أخبار السودان

الأزمة السياسية.. كيفية الخروج من الدائرة المغلقة؟

الخرطوم: صلاح مختار

الحديث الذي أدلى به رئيس مجلس الوزراء بشـأن الأزمة السياسية في البلاد، ووصفه بأنها أزمة سياسية بالدرجة الأولى فتح البال واسعا أمام تكهنات الخروج من تلك الأزمة، ويبدو أن الوضع الداخلي لا يسر عدواً ولا صديقاً كما يقال، كثير من نادى بتدخل العقلاء لتصحيح الوضع الداخلي وإخراج البلاد من أزماتها المستفحلة، ورغم أن البعض ظل متفائلاً بعد الثورة والتغيير الذي حدث والإجماع الذي التف حول الحكومة  والحاضنة السياسية إلا أنه بعد عام وجد أن المحصلة فشل في كل شيء باعتراف الجميع.

الوضع الداخلي كما يراه البعض يتجه نحو مصير مظلم وليس هناك على الأفق بريق أمل لحل سياسي، بعض السياسيين والمفكرين كانوا يرددون على استحياء إيجاد طريق ثالث ليس هو طريق الحرية والتغيير وليس طريق الاقصاء لأحد وإنما طريق يجمع الكل نحو هدف واحد للخروج من الأزمات.. يعتقدون بأنه من غير إجماع وطني لا يمكن للبلاد أن تنهض.

وفي المقابل ترى القوى الحاضنة أحقيتها في إدارة البلاد ولا تريد تكرار تجارب سابقة وبالتالي يشق عليها فتح النافذة للآخرين.

ولكن من ينظرون لهذا الوضع مثل ياسر عرمان والشفيع خضر ومناوي حتى عبد الواحد نور يرون ضرورة قيام مؤتمر جامع للسلام بالداخل للخروج من أزمة الدولة. لذلك الطريق الثالث هو طرح وسطي يدفع كبديل لنزاع قائم وهو في نفس الوقت نظرية قائمة للقبول بالآخر لتأسيس عمل سياسي قائم على الوسطية ومحاولة للبحث عن طريق جديد. إذًا هل الطريق الثالث سيصبح المخرج المرتجى لأزمات البلاد؟

مناورات

يعتبر المحلل السياسي بروفيسور الفاتح محجوب مدير مركز الراصد، أن طرح مثل هذا النوع من الأفكار نوع من المغازلة أكثر من كونه طرحاً جاداً سواء جاء من مناوي أو عرمان أو غيره ، وقال لـ(الصيحة): هذا ليس طرحاً جاداً إنما نوع من المناورات السياسية لتحسين موقعهم في مسألة الحاضنة السياسية لجهة أن الحاضنة شبه مغلقة تسيطر عليها جماعات يسارية لا تريد فتح الحاضنة لاستيعاب آخرين، وبالتالي هذا الطرح غير مطروح، هؤلاء يريدون إعطاء القوى الجديدة نسب في السلطة مشاركين في أجهزتها بالتالي فتح الحاضنة السياسية هو ما لا ترغب فيه قوى الحرية والتغيير، وفي نفس الوقت القوى الجديدة لا تريد الدخول في صراع مع قوى التغيير، مشيراً لدعوة مناوي لتوسيع الحاضنة السياسية بتحالفه  مع الحزب الاتحادي الأصل بالقاهرة، كذلك الجبهة الثورية لديها أذرع بالداخل، وتعلم أن اليسار يسيطر على مكونات قوى الحرية والتغيير، بالتالي الطريق الثالث نوع من المناورات لتحسين وضعيتهم في الهياكل الجديدة، وقال إن الاتحادي أفضل من أن يجري خلف هذا النوع من التحالفات، ويرى محجوب أن عرمان يعلم أنه لن يسمح له بهامش الحركة وأن ما قاله غير جاد، وأضاف أن البعض يرى أن الحكومة الحالية قد لا تصلح لإخراج البلاد من الأزمة، بالتالي لابد من التصالح مع الآخر كالإسلاميين وهو ما ظل يطرحه الشفيع خضر عدة مرات، وكذلك الحاج وراق، ولكن على استحياء، بالإضافة لذلك توجد تفاهمات بين الشعبي مع بعض القوى، الأمر الآخر لا زالت قوى الحرية والتغيير لا تريد فتح الأمر للنقاش لأنها لا ترغب في تكرار تجربة أكتوبر 67 ولذلك لا تريد التفريط في الحكم الحالي، إذًا الطرح في هذا الوقت إنما هو مناورات ولا جديد فيه.

مقاربات نظم

ويرى القانوني د. أبو بكر عبد الرازق أن طبيعة المجتمع السوداني القائم على البعد القبلي تقتضي أن ينحو منحى جديدًا في الحكم لا هو عسكري ولا ديمقراطي وإنما البحث عن سبيل ثالث يقوم على نظام يوحد ما بين الحرية والنظام ويجب أن لا يكون الأول خصمًا على الآخر. وقال لـ(الصيحة): السودانيون مفتونون بالنظام العسكري القائم على النظام والالتزام والقدرة على الإنجاز، فيما يعرفون عن الحكم الديمقراطي البرلماني الضعف وقلة الهيبة ويظنون أن الأمر قائم.  كذلك يظنون أن الإنجاز مرتبط بالعسكري، بالتالي الطريق الثالث كما يظنه البعض كمثل النموذج الأمريكي أو الفرنسي لسمة التقارب بين النظام الاجتماعي الفرنسي والسوداني.

نظم وخيارات

ويقول عبد الرازق: أمام السودانيين أن  يختاروا النظام البرلماني الرئاسي الذي ينتخب من الشعب رئيساً بصلاحيات تنفيذية كاملة وبرلمان بصلاحيات رقابية ومحاسبية وتشريعية كاملة، بالتالي الخطوة أمام الناس الوصول إلى توافق وطني كامل دون إقصاء لأحد لجهة أن أي إقصاء يقود إلى الحكم العسكري الرابع بالبلاد وكل من تم إقصاؤهم  في تاريخ السودان قاموا بانقلاب عسكري أجهضوا  التجارب الديمقراطية السابقة، وقال: الآن الفرصة أمام إجماع وطني لحكومة يرأسها رجل غير منتمٍ لأي حزب سياسي ذي كفاءة، وتستمر الحكومة مدة عام انتقالي يهيأ فيها المسرح السياسي للتحول الديمقراطي كاملاً لصناعة مناخ الحريات يوضع فيها الدستور يقف فيها كل أهل السودان لتأسيس الدستور المقبل الذي يجيزه المجلس التأسيسي المنتخب يرعى الأصول التي يتواضع عليها الجميع، وقال: فوز أي من الأحزاب في الانتخابات سوف يراعي هذه الثوابت الكلية والسير نحو نظام ديمقراطي رئاسي.

عهد التكنوقراط

ويقول رئيس حزب الوسط الإسلامي المقيم بفرنسا د. يوسف الكوده لـ(الصيحة): أنا لا أعلم طريقاً ثالثًا يخرج البلاد من أزمتها بخلاف إعادة النظر في مكونات الحرية والتغيير وتوسعة الماعون بشركاء جدد من كافة الأحزاب السياسية حتى من شارك فى حقبة الانقاذ عدا المؤتمر الوطني وإبعاد ما صنعه البعض من مكونات ليست مرئية بل لا وجود حقيقى لها من مسميات وهمية لا يمثلها غير شخص واحد أو شخصين الغرض منها الهيمنة لفكر وتيار معين مع أهمية  تكوين أجسام  استشارية خارج الحرية والتغيير ترفد من يقوم بدور الحاضنة السياسة بآراء وأفكار مفيدة. أما في ما يخص مجلس الوزراء فيفضل أن يكون مجلس الوزراء من تكنوقراط بعيدًا عن كل انتماءات حزبية، ليكون الدور الحزبى من  مكون الحاضنة السياسية رأياً وفكراً لا موقعًا دستورياً، وتفعيل القانون ليتم كل تصرف من خلاله بعيداً عن ما تقوم به ما يعرف بلجنة تفكيك التمكين من إجراءات غير قانونية حسب رأيه، فالملكية الخاصة للأفراد لا تتحول من جهة الى أخرى بقرارات ثورية  وإنما بإجراءات قانونية من خلال أحكام قضائية. إضافة إلى عدم اعتماد أي محاصصات في عملية السلام إذ مطلوب من كل الحركات المسلحة بعد وضع السلاح الانخراط فى العملية السياسية بالتحول إلى أحزاب سياسية مع الاحتفاظ بحقها في المشاركة في الحاضنة السياسية الجديدة حتى تتمكن من عملية الإشراف والتوجيه فإنها ما كانت تقاتل لتنال غير ما حصل من تغيير شاركت فيه مع المواطن فلا حق لسودانى مميزاً عن الآخر ولا تكريم لمقاتل دون مقاتل، سواء كان القتال عن طريق السلاح او عن الطريق المدنى الذي استعجل عملية التغيير وذهاب النظام البائد.

 

تعليق واحد

  1. تنبيه لملاحظة الفرق بين الخطاب القرآني الموجه للنبي الكريم وبين ذلك الموجه لعموم المسلمين أو المؤمنين من بعده. ففي موضوع الشورى مثلاً، وهي مصطلح قرآني متفق على اقتصاره على الأمور الدنيوية فقط وعدم شموله الأمور الدينية. ويفهم ذلك من الخطاب الوارد في الآية 159 من سورة آل عمران أدناه والخاص بالنبي الكريم ودولته في المدينة، وفيه أمرٌ له بممارسة الشورى، ولكنها شورى مقتصرة، بالضرورة، على الأمور الدنيوية فقط، لأن الأمور الدينية بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم محسومة بالوحي ولا مجال يها للتحاور. وحيث كان الوحي يشمل أيضاً بعض الأمور الدنيوية مثل الحوادث الغيبية، كالبشارة والوعد بالنصر في المعارك، لأن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحمايته بالوحي في كل الأمور، لذلك جاءت شورى النبي الكريم في أمور الدنيا منقوصة لا تبلغ درجة الديمقراطية اللبرالية: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) صدق الله العظيم. فهذه الشورى الخاصة هنا بالرسول الأمين فقط، لم تفرض عليه وعلى دولته عليه السلام الشورى الكاملة المساوية للديمقراطية اللبرالية كما تعرف اليوم ولم يلزمه تعالى بنتيجتها وسمح له بمخالفتها أو عدم إجرائها ابتداء إن عزم على ذلك. وعليه فالغرض من هذه الشورى المنقوصة هو لتطييب قلوب أصحابه وتأليفها عليه واستئناسهم حتى لا ينفضوا من حوله ويتركوه، وهذا أمر خاص بالنبي الكريم لمصلحة دعوته ورسالته المحمدية. أما فيما يتعلق بالأمور الدينية وأحكام الدين فالنبي عليه الصلاة والسلام مأمور بتبليغ وتطبيق رسالة الوحي حرفياً وليس هنا مجالٌ للشورى أصلاً. وهذه الشورى في هذه الآية كما تخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحده، قهي تقتصر على الأمور الدنيوية وحدها، فهي شورى فقط لاسئناس أتباعه ولا علاقة لها بالديمقراطية اللبرالية المعروفة اليوم والمطلوبة لأمته من بعده؛ إذ أن العزيمة بتجاهل إجراء الشورى أو مخالفة نتيجتها أمر مرتبط بالتبوة والوحي وهما لا ينبغيان لأحد من أمته. فالرسول الكريم ليس ملزوماً بنتيجة مشاورة أصحابه حتى في الأمور الدنيوية إذا عزم على خلاف رأي أصحابه وتوكل على الله وعلى وحيه. لذلك، فمن الخطأ الشنيع الاستشهاد بهذه الآية دليلاً على ديمقراطية الإسلام!
    أما في سورة الشورى الآية 38 فتقرأ: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) صدق الله العظيم، فالخطاب فيها لعامة المسلمين (من بعد النبي أو في حياته قبل الرجوع ورد الأمر إليه)، وهنا الشورى كاملة وليس لولي الأمر أن يخالف نتيجة الشورى سواء كانت إدارية بينه وبين معاونيه أو كانت تشريعية مطروحة في برلمان أو أي سلطة تشريعية منتخبة. فهنا ديمقراطية كاملة كما في النظام الرأسمالي الحزبي اللبرالي حيث تسود الأغلبية الميكانيكية وتدوس على حقوق الأفلية بلا رحمة وهذه ديمقراطية منقوصة أو غير رشيدة بمقياس الشورى الإسلامية والتي لا تتفق مع الديمقراطية اللبرالية الحزبية في التمثيل بواسطة الأحزاب أياً كانت ولو سُميت اسلامية. فلا معنى للأحزاب في الاسلام، إلا الأحزاب الدينية المذهبية والطائفية التي تقتصر على خدمة المنتمين لها، وهذه مقابل الأحزاب السياسية (العلمانية بالضرورة)، أي المعنية فقط بالأمور الحياتية المعيشية للسكان، مسلمين كانوا أم بوذيين إلخ، حيث يجوز أن يتكتل الناس إزاء مناصرة أي شأن معين أو ضده مما يستجد من شئون الحياة والأمور الاقتصادية والاجتماعية والدينية (الدينية هنا بمعنى كل الأديان فيما يتعلق بحماية القانون لحق أتباعها في الممارسة الخاصة بعيداً عن مؤسسات الدولة وعدم تعديها على بعضها البعض بما يخالف القانون). وإذا كانت سورة الشورى تسمح بالديمقراطية اللبرالية، إلا أن تلك الديمقراطية لابد وأنها خاضعة لقيم الاسلام. وأولها منع هضم حق الضعيف واستغلاله اعتداد اً بالكثرة (الباطل) على حساب الحق. إن الديمقراطية التي تتوافق مع قيم الاسلام التي تمنع دكتاتورية الأغلبية خاصة إذا كانت هذه الأغلبية حزبية سياسية أو طائفية دينية ذات مواقف مسبقة وعصبية غير موضوعية حيال أمور تتعلق بمصالح المجتمع الحياتية والمعيشية، وهذا هو مجال عمل الدولة والشورى في مؤسساتها الخدمية ولا تحتاج في هذا لأحزاب من أي نوع لأنها تعنى فقط بالمصالح الحياتية المعيشية المجتمعية العامة وليس بالمصالح الحزبية أو الطائفية الدينية المذهبية الخاصةإلا في إطار حقها في الاعتقاد والممارسة. وحيث أن الديمقراطية الحزبية، خاصة الطائفية والمذهبية، من شأنها استخدام آلية أغلبيتها الميكانيكية ولا تتورع من سحق حقوق الأقلية غير مبالية، فلابد أن مثل هذه الديمقراطية لا تصلح وقد ثبتت عدم صلاحيتها في السودان فيما مضى من الفرص التي حكمت فيها. وحيث أن جوهر الديمقراطية هو التمثيل والانابة عن الشعب في البرلمان ومجلس الوزراء، فلابد من تعديل وسيلة الانابة والتمثيل الحزبية لتكون الانابة والتمثيل مباشراً دون وساطة الأحزاب! لماذا لا يختار الناخبون نوابهم مباشرة ممن يقيمون معهم في مناطقهم الجغرافية ويعرفونهم أو من نقاباتهم المهنية أو فئاتهم الحرفية أو النوعية فهم أكثر تفهماً لقضاياهم وأقرب اتصالاً بهم؟ لماذا يجب أن يكون النواب حزبيين إذن؟ أقول لك لأن هناك مفهوم آخر يعتقد خطأ بأنه ضروري ومن لوازم الديمقراطية؛ ألا وهو مفهوم تداول السلطة بين الأحزاب لمنع ظاهرة الانقلابات العسكرية على الديمقراطية. ولكن نقول أيضاً إن الحزبية الطائفية والعقائدية المذهبية هي السبب في خلق هذه الدائرة الخبيثة، وعليه، فإذا ألغينا وسيلة التمثيل غير المباشر (الحزبي) واستبعدنا الأحزاب، فلا حاجة إذن لفكرة تداول السلطة بين الأحزاب وحدهم دون الانقلابيين العسكر، ولماذا، ذن، لا نستبقي السلطة عند الشعب صاحبها الأصلي فلا يفوضها لأحزاب ولا يسمح بها للعسكر بالانقلاب عليهم لأخذها منهم أوتسلمها منهم، فهم دوماً ينتزعونها من الأحزاب الطائفية وأحياناً تسلم لهم طوعاً منها! والحل أن تستمر الديمقراطية النيابية المباشرة وسيلة لبقاء السلطة لدى صاحبها الأصلي (الشعب) وبقاء مكونات المجتمع الممَثَلة ثابتة تزيد ولا تنقص وبذلك تنتهي لعبة الانقلابات ومبرراتها التي توفرها لهم أحزاب الطائفية الحاكمة. عليه ولاستمرار الديمقراطية والحكم المدني فلا سبيل لذلك غير الديمقراطية المباشرة من دون وساطة الأحزاب ومساويء الجزبية المتمثثلة في الآراء الحزبية المسبقة والمفروضة على التواب ومن ثم التكتل الميكانيكي غير الموضوعي، وخلافه، وقد سبق أن بينا مزاياها في تعليقات سابقة ولا مانع من تكرارها في تعليق لاحق.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..