الأعشاب.. منافذ بديلة لسموم خارج السيطرة

تحقيق: تهاني عثمان
على رأس كل شارع توجد مجموعة من العطارات تبيع وتتاجر في أصناف مختلفة من الأعشاب المحلية والمستوردة ذات الأسماء الغريبة والروائح المختلفة يعمل بها شباب وشيوخ ومختلف الأعمار، يبيعون الأعشاب ويصفون طرق استخدامها وخلطها وطريقة استعمالها بطريقة عشوائية قل من يعمل منهم وفق طابع علمي، ومع ذلك نجد بأن الكثيرين خاصة من أصحاب الأمراض المستعصية والتي تلازم المريض يلجأون إليها بعد أن يملوا استخدام الدواء أو عندما تضيق بهم ذات اليد.
وما نستطيع نجزم به أن الأعشاب وحتى الآن بعيدة عن الرقابة في وقت وجدت فيه الإقبال من العديدين نتيجة الظروف الاقتصادية واختفاء العديد من الأدوية من الصيدليات أو ارتفاع أسعارها، فهل تكون هي الملاذ الآمن أم الجحيم المستعر؟
وجوه حائرة.. وآذان صاغية
هناك ثقة مفرطة اخذت تتسلل إلى دواخل الكثيرين من المرضى وممارضيهم بالإيمان القطعي بالأعشاب، زاد من اتساع الدائرة انتشار العربات التسويقية وانتشار العيادات الحديثة التي دخلت منافسا شرسا للعيادات الطبية وليس أدل من انتشار السوق إلا دلل عليها إقبال العديدين إلى الدخول في تلك التجارة والتي أصبح لها سوقا رائجا، قد يكون السبب بحثهم عن ملاذات آمنة بعيداً عن المضاعفات التي أخذت تظهر جراء تناول كميات كبيرة من تلك العقاقير، خاصة لدى المصابين بالأمراض المزمنة والتي استعصى الطب أن يجد لها علاجا قاطعا، لتتجه أساليب الدعاية للأعشاب هذا المنحى في الترويج بطرق أبواب الأمل داخل من أصابهم اليأس وسلموا بما ابتلاهم الله, ولكنهم بطرق الترويج هذه يعرضوا بضاعاتهم بطرق استغلالية كما قال.
وقرب إحدى عربات الأعشاب التي باتت متواجدة في أماكن الزحام خاصة في مواقف المواصلات. استوقفت خالد حسن بعد أن دفع مبلغ عشرين جنيها مقابل إحدى عبوات الأعشاب، سألته إذا ما كان قد استخدم هذا الدواء من قبل؟ فرد بأنها المرة الأولى، ولكن استطرد قائلا إنه إذا لم يشفَ فبالتأكيد لن يضره، وأضاف إن قيمته لم تتجاوز العشرين جنيها، فهو لا يعتبر أنه قد خسر فيه ما يستحق. وبذات الفهم كان حديث منيرة بابكر، والتي قد أصابها ضغط الدم منذ سبع سنوات، ولم تستطع وفق قولها وقد تجاوزت العقد الثالث أن تلتزم بتوجيهات الطبيب ومتابعة تناول العقاقير، وأضافت في حديثها “للتيار”: (حدثتني إحدى جاراتي العطارة الجديدة التي تقع على مقربة من محطة المواصلات بها عطار (شاطر) يجيد إعداد الخلطات التي تشفي الكثير من الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكر والتي تغنيها من تناول العقاقير اليومي، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأدوية، والتي حتما لا يوجد مجال للمقارنة بينهما سيما كانت النتيجة واحدة فلا يوجد داعي لاستخدام الأدوية الكيماوية والتي قد استهلك منها الجسد الكثير، وأضافت من ناحية الأسعار فلا مجال للمقارنة لأن سعر خلطة الأعشاب التي أعطاني لها العطار لم تتجاوز الثلاثين جنيها وهي تكفي لأكثر من أسبوعين، ولا يوجد أي ضرر من تناول الأعشاب، حتى وإن لم تجدِ نفعا فإنها لن تضر بشئ بخلاف العقاقير الطبية التي أصبحت جميعها بدائل.
المنافسة بين العطارات وعيادات الأعشاب:
في ركن قصي بأحد الأسواق الشعبية في ضواحي الخرطوم، دخلنا إلى إحدى (عطارات التيمان) التي أخذت توحي إلينا بضيق رقعة المكان على اتساعه، وشيخ تقاوم بعض شعيرات رأسه السوداء كي تطل بين الشيب تفاصيل وجهه تشير إلى أنه قارب السبعين عاما، ولكنه يتحرك بكل حيوية داخل المكان يعطي هذا ويصف لآخر ويحدد لتلك بأن تأتيه في موعد لاحق ليعد لها الخلطة التي وعدها بإعدادها ويصف لآخر الطريقة التي يجب أن يلتزم بها في العلاج بل يذهب إلى ابعد من ذلك فيحدد له العشرة أيام موعدا يلقاه فيه ليعرف منه جدوى العلاج ويعطيه علاجا غيره، ويوجه الإرشادات ويمنع تناول بعض الأطعمة وينصح ببعضها، وبعد قرابة نصف ساعة من الزمن كنت أراقب فيها ما يجري، التفت إلىَّ قائلا: (اعمل في العطارة والعلاج بالأعشاب منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، وقد اكتسبت خبرتي في هذا المجال من خلال وجودي مع والدي والتصاقي به، فتعلمت منه ما يكفي لدخولي هذا العالم. ولكن دعمت ذلك بالتعلم من خلال قراءة الكتب الخاصة بالأعشاب والطب النبوي، وكيفية تحديد المقادير وخلطها، وكمية الجرعات، وأضاف قد اسهمت الأعشاب في علاج الكثير من الأمراض.
نتفق بالتأكيد بأن 50% من نجاح أي علاج يتوقف على تقبل الشخص لذلك واعتقاده في الشفاء به، ولكن أن يصل ذلك لدرجات الإيمان القاطع والإدمان فهذا ما تحدثه الكثير من العقاقير من خلال تناول الجرعة ذاتها لفترات طويلة لذا نجد بأن الكثير من الوصفات يتم تحديد المدة الزمنية لها تجاوزا لمرحلة الإدمان، أما في مجال الأعشاب الاتجاه الآخر للتداوي فلا يوجد محاذير الكل يتناول وبدون توجس، للاعتقاد السائد بأن الأعشاب لا أضرار منها، وفي هذا الاتجاه.
كمال العشاري صاحب إحدى العطارات التي طرقتها ومن خلال حديثه معي والذي لم يتعد الدقائق القلية أدركت أنه قد خبر الكثير من أمر العطارة على الرغم من أنه لم يتجاوز العقد الثالث من العمر، حدثني محمود السر حامد، أن تعامله بالعطارة جاء عن طريق التوريث من جده الذي كان في الأصل عطارا وكان طبيب القرية الوحيد وقال السر رافقت جدي أكثر من عشر سنوات، تعلمت منه الكثير وعملت على تطوير خبراتي خلال الاطلاع على الكتب المتخصصة في التداوي بالأعشاب والطب النبوي. السر في حديثه “للتيار”: لدىَّ مكتبة متكاملة من الكتب التي تتناول استخدامات الأعشاب في الطب وكيفية استخدامها وفوائدها للجسم حتى للوقاية من بعض الأمراض وليس في مجال الطب والتداوي فقط، وقال استطعت بفضل الإطلاع أن أطور المكان وأوسع مدارك فهمي فيما يختص بالأعشاب ومقادير استخدامها.
الحداثة والتطور:
في ظل التطور المصاحب في كل مجال تطور مجال التداوي بالأعشاب إلى أن أصبحت عيادات تحمل مُسمى عيادة الكامل المتكامل وتضم بداخلها خبير مختص بمكانة الطبيب في العيادة الطبية، وله معاونون يعملون في مجال الوصفات البسيطة وبعضهم متخصص في الحجامة الحديثة والتي تتم بواسطة أجهزة حجامة، حتى أساليب العرض في العيادات يختلف تماما عن عرض عطارات التيمان، حيث توضع الأعشاب في قوارير وعلب تحدد كمية العبوة وسعرها موضوعة في فترينات وأرفف عرض جذابة، هذا بالإضافة إلى بعض الوسائل الحديثة والتي مكنت أصحابها من تسميتها بعيادات التداوي بالأعشاب والحجامة وتركيب الوصفات العلاجية والوقائية عند البعض، ففي السوق العربي كان لنا حديث مع إحدى العاملات في هذا المجال، وداخل إحدى العيادات تحدثنا إلى أميرة حسن التي بدأت حديثها لنا بقولها: (إن معظم الدول المصنعة للعقاقير الطبية اتجهت مؤخرا إلى التداوي بالأعشاب وعلى رأسها الصين التي أخذت تتداوى بالإبر الكهرومغنطيسية والأعشاب ساعدها في ذلك نمو الأعشاب بطريقة طبيعية مما كان سببا ببراعتها في الطب الطبيعي الأصيل)، واشتهرت الصين ببراعتها في الطب الطبيعي الأصيل، وأضافت أميرة: (نحن في السودان لا نملك سوى أنواع بسيطة من الأعشاب الطبية، وحتى هذا القليل لا يجد العناية والاهتمام، وأغلب الأعشاب التي نعمل بها مستوردة.. وقد دخلنا هذا المجال متأخرين وراج استخدامها بعد أن لمس الناس فوائد الأعشاب باعتبارها طبيعية وآمنة ولا تسبب آثاراً جانبية سالبة، وعن كيفية تحديدها للوصفة المناسبة تقول اعتمد على شكوى المريض في تحديد آلامه وأعراض المرض، وفي بعض الحالات الجأ إلى الفحوصات والتشخيص، وأحيانا أطلب من المريض إجراء بعض الفحوصات والتشخيصات للتأكد من الحالة المرضية، وفي مجال الأعشاب نجد أن العشبة الواحدة متعددة الفوائد، وقد تستخدم في علاج أكثر من مرض.
وتضيف إن بعض الأعشاب المعمول بها في مجال التداوي يتم استيرادها من الخارج تعتبر أوراق الزيتون وزيت ثماره من أهم وأكثر الأعشاب المعمول بها لفوائدها في أمراض السكر وتخفيض ارتفاع ضغط الدم، ويستخدم في علاج معظم أمراض التهابات المسالك البولية، ويتم استيراده من سوريا ولبنان، كما نستخدم عشبة البابونج المساعد في علاج تقلصات المعدة والانتفاخ وغيره، من خلال تناوله مشروبا ساخنا مثل الشاي. ومن دولة الصين نستورد الجينسنج المساعد على تكوين الهيموجلوبين في الدم وفتح الشهية. ومن شمال أفريقيا وآسيا يتم استيراد حبة البركة وهي (دواء كل داء).
ولأن معظم هذه الأعشاب يؤتى بها من الخارج، تقول أميرة: إن هنالك تجارا يعملون في مجال استيراد تلك الأعشاب من أماكن إنتاجها وبكميات كبيرة، ومن ثم يتم بيعها وتوزيعها. وختمت حديثها لنا بالقول: إن خبرتها في هذا المجال حوالي ست سنوات اكتسبتها عن طريق التعلم على أيدي خبراء في هذا المجال، ولازالت تقرأ وتتابع الكتب والمؤلفات عن التداوي بالأعشاب.
فوضى سوق الأعشاب:
وفي حديثه “للتيار” قال طبيب صيدلي حسام الدين بابكر: إن الأعشاب الموجودة الآن في الأسواق جميعها سامة، ونقول جميعها لأن جرعات استخدامها غير محددة أو معروفة ولأن العاملين عليها ليسوا أصحاب كفاءات وإنما تجارب، قد تصيب وقد لا تصيب، وعلى الرغم من أن هنالك جهودا يقوم بها اتحاد العشابين واتحاد الطب الشعبي لتطوير مقدرات أفرادها، إلا أن الغالبية العظمى لا علاقة لهم بالاتحاد أو بالعلم والشهادات، وأضاف بأن جميع العلاجات هي كميات محسوبة وليست متروكة للتقديرات، اضف لذلك تحتاج إلى معرفة بالمريض وتشخيص المرض بالتحديد قبل وصف العلاج لذا لا يوجد منطق لاخذ علاج قبل معرفة المرض الذي يعاني منه المريض.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..