الترابي يقود القطيع

سبق وأن حذرت في مقالات سابقة من الدور الماكر الذي يلعبه الترابي منذ عودته للساحة السياسية وسبق أن أشرت قبل خطاب الوثبة إلى أن التراجع الذي يبديه الإخوان المسلمون هو ليس إلا انحناء لريح الربيع العربي والضغط الشعبي الذي ظهر جليا في انتفاضة سبتمبر كما كنت قد أشرت إلى أن دولة قطر ربما وقفت وراء فكرة تنازل النظام جزئيا تجنبا للسقوط الحتمي وأنها ضربت للنظام مثلا بتنازل الشيخ حمد آل ثاني نفسه لابنه الشيخ تميم بعد أن رأى أن مرحلة جديدة لها استحقاقات جديدة تحيط بدولة قطر .
وتترسخ قناعاتي كل يوم بما تتكشف عنه الأحداث منذ عودة الرجل الضال والمضل لغيره ، الترابي ، إلى صدر المشهد وكان تقدمه موكب الحاضرين لخطاب الوثبة وتصريحاته التي أعقبت ذلك ومواقفه المهادنة للنظام دون مسوغ معقول ومشاركته في مؤتمر أم جرس ومن ثم سفره لدولة قطر ، وهو وثيق الصلة بها ، وفور عودته رأيناه يقود قطيع الأحزاب المعارضة إلى حظيرة قاعة الصداقة .
أنا من الذين يعتقدون أن الترابي يفكر بمنطق المنتقم قبل منطق المداهن الذي يتزيا بزي الحريص على استقلال السودان وهو لن ينسى أبدا للبشير وعلي عثمان محمد طه ما فعلوه به من سجن وتنكيل وازدراء وهو يعتقد أنهم سرقوا جهده وتضحياته وفكره باعتباره متعهد الفكرة وباني تنظيم الإخوان المسلمين وصانع سلّم الوصول الذي صعدوا على أكتافه جميعا للسلطة والثروة والمناصب الرفيعة فكيف بمثله أن يقبع في غياهب السجن ووراء جدران الحبس المنزلي ويبقى كما مهملا دون أن يرد الصفعة بأمثالها.
استمعوا بتأنٍ لحسين خوجلي كلما جاءت سيرة الترابي وكيف يدبج آيات المديح فيه ويكيل مواعين الثناء عليه بما يكاد يجعله نبيا معصوما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه رغم أنه يلبسه جلبابا !! .
من الجانب الآخر للصورة اسألوا أين غريمه علي عثمان الذي أصبح نسيا منسيا فلا ظهر في أم جرس ولا حتى بين الحرس ولا هو في العير ولا في النفير كأنما كان تهميشه كان لظهور الترابي على المسرح لكن الرغبة في الانتقام لن تقف عند ذلك الحد.
الترابي لن يستريح إلا بعد أن يفعل بعلي عثمان ما فعله به ولن يهدأ له بال إلا إذا رأى البشير يرسف في الأغلال في طائرة تتجه به لمحكمة العدل الدولية .
وإذا كانت المعارضة إلا القليل قد بلعت الطعم وسارت في الزفة وصدقت أكاذيب الترابي والنظام بالتوجه الجديد فإن الترابي يخطط لكليهما ليدفنهما لاحقا أحياء.
الترابي يخطط للعودة مرة أخرى تحت ظلال الديمقراطية وبعد أن يبعد غرماءه من الحرس القديم ويؤدب من تجرءوا عليه يوما ما .. فهو الآن يظهر بمظهر الحكيم المشفق على وطنه من التفلت والتمزق ليس حرصا على الوطن فهو قد ساهم بسياساته الرعناء وشعاراته الكاذبة الجوفاء في تمزيقه بالأمس وتقطيع أوصاله لكنه الآن حريص كل الحرص على حركته الإسلامية التي تحيط بها العواصف من كل جانب.
أنها خطة جهنمية ينفذها الترابي مع البشير وغازي صلاح الدين وغيرهم من الإخوان مع أن الترابي يضمر الغدر بحلفاء اليوم بعد أن يصل لمبتغاه ، وإلا فكيف تمكن الترابي في فترة لا تتجاوز أربعة أشهر أن يجمع قرابة تسعين حزبا تحت سقف قاعة الصداقة لتستمع لمن قتلوهم وسجنوهم وسحلوهم وفصلوهم وشردوهم وتحدوهم وسخروا منهم و .. و.. .. ( الإحصائية الرسمية أن الاجتماع حضره ممثلون لـ 83 حزبا وأن عدد المدعوين من أحزاب وحركات بلغ 104 بحسب ما قاله العبيد مروح ) لكن ألا يعتبر هذا مخجلا إذ كيف يتحدى حزب الإخوان أكثر من مائة حزب لربع قرن ويجبرهم للجلوس معه والاستماع إليه !!!؟؟؟
دعونا نكون من الحمقى لنصدق أن الحكومة صادقة في وعودها بإطلاق الحريات والديمقراطية بل وتنازلها لأقطاب المعارضة العرجاء عن الحكم .. فماذا هي فاعلة غدا ؟ إن الأمر لن يعدو آنذاك كونه خديعة تتورط فيها المعارضة لتكشف عن ضعفها وسوء إدارتها وانفلات الأمن في عهدها لتجعل الناس يتحسرون على التفريط فيما كانوا فيه من مآسٍ لأن المرتجى كان أسوأ ، سنتصور الآن ما لا يمكن تصوره ونفرض أن حكومة قومية تكونت ثم عمل الإخوان على تقويضها من الداخل ووقفوا ليتفرجوا عليها أليس ذلك ممكنا ؟ ؟ ففي يدهم الثروة وقد تغلغلوا في أجهزة السلطة بحيث يستحيل اجتثاثهم وستكون حكومة المعارضة حكومة بلا أجهزة حيث أن دولاب العمل فيها يقوده أصحاب عهد التمكين وبإمكانهم إفشال الحكومة في كل وزارة وإدارة ، وجهاز الشرطة لهم وبإمكانها أن تتهاون بل وتتعاون مع المنفلتين لإحراج النظام الجديد والجيش ليس فيه إلا هم وبإمكانهم ترك الحبل على الغارب لإظهار الحكومة بموقف المتقاعس الضعيف وسرعان ما تظهر بيانات التهديد ومظاهرات الوعيد كما أن أجهزة الأمن والمخابرات كلها قيادات وأفرادا تتبع لهم ويعلمون خبايا البلد بطوله وعرضه ولديهم من الملفات والأسرار صحيحها ومفبركها ما يمكنهم من تسريبه وقتل الشخصيات معنويا وإحداث الفوضى .. بل حتى على مستوى تأهيل الأفراد فقد أقصوا خصومهم طوال ربع قرن وأعدوا كوادرهم من أساتذة جامعات وأطباء ومعلمين وغيرهم .. وكان حسين خوجلي قد استبشر أمس بوعد حرية الإعلام قائلا ” ألوان يا دوب حا تصدر ” فهو يشمر عن عصب لسان الكذب ليمارس ضلاله القديم أيام الديمقراطية الثالثة .. وحتى في حال قيام انتخابات بشروط المعارضة فإن الأخوان قد يسيطرون على المشهد بسبب ما يملكونه من أموال طائلة كنزوها لمثل هذا اليوم وبما لهم من أجهزة إعلامية أعدوها مسبقا كالصحف والقنوات الفضائية ” قناة أم درمان نموذجا ” و ستعمل كلها غدا لتفكيك المعارضة ودق إسفين العداوة والبغضاء بين مكوناتها وما ذلك عليها بعسير !! إذن كيف سيحكم نظام هجين جديد مع هؤلاء ؟
إن هذا نظام ينبغي اقتلاعه من جذوره لا إصلاحه ولن تنصلح الإنقاذ بترقيعها حيث اتسع الفتق على الراتق .
إن المعارضة وخاصة الأحزاب الكبيرة كأحزاب الميرغني والمهدي تضع على عينيها غشاوة وقد سلمت قيادها للثعلب الماكر حسن الترابي وهو حتما سيرد بها موارد الهلاك بعد أن سقاها من مشروب مخدر اسمه الخوف على الوطن وصدقت لتلدغ من جحر الترابي للمرة العاشرة .
الآن وقد دخلت المعارضة جحر الضب فإن شاءت أن يكون لها مستقبل فلا خيار أمامها سوى أن تفاوض ضمن مقترحات أخرى على ما يلي لتخرج بما يحفظ ماء الوجه الذي أريق على قارعة طريق نادي الترابي للألعاب السياسية :
– أن تشترط التنفيذ الفوري بلا تسويف ولا مماطلة لما أعلنه الرئيس من إطلاق المعتقلين وبسط الحريات والسماح بالنشاط السياسي داخل وخارج دور الأحزاب وعدم النكوص عن ذلك لأي سبب كان.
– تأجيل الانتخابات بما يتناسب مع الأحزاب لإعداد نفسها لخوض الانتخابات والتفاوض على كيفية مشاركة الحركات المسلحة عبر ضمانات محددة.
– أن تشترط تعيين قيادات بديلة لأجهزة الأمن والشرطة والجيش من شخصيات معتدلة ، مع صعوبة وجودهم في أجهزة تمت تصفيتها من غير الموالين للنظام ،وحتى لو أضطرت لإعادة ضباط من المتقاعدين ، للفترة المقبلة لأنها أكثر الأجهزة تهديدا لنشاط الديمقراطية وللحريات العامة.
– أن تعلن الوحدة في شكل تحالف وطني وتتفق على برنامج موحد لإسقاط الإخوان وإبعادهم كليا من السلطة وتحدد فترة زمنية تضع فيها دستورا ديمقراطيا وتوثقه لدى المنظمات العربية والأفريقية والدولية يقطع الطريق أمام الجيش للتدخل مستقبلا في الشأن السياسي ومن ثم ينفض التحالف الوطني وتجرى الانتخابات على أساس الدستور الدائم الجديد وذلك خلال فترة لا تتجاوز عامين مثلا.
وما لم يتم إبعاد الإخوان كليا عن المشهد ، فكأننا يا بدر لا رحنا ولاجينا وعلى القطيع أن يعود أدراجه ليجعل الترابي يعض أصابع الندم بدلا من أن ينام ملء جفونه.

? أمرتهمُ أمري بمنعرج اللوى ** فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

أبو الحسن الشاعر
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. حسبك لقد بلغ السيل …. أرنا الطريق ….. نحسب أننا نستمع لعراف زماننا الغابر هذا ،، قوم من نومك وأحسب كومك لا مجال لإسقاط النظام إلا بالإنتخابات وسوف تدخلوها راضين أم رافضين لأنكم ضيعتوا الوقت في المهاترات والمساكشات والمكر السيئ فإنقلب سحركم عليكم .. يا فتي 84 حزب ولا 90 حزب المهم نسبة الحضور من العدد الكلي مع التركيز عاي النوعية فالحضور أحزاب لها وزنها وبعدها وهي أحزاب جماهيرية وليست أشباح أحزاب وصحيح سعت اللجنة المنظمة لحضور كل الأحزاب المهم كل منتمي لحزب وجد نفسه حضورا في اللقاء التشاورى وبعدين الشغلانه حتي الآن في مرحلة التراضي والوفاق علي تكوين وتسمية آليات للوصول لمدة وأجندة الحوار والإتفاق عليها من ال 84 أو ال90 فمافي غم ولا دغمسه الشغل واضح إلا علي ال…. الباقي تمو خيال

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..