ما في زول يقدر يشيلني!!ا

تراسيم
ما في زول يقدر يشيلني!!

عبدالباقي الظافر
[email protected]

سمع الرئيس السجين أصواتاً تهتف “عائد عائد يا نميري” .. استرق السمع مرة أخرى ليتأكد أنّ أذنيه مازالتا بخير.. تبيّن له صوت جلبة وضوضاء ومزمجرات عسكرية .. قفز جعفر من أعلى السور.. كان حافي القدمين يلبس جلباباً متسخاً.. لم يعرفه النّاس من أول وهلة .. أحدهم عرفه بعد أن دقق في ملامحه.. حملوه على الأعناق بعد أن استبدل ملابسه المدنية مع أحد الجنود.. عاد جعفر نميري بأمر الشعب في يوليو 1971م.
قبل ذلك ذهب الضابط جعفر نميري قائداً إلى منطقة توريت إبّان الحرب الأهلية الأولى.. وجد المقدم جعفر نميري أنّ الأعراف تجعل صغار الضباط يذهبون إلى الميدان.. كبار القادة يكتفون بالأعمال الإدارية بعيداً عن لظى الحرب.. أول قرار اتّخذه القائد الجديد أن جعل نفسه على أول طوف خرج لملاقاة العدو.
ذات الضابط الشجاع بدأت السلطة تغيره.. في أول تغيير وزاري كبير بعد أن تمكّن نميري من الأمر أبعد القاضي بابكر عوض الله الوجه المدني المحترم من رئاسة مجلس الوزراء.. لم يبحث نميري عن رجل آخر بل جمع بين رئاسته للمجلس العسكري ومجلس الوزراء.. رجال حول الرئيس أصبحوا ينعتونه بالقائد الملهم.. شعراء دبجوا الأناشيد التي تمجد فارسنا وحارسنا.. شعبنا مسكين بدأ يهتف في المسيرات أبوكم مين؟.
النتيجة أصبح الرئيس فظّاً غليظ القلب.. بعد أحداث انقلاب يوليو الفاشل نصب نميري (الدروة) العسكرية لرفاقه السابقين.. أعدم المنقلبين عليه بدون محاكمات عادلة.. ثمّ أطلق العنان لرجال الأمن ليعيثوا في الأرض فساداً.. بات من يقول لا للرئيس القائد مجرد خائن لا يستحق شرف المواطنة .
ثم بدأ نميري يستدير من الشمال إلى اليمين.. كل البلاد تتبعه.. أليس هو رئيسنا الأعلى.. الرئيس الذي كان يحتفي بشلة الأنس ليلاً ويمارس الرياضة أطراف النهار.. تحوّل إلى إمام يحمل عصا سحرية.. بات يقيل وزراءه في نشرة الساعة (تلاتة) بدون سابق إخطار.. بلغ به الأمر أن وضع صورته البهيّة في عملتنا الوطنية .
طغى الرئيس وتجبّر.. طلب كبار قادة القوات المسلحة بمن فيهم نائبه الفريق عبد الماجد حامد خليل اجتماع مصارحة مع القائد الأعلى.. حدّثوه عن الفساد الذي عمّ البر والبحر.. انفض الاجتماع الشهير بهدوء.. قبل أن يصل القادة إلى بيوتهم أصبحوا بقرار من الرئيس مجرد ضباط في المعاش .
تطاول أمير المؤمنين على الشعب.. استصغر سعادة المشير المظاهرات التي خرجت في أواخر مارس 1985 تبتغي جمعية (ود نميري) الخيرية التي ينشط فيها شقيق الرئيس.. مضى المشير إلى رحلة استشفاء خارجية.. قال الرئيس القائد تصريحه الأشهر “ما في زول يقدر يشيلني “.
عندما وصل مطار القاهرة ليدرك عرشه كان ذلك متأخراً جداً.. رجال المراسم سحبوا البساط الأحمر من تحت أقدام جلالة المشير.. ظنّ النميري أنّ التاريخ سيعيد نفسه، وطلب من قائد طائرته أن يبحث عن مطار آخر غير الخرطوم.. حسب المشير أنّ الشعب في انتظاره ليحمله مرة أخرى على الأعناق .
ما أشبه الليلة بالبارحة.. دائماً المشكلة في رجال حول الرئيس .