السيسا الأفريقية … مخارج آمنة

السيسا الأفريقية.. مخارج آمنة
كان لافتاً ومثيراً للاهتمام منذ سنوات ذلك الانفتاح الكبير الذي قاده جهاز الأمن والمخابرات الوطني في السودان لتصحيح صورته التقليدية وهو يتواصل بشكل فاعل مع المجتمع السياسي والإعلامي والاقتصادي وحتى الرياضي بصورة أحدثت ثورة تغيير في الانطباعات والتصورات التقليدية حول هذه المؤسسة القومية المهمة.
ولم يعد مفهوم جهاز الأمن في السودان يرتبط بصورة رجل الأمن المتخفي بغرض المراقبة والمتابعة والتجسس على الناس أو صورة جهاز الأمن التي تراكمت ملامحها في ذهن الماضي كونه الجهاز المكلف بحماية أمن الأنظمة الحاكمة وليس حماية أمن البلد..
وذلك الجهاز الذي يمكن أن تفعل عناصره أي فعل في سبيل تحقيق مهمة حماية النظام، هذه الصورة التي حرضت أجيالاً من السودانيين على معاداة جهاز الأمن بوصفه عدوا أول للوعي السياسي والفكري وعدو الفن والأدب وأهل الثقافة والسياسة في البلد أي عدو المجتمع وليس حامي أمنه وأمن البلاد.
وحين نتحدث عن ثورة انفتاح قامت بها قيادات هذه المؤسسة الوطنية فإننا نتحدث عن استحضارهم لنوع من الحرص على التواصل المفقود سابقاً.. أو قل الحرص على تغيير صورة نمطية موجودة في الأذهان كان جهاز الأمن في السابق يهمل مسألة تصحيحها وتغييرها بصورة أكثر إيجابية تعكس أبعاداً أخرى مهمة ودوراً استراتيجياً بالغ الأهمية لجهاز الأمن والمخابرات في حماية أمن البلاد ومصالحها الاستراتيجية.
لذلك لم يكن غريباً هذا الحراك الكبير الذي تشهده الخرطوم هذه الأيام بانعقاد مؤتمر أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية سيسا الذي يُخاطب جلسته الافتتاحية رئيس الجمهورية المشير عمر البشير صباح اليوم الخميس بمشاركة أكثر من (30) مدير جهاز أمن ومخابرات أفريقي تحت شعار (الشراكة الاستراتيجية الشاملة لمُكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار السياسي في أفريقيا) وتلك المبادرة الذكية التي سبقت انعقاد اجتماع لجنة السيسا بعقد الملتقى الفكري الأول أمس الأربعاء تحت شعار (الاستقرار السياسي في أفريقيا.. التحديات وآفاق المستقبل)، حيث يمكننا أن نقول إن قارة أفريقيا بدأت تقود فعلاً استراتيجياً جماعياً عالي التنسيق وعميق الفكرة ومكتمل التخطيط والتدبير لتأمين نفسها من خطر الإرهاب ثم تغيير ذلك الواقع الأمني المضطرب في الكثير من دول القارة من خلال آليات علمية وحوار إيجابي يبدل صورة القارة السوداء في ذهن العالم وينتج أمناً يرسم ملامح مستقبل أفضل لقارة تمتلك أكبر نسبة من الثروات الطبيعية بين قارات العالم الأخرى فهي تتصدر سوق الألماس العالمي وتحتفظ بنسبة عالية من الاحتياطي العالمي في النفط والذهب والبلاتين واليورانيوم بجانب الزراعة والثروة الحيوانية الهائلة، لكنها برغم ذلك تعج بالفقر والحروب ومظاهر التخلف وأشكال الرق الجديدة مثل العمل القسري وعمالة الأطفال والزواج القسرى للفتيات والاتجار بالبشر واستغلال اللاجئين مما يجعل كل تلك الثروات والمميزات التفضيلية لقارة أفريقيا مرهونة بتحقيق الأمن بمعناه الإستراتيجي داخل دول أفريقيا وفيما بينها عبر الحدود والذي لا يمكن تحقيقه بشكل كامل إلا من خلال هذا النوع من التنسيق الأمني الأفريقي المشترك الذي يجري فعله في الخرطوم هذه الأيام.
وقد كانت مبادرة السودان بعقد الملتقى الفكري الأول قبيل المؤتمر دليلاً على تفوق الذهن الأمني السوداني وعمق نظرته وثمرات المنهج الأمني المنفتح الذي أشرنا إليه في بداية حديثنا.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالي