أخبار السودان

هل يتجنب الفشل أم يسقط كمثيلاته .. اتفاق جوبا لسلام السودان قراءة فاحصة لبنوده (4)

إعداد: محمد الصادق

أي اتفاق مهما تم ربطه بالسلام وتم الترويج له على أنه المنقذ من الأزمة والوسيلة لإعادة الأمن، ولم يوقف إهدار الدم السوداني، وحرق القرى، ويمنع حدوث موجات جديدة من النزوح للداخل أو اللجوء لخارج الوطن، ويوقف حالات الإفلات من العدالة، أكيد سيكون مصيره عاجلاً أو آجلاً الفشل الذريع، فأي اتفاق سلام لا بد أن يحقق السلام الحقيقي في ربوع الوطن، ويمثل ما تم ذكره آنفاً المهام الأولية والرئيسية المحددة لنجاح أي اتفاق سلام، ومن ثم تأتي معالجة جذور أسباب الحروب ومظاهرها، وضربة البداية كما ذكرنا لا بد أن تكون بإيقاف إهدار حق الحياة والانتهاكات التي تحدث للمواطنين المدنيين العزل، وتجاربنا مع اتفاقيات السلام السابقة في نيفاشا والشرق وأبوجا والدوحة تؤكد ذلك. فلا بد لأي اتفاق سلام أن لا يكتفي بهندسة الحلول المنمقة في شكل بنود، بل لا بد أن يستصحب أصحاب المصلحة الحقيقيين أصحاب الوجعة (النازحين واللاجئين) في وضع أولويات للحلول لمشاكلهم ومعاناتهم، وفي كيفية تنفيذها، والتي تبدأ بتحسين أحوالهم، وتنتهي بنيلهم جميع حقوقهم واستعادة أراضيهم وممتلكاتهم، ويكون الهدف الرئيسي والنهائي لعملية المفاوضات إسهامها في عودتهم للعب دورهم كمنتجين يدعمون الاقتصاد الوطني، مع مراعاة الإمكانيات الحقيقية المتوفرة للدولة لتنفيذ الاتفاق، حتى لا يتحول لأماني وأشواق يتم تداولها في الإعلام دون أن تكون هناك إمكانيات لتحقيقها وانزالها لأرض الواقع.

أهمية أن يكون سلاماً شاملاً:

لقد أثبتت تجارب البحث عن السلام في السودان ضرورة أن يكون التوقيع شاملاً لكل الحركات التي تحمل السلاح، وأصبح من البديهيات أن مشاركة جميع أطراف النزاع في أي حل شرط لأزم للوصول إلى حلول ناجعة ومستدامة ومرضية للحروب في الوطن، وأي استثناء يتم لأي من الفصائل لن يقود لسلام شامل، وقد يتسبب في تجدد الصراعات العسكرية في بعض المناطق. ومن الخطل بمكان التوقيع مع بعض الحركات، واستثناء أخرى بدعوى إجبارها على الجلوس على مائدة التفاوض بالسلاح، هذا السناريو يقود لطريق وحيد يتمثل في التصعيد العسكري كما حدث في اتفاق أبوجا. وهناك سيناريو آخر يتمثل في التوقيع مع بعض الحركات مع الإعلان أن الاتفاق مفتوح للأخرى للانضمام إليه. ووفق هذا السيناريو حين يتم التوقيع مع البعض هذا يخلق واقعاً جديداً يصعب من ولوج الآخرين على قدم المساواة مع الذين تم التوقيع معهم أولاً، والدليل على ذلك تجربة اتفاق الدوحة، فالحركات التي انضمت بعد التوقيع (العدل والمساواة – دبجو) على سبيل المثال لم تحظى بالتحول إلى أحزاب كما حظيت حركتي التحرير والعدالة السيسي، وأبوقردة، فلقد تم تجاوز الترتيبات الأمنية لقواتهما الشرط اللازم لتحولهما لحزبين، فتم استثناؤهم من الترتيبات الأمنية، وتحولا لحزبين: حزب التحرير والعدالة القومي، وحزب التحرير والعدالة. كان من المفترض أن يخوضا انتخابات 2020م التي قطعت ثورة ديسمبر الطريق عليها، بينما اكملت قوات حركة العدل والمساواة – دبجو الترتيبات الأمنية (كما أعلن مؤخراً) في نهاية فبراير 2021م، مع ملاحظة أن الدوحة انتهى أجلها في 13 يوليو 2015م، وتم التجديد لها لمدة عام وانتهى في 13 يوليو 2016م، أي اكتمال الترتيبات الأمنية لقوات حركة العدل والمساواة – دبجو تم بعد أكثر من خمسة سنوات من انتهاء أجل اتفاق الدوحة.

جوبا تصعب الالتحاق:

اتفاق جوبا لسلام السودان سلك نفس طريق الدوحة بالتوقيع مع البعض واستثناء البعض الآخر من الحركات في مقدمتهم جيش حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، وحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان قطاع الشمال بقيادة عبدالعزيز الحلو. تم الإعلان أن المفاوضات مع حركتي جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد، وحركة جيش تحرير السودان – قطاع الشمال بقيادة الحلو سوف تستمر حتى يتم التوقيع معهما. ولقد أوضحنا أن التوقيع مع جزء من الحركات سيخلق واقعاً جديداً سيصعب من التوقيع مع الآخرين، دعونا نستدل على ذلك بما ورد في اتفاق جوبا لسلام السودان، الباب الثامن، أحكام ختامية: 4.”دون المساس أو الإخلال بوضعية كل طرف من الأطراف فيما يتعلق بالاتفاقيات الواردة في هذا الاتفاق تعتبر جميع الأطراف الموقعة على أي من هذه الاتفاقيات أو أي اتفاقية أخرى يتم الدخول فيها لاحقاً، هم أطراف موقعة على الديباجة والأحكام الختامية والقضايا القومية وتلتزم جميع الأطراف بمسؤوليات متساوية تجاه هذا الاتفاق. 8.”يجوز ضم أو انضمام أي طرف أو أطراف جديدة لتصبح جزءاً من هذا الاتفاق بموافقة تجمع وتوقع عليها الأطراف الأخرى”. 9.”مع مراعاة المادة (7) من الأحكام الختامية يصبح أي طرف من الأطراف التي انضمت لاحقاً ملزماً وخاضعاً لجميع شروط وواجبات والتزامات الاتفاق النهائي كما لو كان طرفاً أصيلاً بهذا الاتفاق”. 12.”في حال تعارض أحكام هذا الاتفاق مع أي من الاتفاقيات المتعلقة بضم أطراف جديدة بعد دخول هذا الاتفاق حيز النفاذ، تسود أحكام هذا الاتفاق ما لم تتفق جميع الأطراف صراحة على غير ذلك”. ووفقاً لهذه البنود فإن الأطراف التي توقع لاحقاً عليها الالتزام مسبقاً بالاتي: أولاً يلزم الأطراف التي سوف توقع لاحقاً على التوقيع على الديباجة والأحكام الختامية والقضايا القومية من دون المشاركة في إعدادها. ثانياً وضع شرط موافقة جميع الأطراف على انضمام الموقعين الجدد. ثالثاً تجعل الموقعين الجدد خاضعين لجميع شروط وواجبات والتزامات الاتفاق النهائي الذي لم يتم التوقيع عليه من قبلهم. رابعاً سيادة أحكام الاتفاق القديم على الجديد.

التصعيد العسكري في شرق جبل مرة:

لقد ذكرنا أن السلام الجزئي قد يقود إلى التصعيد العسكري في بعض المناطق، وهذا ما حدث فعلاً في شرق جبل مرة. وصف والي شمال دارفور الأستاذ محمد عربي “إن حرب شرق الجبل في محلية الملم بولاية جنوب دارفور بأنها تمثل أكبر المهددات الأمنية، وأشار إلى وصول (1500) أسرة، من بينها (1000) طفل، وأكثر من (10) أطفال غير مصحوبين بذويهم إلى دوبو العمدة لمحلية طويلة. وناشد المواطنين لإغاثة النازحين القادمين من شرق الجبل. ونوه إلى أن المهددات الأمنية تشمل استهداف مقرات اليوناميد بواسطة متفلتين إلى جانب الصراعات داخل القبيلة الواحدة والمنطقة الواحدة حول الإدارة الأهلية. وأعلن عن استلام مقر اليوناميد في كتم يوم الأربعاء 10 فبراير الجاري. وأشار إلى عدم توفر عربات إسعاف في جميع محليات الولاية. وقال إن 5 من عربات اليوناميد سيتم تحويلها إلى إسعافات”. وفي سياق متصل تم تسجيل أن قرى شرق جبل مرة تعرضت لهجمات المليشيات المسلحة منذ 24 يناير مما أدى لقتل وجرح 22 مواطناً وحرق 11 قرية، ونزوح 22 ألف مواطن.

قطاع الرحل والرعاة:

ورد في اتفاق جوبا لسلام السودان حول الرحل والرعاة ما يأتي، ففي الأحكام القومية ورد ما يلي: 14.5.1 “اتفق الطرفان على إنشاء مفوضية قومية للرعاة والرحل والمزارعين خلال 3 (ثلاثة أشهر) من تاريخ التوقيع على اتفاق السلام”. وتم النص في مسار دارفور الاتي :7.مفوضية تنمية قطاع الرحل والرعاة 7.1 “اتفق الطرفان على إنشاء مفوضية تنمية قطاع الرحل والرعاة بإقليم/ ولايات دارفور خلال 60 (ستين يوماً) من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق لتطوير وتنمية قطاع الرحل والرعاة والعمل مع السلطات المحلية والإدارة الأهلية لتنظيم حركة الرحل وفتح المسارات وتنظيم العلاقات بين المزارعين والرعاة”. ولقد مرت أكثر من خمسة أشهر ولم يتم تكوين هذه المفوضية. رغماً عن الأهمية البالغة لقضايا الرحل على المستوى القومي، فهذه المفوضية من المفترض أن تعني بقضايا الرعاة الذين يساهمون مساهمة مقدرة في الدخل القومي، في غياب شبه كامل للخدمات المقدمة لهم من قبل الحكومة. والغياب التام للمشاريع التنموية عن مناطق الرعاة، مع الأهمية النوعية لهذه المشاريع التي تخدم قطاعات ظلت مهمشة من قبل جميع الحكومات المتعاقبة، وبسبب هذا التهميش المتعمد صار ابناء تلك القطاعات من دون تعليم أكاديمي أو فني بسبب نقص المدارس والمعاهد عن مناطقهم، مع نقص حاد في الأدوات التعليمية من معلم وكتاب ومعامل، في وجود بيئة تعليمية طاردة، وأوضاع اقتصادية ضاغطة تدفع الأطفال مبكراً لترك مقاعد الدراسة والتسرب والانتقال لحمل السلاح من أجل البحث عن الرزق. قضايا الرحل ما انفكت تنقل من اتفاق لاتفاق من دون أن تكون هناك إرادة للتنفيذ، فدعونا لإثبات ذلك نعيد ما نشرناه عن الرحل وفق اتفاق الدوحة، والحوار الذي أجريناه مع الأستاذ خالد الرزيقي أمين أمانة الرحل في حركة التحرير والعدالة.

تنمية مناطق الرحل:

ورد في الجدول الزمني للتنفيذ وفق اتفاق الدوحة ما يلي: (اعتماد وتنفيذ مشروعات متكاملة لتنمية واستقرار الرحل ورفع إنتاجية هذا القطاع، وتنظيم العلاقة بين المزارعين والرعاة بما يضمن الأمن والاستقرار والتنمية للجميع). حكومة السودان، وسلطة دارفور الإقليمية، وحكومات ولايات دارفور مسؤولون عن إيجاد التمويل وتنفيذ هذه المشاريع في خلال ثلاثة أشهر من التوقيع. ولاستجلاء ما تم في هذا الخصوص، اتصلت الميدان عبر الهاتف بالأستاذ خالد الرزيقي أمين أمانة الرحل في حركة التحرير والعدالة ومدير مكتب التنسيق والمتابعة للسلطة الإقليمية في الخرطوم، وسألته عن مشاريع استقرار الرحل التي من المفترض أن يتم تنفيذها بناءً على وثيقة الدوحة؟ ابتدر الأستاذ خالد أجابته بأن التمويل وقف عائقاً أمام تنفذيها، حيث قال: (من المفترض بعد التوقيع أن تودع الحكومة مبلغ مائتي مليون دولار في صندوق إعادة الأعمار وتنمية دارفور، وبعد عام وشهرين تودع مبلغ ثلاثمائة مليون دولار أخرى، ولكن هذه المبالغ لم تدخل لحساب السلطة الإقليمية وبالتالي لم تستطيع تنفيذ مستحقات الوثيقة بما فيها مشاريع استقرار وتوطين الرحل). وأقر الرزيقي بالأهمية النوعية لهذه المشاريع التي تخدم قطاعات ظلت مهمشة من قبل جميع الحكومات المتعاقبة، حيث أوضح الرزيقي: (للرحل خصوصية تتمثل في عدم استقرارهم، فهم متحركون على الدوام، وبالتالي يحتاجون لمشاريع تضع اعتباراً لذلك، وتتخير الأماكن المناسبة لإقامة مشاريع متكاملة بها ماء ومزارع تمثل وحدات إنتاجية، والتي يتم تطويرها لقرى نموذجية أو أشباه مدن حتى يتمتع الرحل بخدمات المياه النقية والكهرباء والعلاج التي ظلوا محرومين منها ردحاً من الزمن). وفي ختام تصريحاته أوضح الرزيقي عدم تنفيذ بنود الوثيقة في ميقاتها استدعى إعادة جدولتها مؤخراً وفق جدول زمني جديد. من الواضح أن اتفاق جوبا لسلام السودان يسير الحافر بالحافر في طريق الدوحة.

خروقات اتفاق جوبا لسلام السودان:

مضى أكثر من (150) يوماً منذ تاريخ التوقيع على اتفاق جوبا لسلام السودان الذي تم في 3 أكتوبر 2020م، وكثير من بنوده حل آجلها، ومعظمها لم ينفذ أو حتى بدأ التحضير للتنفيذ، وهذا خرق واضح للاتفاقية التي نصت على أن جداول التنفيذ جزء لا يتجزأ من هذه الاتفاقية، كما أن اتفاق مسار الشرق تم تعليق تنفيذه (من دون إصدار قرار)، وهذا خرق آخر للاتفاقية. تحدث هذه الخروقات في غياب آلية مراقبة وتقييم الاتفاق التي كان من المفترض أن يتم إنشاؤها عقب التوقيع مباشرة. حيث ورد في اتفاق جوبا لسلام السودان في الباب الأول، اتفاق القضايا القومية، أ. المبادئ العامة، 21. آلية مراقبة وتقييم اتفاق السلام ما يلي: 21.1 “اتفق الطرفان على إنشاء آلية لمراقبة وتقييم اتفاق السلام وتتكون من ممثلين لأطراف الاتفاق والوسيط والضامنين وأي مكونات أخرى تتفق عليها الأطراف ويكون الإنشاء عند التوقيع على اتفاق السلام. على أن يتم توقيعها مباشرة بعد توقيع اتفاق السلام النهائي”. غياب آلية المراقبة يعكس عدم الجدية ويتجاهل أهمية مراقبة تنفيذ الاتفاق والانتباه المبكر للخروقات وتحديات التنفيذ المعروفة سلفاً، والسؤال الملح هل هذا الغياب اخفاق غير مقصود، أم أن الجميع يعلم علم اليقين أن كثير مما ورد في الاتفاقية لا يمكن تحقيقه بسبب النقص في الموارد المالية المتاحة، وما يدعونا لذلك غياب الاحتجاج من الأطراف الموقعة، وفي كل صباح جديد تفشل الاتفاقية في تنفيذ بنودها ولا باكي، فقط البكاء على المواقع والمناصب ذات الكراسي الوثيرة.

التضجر من البطء في التنفيذ:

اتفاق سلام جوبا يلازمه بطء شديد في تنفيذ بنوده، فكثير منها حلت آجالها من دون تنفيذ، وكما ذكرنا فإن عدم وجود الموارد المالية الكافية لتغطية تكاليف التنفيذ هو السبب المباشر لذلك (إذا أحسنا الظن)، مما يقود للتنفيذ الانتقائي، وبالتالي فإن كثير من البنود ستحاول حكومة الفترة الانتقالية (حتى بعد استيعاب بعض القوى الموقعة على الاتفاق في أروقة السلطة)، أن تغض الطرف عنها عندما يحل أجلها، هذا الوضع قاد بعض مكونات الطرف الثاني إلى التضجر بأشكال مختلفة فمن لديه قوات عسكرية مثل مناوي وحجر دفع ببعضها مباشرة للخرطوم، ومن ليس لديه قوات مثل مسار الوسط هدد بالمزارعين واعتبرهم قواته كما ورد في تصريح التوم هجو: “الوسط مظلوم قواتي مزارعي الجزيرة”، ومن لجأ للشكوى للأمريكان والوساطة كممثلي مسار الشرق.

من رأى ليس كمن سمع:

من جانبه قال الطاهر حجر عضو مجلس السيادة ورئيس تجمع قوى تحرير السودان في منبر وكالة السودان للأنباء يوم الأربعاء 3 مارس الجاري عقب عودته من جولة طويلة إلى ولايات دارفور إنه ليس هنالك مؤشرات لتنفيذ اتفاق السلام على أرض الواقع خاصة تشكيل الآليات وانطلاق مشروعات التنمية. وزاد إن البطء يقتل الفرحة بالاتفاق بل يجعله نسياً منسيا. وأقر حجر أن هنالك هشاشة أمنية لا سيما في مناطق النزاعات، مشيراً إلى أنه بإنفاذ الترتيبات الأمنية وتشكيل القوة الوطنية المشتركة لحماية المواطنين ستزول هذه الهشاشة الأمنية وذلك عندما تتوحد هذه القوات تحت عقيدة واحدة. وقال إن الفترة القادمة ستشهد تشكيل الإقليم وعقد مؤتمر الحكم لتحديد العلاقات الرأسية والأفقية، مؤكداً على التوافق مع أهل دارفور لإدارة الإقليم حتى يسود السلام.

الميدان

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..