انه رجلي

بدأ ينمو في أحشائها نطفة فمضغة فعلقة، بدأ يتكون ويتدور ويستطيل والروح تنفخ فيه بإذن ربها، بدأ القلب يبني غرفه والنخاع الشوكي يرسي دعائمه والرأس يدوزن محتوياته. كانت تتحسس بطنها وهي تحاول التقاط أنفاسه وجسَّ نبضه وتحسس وجهه.. ظلت تتقلب على فراشها بحذر خوف أن تزعجه أو توقظه من نومه، نعم.. إنه نائم.. نائم بعمق، داخل بطانة رحمها، بطانة أنعم وآمن وأدفأ وأفضل من أي وسادة في العالم، إنها صناعة ربانية بمواصفات وضمان إلهي.
ظل نائماً، وهو يتمتع بالهدوء والدفء والسكينة والحب من دون أن تزعجه إضاءة أو صوت سيارة أو ضجيج المدينة. هو نائم بعيداً عن أوجاع الحروب ومشكلات الفساد وأمراض النفوس، بعيداً عن تشرد الأطفال وضياع الشباب وبؤس النساء وخيانة الرجال.
كان يعيش في مدينة أمه الأفلاطونية ترسل له أحاسيسها عبر حبلها السري. يحس فرحها وحزنها سعادتها وشقائها وأمنياتها وإحباطاتها.. يعلم كم تعاني وتتحمل.. كم تقاسي وتتألم من أوجاع الوحم وأوجاع الظهر وارتفاع هرمون الاستروجين، كان يراقبها من الداخل وهو يومئ برأسه إيجاباً: “أنتِ تعبة ومرهقة يا أمي… نعم الجنة تحت أقدامك”.
وكانت هي تهون عليها الآلام وإحساس الأمومة يتدفق من عيونها كما الحليب يبني جداول داخل ثدييها، كانت تمنِّي النفس بصبيٍّ جميل يحمل عزتها وثقتها في نفسها ويحمل قوة أبيه وجلده، كانت تراه فارساً مغواراً يمتطي صهوة فرسه، تمنته خطيباً مفوهاً ورجل دين ورع، وطبيباً يبز أقرانه، تمنته عالم كيمياء وقائداً جوياً ولاعباً محترفاً، تخيلته من دهاقين الساسة وأساطين البلاغة، تمنته ابناً باراً يسندها في كبرها، يكون عكازة تتؤكأ عليها من جور الزمان وبئس العشير وفقد الحبيب وطمع الناس، أن يكون حارسها وحاميها ورجلها وكل حياتها.
مع كل زيارة للطبيبة، كانت تحمل صورته من على جهاز الموجات الصوتية لتضعها في ألبوم خاص به، كانت تحضر كتالوجاً خاصاً بشهور الحلم، ليشاهد مراحل تكوينه حين يكبر، وكانت تبتسم بينها وبين نفسها وهي تراه يطلق صرخته الأولى، وهو يبتسم ويتأتئ بحروف اسمها ويمسك يدها ويحبو ويمش وينادي: “ماما”.
جهزت غرفته، وهي تفكر في لون الطلاء ودرجة البرودة وخصوصية الإضاءة. تفكر في مهده وألعابه و”حفاضاته” كيف يرضع الحب وينمو بالسعادة ويفطم بحب الخير.
وما بين الأحلام والواقع وجدت نفسها في غابة من الزيف والخداع ممتلئة بالذئاب والثعالب وكل أنواع (الحَرَابِيِّ)؛ الكل يمارس الكذب ويتنفس الخيانة ويعبر على أجساد الغير، سقطت أرضاً وعَبَرَ فوقها الكثيرون، ساروا على آلامها وجراحها، لم تستطع حماية طفلها الذي انزلق وضاع، لقد ضاع طفلها… نعم ضاع رجلها.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. * السرد جيد، لكن أعتسفت نهاية النص اعتسافا يصبح الراوي مصلحا اجتماعيا يصدر أحكاما تقريرية علي ظواهر اجتماعية سالبة، و تتجلي المباشرة عندما يتحول الراوي إلي ناقل خبر معلنا المتلقي بنهاية الأحداث.

  2. تتابع رائع وسرد شيق واقتراب رقيق من عصب الوجدان ولكن اتفق مع المعلق الذى ذكر اعتساف الخاتمة فهو نص ينبغى ان يكتمل فى يوم اخر تكونى فية اكثر الهاما الخاتمة كتبت كانما هى للخلاص من النص (الجنين).

  3. التحية اليكي ايها الاستاذه الرايعه كلام جميل المثلك يجب ان يكون في اقرب وزارة في الدوله لانك فيكي كل المواصفات والشخصية الجاده النبيلة المحترمة الشجاعة الصادقة الامينة الممكن تكافح الفساد لانك بنت الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..