تمنح نتيجته الولايات المتحدة مزايا استراتيجية، أولها إنهاء أسطورة المشروع الإسلامي في المنطقة لعقود قادمة. فالطريقة التي بدا عليها الإخوان أكدت عدم وجود هذا المشروع عمليا، كما أن القائمين عليه كانوا أسرى فكرة الاستحواذ والتمكين للأهل والعشيرة، دون سائر أفراد المجتمع، ناهيك عن التدهور في المجالات المختلفة، والذي وصل إلى درجة تهديد الأمن القومي لمصر، والامعان في تقسيم المواطنين. وثانيها التأكد من صعوبة التعويل على التيار الإسلامي المعتدل الذي تمثله جماعة الإخوان في نظر الغرب، فقيادات هذا التيار لم تفشل فقط في اختبار الحكم، لكن أيضا تحالفت مع جماعات متطرفة، تبدو في نظر واشنطن شديدة الخطورة على مصالحها، بالتالي من الطبيعي أن يؤدي ذلك في المستقبل إلى تغييرات في خريطة التوازنات. وثالثها منح التيار المدني- الليبرالي فرصة للتقدم نحو الحكم بخطوات ثابتة. فسقوط الإخوان بهذه الطريقة، سوف يصب في صالح هذا التيار، بكل ما يحمله من قيم غربية، في الديمقراطية والمناهج الاقتصادية والحياة الاجتماعية وخلافه، وفي المحصلة يمكن أن تقدم مصر نموذجا ديمقراطيا على الطريقة الغربية، من غير أن تتحمل واشنطن خسائر فادحة، مثل التي تكبدتها في العراق، منذ حوالي عشر سنوات، ولم تتقدم فيه خطوة واحدة.

من جهة ثانية، كادت الفترة التي أدارت فيها جماعة الإخوان حكم مصر أن تتسبب في تمزيق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وتضر بترتيباتها في عدد من الأوراق الإقليمية. خذ عندك العلاقة الخاصة التي كانت تربط بين القاهرة وكل من الدوحة وطهران، وفي المقابل دخلت الجماعة في خصومة مع كل من الرياض وأبوظبي، وهو ما أشار إلى أن السياسة المصرية بهذا الشكل، سوف تكون لها انعكاسات سلبية على تماسك حلفاء وأصدقاء واشنطن التقليديين في الخليج العربي، ويفضي شق هذا الصف إلى وضع الولايات المتحدة بين خيارات غاية في الحساسية. وقد حقق رحيل مرسي سلسلة من المزايا التفضيلية، في مقدمتها حافظ على تماسك اللحمة الخليجية وأخرجها من انقسام محتوم، وأبقى على إيران في شبه عزلة اقليمية، فقد كان انفتاح القاهرة على طهران سيخل بتوازنات تم تشييدها بدقة متناهية، كما أن مواقف الرئيس المعزول المتخبطة مما يدور في سوريا، كانت ستكون لها تداعيات على تقديرات واشنطن، التي تقدم رجل وتؤخر الثانية هناك.

من جهة ثالثة، ربما يكون أسدى عزل مرسي للرئيس باراك أوباما خدمة جليلة، فقد كان انحيازه السافر للإخوان عبئا سياسيا ثقيلا، جعل قوى كثيرة تتكاتف ضده وتعمل على مساءلته، ومع أن هذه المساءلة لن تتوقف برحيل الإخوان، لكن وطأتها ستكون أقل حدة، فعلى الأقل انحازت واشنطن في النهاية لخيارات الشعب المصري، وأجبرت على الاعتراف أن نظام مرسي “لم يكن ديمقراطيا”، الأمر الذي يعني عدم الاندفاع وراء التوجهات المتناقضة، والعودة إلى الصيغة التقليدية للتعامل مع مصر، والتي كانت تحفظ لواشنطن مصالحها الأساسية، دون اخلال برؤيتها الاستراتيجية، أو بعثرة لحلفائها في المنطقة.

محمد أبو الفضل
ميدل ايست أونلاين

تعليق واحد

  1. يا سلام عليك هل الدول تعتبر فاشلة الا ازا كانت واشنطن راضية عنها في نظر البعض نعم ولكنها اكبر كزبة وشئ يبعث علي القرف من جري البعض وراء امريكا الملعونة
    الشئ الوحيد الاعجبني في المقال وصف حقوق الانسان حسب المعايير الامريكية المزدوجة صحيح كل معايير امريكا مزدوجة ويجب التحرر منها ورميها تحت الجزم فمن معايير امريكا المزدوجة في الثورت العربية التدخل العسكري بفرض حظر الطيران في ليبا ولكن الصمت في الحرب في سوريا رغم طول الحرب في سوريا
    ومثلا دايما هناك انحياز من القوةالتي توصف بالكبري لاحد اطراف الصراع وزالك حسب مصالحها ومعاييره المزدوجة مثلا التدخل الفرنسي في مالي ضد الطوارق وكزالك قبل زالك ضدالمتمردين مع حكومة تشاد وضد طالبان في افغانستان في المواقف دي تقف مع الحكومات
    ولكن في حالة العرب تتدعي انهاتقف مع الشعوب العربية فما الفرق بين ما حصل في ليبيا ويحصل في سوريا وما حصل في مالي غير خديعة الثورات
    والسودان ايضا دليل علي معايير امريكا المزدوجة فالحركات المسلحة والحكومات المتتابعة علي السودان دايما في ظل حروب ولم تمر فترة علي السودان دون حروب ولكن بمجرد مجئ الحكومة الحالية فرضت كل انواع العقوبات عليه حتي حظر الادوية عليه ((المعلقين بشيلو النقطة دي)))) ابدعوو ههههه
    اسف عمري اقل من 18 سنة فقط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..