“ليت حظي يسمح” ودمدنى.. مدنية تسكن وجدان قاطنيها

الخرطوم – زهرة عكاشة
مدني أو إن شئت ود مدني، دار الشيخ السني كما يحلو لأهلها وعشاقها تدليلها، مدينة ذات عبق خاص وتاريخ ضارب في الجذور، صممت لتكون عاصمة السودانية الإدراية الأولى وظلت حاضرة الإقليم الأوسط ثم ولاية الجزيرة اختلفت المسميات الإدارية للمنطقة، ولكن ظلت مدني منبع الإبداع والمبدعين الذي يرفد السودان كافة، لأنها تضم مزيجاً رائعاً من الثقافة والفكر والغناء الماتع.
ولأن أبناء مدني يتقاسمون ودهم ويتشاركونه دون رياء أو زيف، استطاع الشاعر الرشيد فضل المولى أن يعبر بكلمات بسيطة، لكنها دقيقة المعنى، عن حال أحد أبنائها عندما ظن الكثيرون أن الغربة فعلت به أفاعيلها وأغرته مثلما أغرت غيره، وغيرت أهواءهم وانتماءاتهم، وتعمقت ظنونهم أكثر عندما انشغل حديث الاغتراب، وانهمك في خضم منظومة العمل الجديدة، حتى اختفى عن مجتمع المدينة الحبيبة هنا.
نظم القصيد
اتهم البعض الرشيد بالتنكر ونسيان أهله وعشريته، وهو المشتاق لمدينته التي لم تغب عن باله، لدرجة أن أحبها من حوله في غربة كان يظنها دواء، فهو لا يمل الحديث عنها، لكنهم لا يعلمون، فلم يتوان شاعرنا الرشيد في نظم قصيدة عبرت عن مكنونات مغتربنا وما يحسه تجاه محبوبته الأصل حملت عنوان (مدني)، ولم يجد صعوبة في ذلك ولاسيما أنهم يتقاسمون الإحساس نفسه، قال فيها:
لو سنين البعد طالت مدني في جواي باقيا
في السنين الفاتو عدو وفي السنين اللسة جاية
في بلاد الغربة عنك قلت ما فيه كفاية
بيكي بعتز وبفاخر حتى عشقوك المعاي
أصلي شايلك في عيوني وجاري حبك في دمايا
مدني يا نبض الجزيرة قالوا عنك كم رواية
سودانا إلدي ولسة بلدي وانتي شايلاها الربابة
محبة خاصة
يمكن للآراء أن تختلف ولاسيما في القضايا التي ترتبط بالوطن وحبه، لأنها تعتمد على التربية وغرس الروح الوطنية في الأبناء وهم صغاراً، لكن أهل مدني لا يمكن أن تساورك الشكوك في حبهم وانتمائهم لها، وهذا ليس محض حديث، وفي ذلك قال الصحافي معتصم عيدروس: “دائماً أقول، إن عشقنا لمدني عنصرية المكان لا القبيلة ولا الأهل”. وأضاف: مدني حاجة مختلفة تربط أهلها برباط عجيب من المودة والمحبة والعلاقات الاجتماعية الوثيقة في السراء والضراء.
علاقات وثيقة
ولأن مجتمع مدني قروي تجد أن كل الناس يعرفون بعضهم البعض، وبحسب معتصم إن الاندماج والتمازج الاجتماعي بين الجيران لم يتح الفرصة للسؤال عن القبيلة، فهي لا تهمهم. وأردف: نحن على سبيل المثال عشنا أكثر من 40 سنة في حينا بمدني لا نعرف قبيلة جيراننا، وكما غنى الرائع الراحل مصطفى سيد أحمد “كل الناس أهل.. كل الناس صحاب”، لذلك تتميز بالعلاقات الاجتماعية الوثيقة بين أهلها، رغم أن مساحتها تماثل المدن الكبيرة التي تغلب فيها قبيلة على أخرى، إلا أنها تعد أفضل نموذج للتعايش بين القبائل بالاندماج الذي استعاضوا به عن القبيلة ليشكلوا ما هو أقوى من القبيلة.
ظروف عملية
يواصل معتصم حديثه قائلاً: بالرغم من ظروف العمل التي قادتني وشقيقي مجذوب للعمل خارج إطار مدني إلا أنها ماثلة في الأخيلة، ولا نهدأ ولا نهنأ إلا بعد المثول وأداء فروض الولاء والطاعة، مثلاً مجذوب فارق مدني أكثر من (20) سنة، وحتى الآن ما قادر ينفك منها، ولا يهنأ إلا بعد قضاء يومين أو ثلاثة بمدني، الأمر لم يتوقف عند مجذوب عيدروس لأن معتصم أيضاً يقضي إجازته كلها في مدنيز وقال: “أقضي الـ (35) يوماً وهي مدة إجازتي بمدني ولا تطأ قدماي الخرطوم إلا للسفر والعودة لمقر عملي بدولة قطر، مدني باختصار قصة عشق لن تنتهي”.
في الذاكرة
من جهتها، أكدت أميمة عبدالكافي (ربة منزل) حديث معتصم عندما قالت: “جاورت في السكن أسرة من مدني استقر بها الحال في الخرطوم أكثر من عامان، ورغم ذلك لم يكفوا قط من الحديث عنها حتى ظننت أنهم سيورثوها، وعلى مستوى الأغنيات تجدهم باستمرار يتغنون أو ينصتون لأغنيات تمجد مدينتهم الحبيبة، فهي في الذاكرة دوماً”. وتابعت: “تشوقت لرؤية مدني وأهلها من خلال حديثهم الذي لا ينقطع وشغفهم اللامحدود لها”.
أهل مدني وما جاورهم في أي مكان لسان حالهم، يقول كما قال خليل فرح:
ما له أعياه النضال بدني روحي ليه مشتهية ود مدني
ليت حظي يسمح ويسعدني طوفه فد يوم بي ربوع مدني
كنت أزوره أبويا ود مدني واشكي ليه الحضري والمدني

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..