عن الإيمان، وعيد الفداء، والتنازلات!!

معادلات
علي يس
- أبطَلَ اللهُ ، سبحانَهُ ، لأجلِ إخلاصِ إبراهيم وقوَّة إيمانِهِ ويقينِهِ ، أبطَل ثلاثة نواميس طبيعية ، أبطَلَ فِعلَ النارَ ، فكفَّت لأوَّل مرَّةٍ في تاريخها عن إحراقِ جسدٍ بشريٍّ ، لا تتردَّدُ النارُ عادةً عن إحراقِهِ !! ، وأبطَلَ سُنَّة الصحراءِ في الجدبِ ، حين أخرجَ من باطن ذلك الوادي المُجدِبِ القاحل ، برفسةٍ من قدم طفلٍ رضيعٍ جائعٍ ظاميءٍ ، عيناً من الماءِ لا تُشبِهُها عينٌ أُخرَى في طُولِ الأرضِ وعرضِها ، فأحيا الطفلَ وأُمَّهُ ، وأحيا الأرض الجدباء حتَّى أضحت أعظم بُقعةٍ معمُورةٍ في الأرض ، ومحجَّاً للملايين من البشر سنوياً ، وأبطلَ الله ، بعد ذلك ، لأجلِ إبراهيم الصامد ، فعل الحديد ، حين عجزت المُديةُ التي سنَّها حتَّى فلقت الصخرة ، عجزت عن خدش جلد غلامٍ بضٍّ ، وقد أعملتها فيه يدٌ قويَّة ، هي يدُ إبراهيم الذي وفَّى ..
∙ لم يكُن إبطالُ نواميس الطبيعة لأجل إبراهيم عبثاً ولا مصادفةً ، ولاحتَّى مُجرَّد مُعجزاتٍ وقتيَّة ، بل كانت قانُوناً صارِماً ، يؤكِّدُ أنَّ قُوَّة الإيمانِ واليقين بوسعها أن تصرعَ حتَّى نواميس الخليقة التي ركزها الله في المخلوقات ، وكانَ بوُسعِ إبراهيم عليه السلام ، في كلِّ مرَّةٍ تعرَّضَ فيها لامتحانٍ من تلك الامتحانات الرهيبة ، أن يتنازَلَ بعض التَّنازُل دُونَ أن يُلام ، كانَ بوسعِهِ أن يُقدِّم بعض “التنازُلات” التكتيكية ، كما يفعلُ بعضُ أحفادِهِ اليوم لإسرائيل ولأمريكا ، فيدع تحطيم الأصنام ، بحُجَّةٍ قويَّة ، هي أنَّهُ ليس بوسع فردٍ واحدٍ أن يُواجه “أمبراطورية” هي الأعتَى في زمانِهِ (ألم يقُل السادات : أنا ما أدرش أحارب أمريكا) مع أنَّهُ كان حينها يقُودُ كُلَّ جيوش العرب ؟؟!! فكيف لرجُلٍ واحِدٍ ، كإبراهيم عليه السلام ، أن يتهوَّرَ هذا التَّهوُّر كلَّهُ ؟؟!! لو عاش إبراهيم في زمانِنا لاتَّهَمُوهُ بالإرهاب ، ولو كانَ أهلُهُ هُم العرب لسلَّمُوهُ إلى أمريكا..
∙ كان بمقدوره أن يُراجِعَ ربَّهُ حين أمرهُ أن يدع ابنهُ الوحيد مع أُمه في صحراء قاحلةٍ لا ماءَ فيها ولا شجر ، وما كان الله ليخذِلَهُ لو دعاهُ أن يُعفيهُ من هذه المهمة القاسية !! ، وكانَ بوسعِهِ أن يُؤوِّلَ الرؤيا ، رؤيا ذبحه إسماعيل ، إلى أيِّ معنَىً آخر غير الذبح ، أو كانَ بمقدوره أن يقول لنفسه ” أضغاث أحلام!!” .. ولكن إبراهيم عليه السلام كان يعرف أنَّ أيَّ تنازُلٍ ، تحتَ أية حُجَّة وبأيِّ مُبَرِّرٍ مهما كان وجيهاً ، سوف يجُرُّهُ إلى دوَّامةٍ من التنازُلات لا نهايةَ لها ..
∙ هذه هي المسألة ، يا مولانا..
المواكب