
يبدو الحديث عن صراع الهامش والمركز منفرا عند البعض ، و قد يبدو أيضا عنصريا ومقززا عند البعض الآخر . ولكن هذا في الواقع لا ينفي أن هنالك ثمة صراعا حقيقيا .
للتقليل من حدته حاول بعض المشتغلين بالسياسة تقديمه في قالب اخر أكثر قبولا مستلفين في ذلك أطروحة المركز والهامش للدكتور ابكر ادم اسماعيل .فصار المركز “قوي ارثية ” وكذلك توسع الهامش ليشمل كيانات أخري كانت محسوبة فيما مضى للمركز . صحيح ان تلك المحاولات لم تخرج عن سياسية التمييع التي تمارسها النخبة السياسية الا انها تؤكد ايضا أن الجميع متفق علي أن هنالك ثمة صراعا يدور ، ولو أن الاختلاف يبدو واضحا في طرق توصيف هذا الصراع أو أدواته.
يتمظهر الصراع بشكل واضح في الاختلال التنموي ، انعدام فرص المساواة ، القهر الثقافي ، الابادات الجماعية ، الاستبعاد الممنهج ، و العنصرية المستبطنة في الوعي الجمعي .
واجزم أن هذا الصراع سيستمر للأبد ؛ حتي اذا انقسمت البلاد لأكثر من دولة ، أو انتصرت الكيانات التي تتبني أطروحة الهامش والمركز وهنالك عدة شواهد :.
_تجربة الحركة الشعبية : فلو أن الحركة استطاعت أن تنتصر علي السودان القديم الذي ناضلت ضده لأكثر من ربع قرن من الزمان ، و توجت انتصارها باستقلال دولة جنوب السودان ؛ إلا أن الدولة الحديثة استصحبت معها نفس اشكاليات الدولة القديمة ، و ظل صراع المركز والهامش حاضرا بتمثلاته الثقافية والعرقية.
_تجربة الاسلام السياسي : الإخوان المسلمين كانوا إخوة فقط قبل أن يكتشف بولاد أن” رابطة الدم أقوي من العقيدة ” و ينقسم الأخوة لاحقاً إلي أولاد بحر اولاد غرب . و ينحاز كل من الحاج آدم وعلي الحاج إلي الترابي “الغرابي” ونافع وعلي عثمان للبشير الذي ينتمي ثقافيا لاولاد البحر .
ثمة أمر مهم للغاية وهو أن نخب المركز تصر علي أن هذا الصراع لا يكتوي بنيرانه سوي الهامش ، لأن الحرب ببساطة تدور هنالك . في الحقيقة حتي المركز بجبروته و ترسانته العسكرية أيضا متضرر من ذلك.
بالمنطق فقط ، دعك من الإمكانات البشرية ، والعقول الثرة _كم هي حجم الموارد التي فقدتها البلاد بعد الانفصال ، وكم كان سعر الدولار آنذاك ، و إلي مدي وصل حال اقتصادنا ، دعك من هذا أيضا : كم تكلف الحرب علي قوي الكفاح المسلح من ميزانية الدولة في العام الواحد فقط . واذا افترضنا أن معظم صادر البلاد يقع في مناطق الهامش ؛ فتخيل كيف يكون حال المركز إذا انفصلت دارفور أو جبال النوبة .
دعك من هذا أيضا : و أنظر للأمر من زاوية أخرى …اي انفلات أمني في الهامش سيكون له تبعات في المركز ، والمليشيات التي كونتها نخب المركز في حربها ضد قوي الثورة سترتد عليها آجلا أم عاجلاً . فكيف ستكون حال الخرطوم اذا حدث ذلك . بالتأكيد ستنقل تلك المليشيات حربها من أراضي الهامش الجرداء الي ارض السلام ، وقد سبق وأن هدد أحد قادتها أنه : سيحول الخرطوم ماوي للقطط .
الآن _تمر البلاد بمنعطف خطير ، و ثمة خياران أمامنا: أما أن نكون أو لا نكون ، و كسودانين أيضا سواء اكنا من الهامش أو المركز متضررين بشكل مباشر مما يحدث الآن _ فلم لا نتسامي فوق جراحنا و نستغل الفرص المتاحة أمامنا لنؤسس الوطن الذي نحلم به . اخبروني : مالذي يمنع ذلك ؟
احمد داوود