الضرب فى المدراس (ليكم اللحم ولينا العظم )

بعد صدور قانون الطفل لعام 2010 وجهت وزارة التربية والتعليم بمنع الضرب فى مؤسساتها التعليمية امتثالا للقانون .التوجيه لقى الكثير من تباين فى الاراء وسط قبيلة المعلمين مابين مؤيد ومعارض لكن الحقيقة الماثلة في المدارس تؤكد أن الجانيين المؤيد والمعارض يضربون بالتوجيه عرض الحائط كما يضربون التلميذ والطلاب ..قد ينصاع بعض أولياء الأمور لفكرة ضرب أطفالهم بغية التأديب والتعليم.. لكن ماهو الضابط فى نوعية الضرب ان سلمنا جدلا بضرورة وجوده؟
كثير من حالات الضرب المبرح التى تتسبب فى الأذى لبعض الطلاب والتلاميذ انتهى بها الحال بمحكمة الطفل وأخرى انتهى بها الحال لتسويات داخل المدارس بعد تراضى الطرفين على تناسى الأمر والعفو والعافية.. قانون الطفل بحاجة ليدرس فى المدارس ليعرف الطلا ب والتلاميذ ما بهم وما عليهم وان يتلقى المعلمون دورات علمية تمكنهم من ضبط أنفسهم
تحقيق : زينب أحمد
خرج الطالب (م.هـ.م) من منزله متجها لمدرسته بالكلاكلة اللفة يملأه التفاؤل بصباح جديد ..ربما لم يدر بخلده ان ينتهى يومه بهذه الطريقة المؤلمة فبعد دقائق من وصوله لمدرسته مدرسة الكلاكة الجديدة الثانوية الحكومية وخلال وجوده بالطابور الصباحى وكعادات الطلاب مع بعضهم البعض تزاحم ورفيق له على المكان.. لاحظ المعلم (ع.ع) ذلك فقام بضرب الطالبين لكنه زاد فى حدة الضرب على (م.هـ.م)حتى تسبب فى كسر أصبعه الخنصر فى يده اليمنى ما لبث ان تورمت الأصبع وزاد الألم على الطالب للدرجة التي جعلت ذاك المعلم الذى ضربه يحرر له أورنيكا مرضيا ويسمح له بمغادرة المدرسة لتلقى العلاج ذهب الطالب لوحده وهو يجاهد الألم حتى وصوله للبيت ..لم يصدق والده ان لمثل هذا السبب يضرب الاستاذ طفله ذا الثلاثة عشر عاما لهذا الحد.. حاول تقصى الحقيقة قبل أن يلقى باللوم على المعلم ،فربما كان خطأ ابنه فادحا للدرجة التى جعلت المعلم يتخلى عن مكانته السامية كمعلم ومربٍ.. خرج الأب وفى ذهنه الكثير من الاحتمالات يقول والد الطفل (هـ.م) تفاجأت عند وصولي حيث موقع المدرسة مستفسرا بعدم وجود مدير المدرسة الذى ترك باب مكتبه مغلقا خلال اليوم الدرسى عدت أدراجى إلى حيث مكتب وكيل المدرسة لكن للأسف لم يكن هو الاخر موجودا بمكتبه واضاف بقوله أخذت طفلي للمعلم الذى قام بضربه عسى ولعلى أجد مايشفى تساؤلاتي وليتنى لم التق به. لم ينف ماقام به من ضرب الطفل لكنه في ذات الوقت بسط الأمر للدرجة التي جعلتنى أشك فى عدم إصابة يد ابنى بل ذهب فى تصرفاته لدرجة من اللا مبالاة جعلته لا يعتذر عن سلوكه الذي بدر منه ..خرجت من المدرسة فورا إلى قسم شرطة الكلاكلة لاستخراج اورنيك (8) ومن ثم ذهبت به للمستشفى التركى لتلقى العلاج.. جاء التقرير الطبى بوجود كسر فى الأصبع الخنصر باليد اليمنى وأوصى بعمل جبيرة لأصبعه مع راحة تامة لمدة (24) ساعة على أن يعود لمقابلة الطبيب الاختصاصى في اليوم التالي .
الضرب حتى الموت
في إحدى مدارس الولاية الشمالية بمحلية دنقلا العجوز تلقى أحد تلاميذ مرحلة الأساس ضربات موجعه من معلمته ،إحداها كانت على رأسه تسببت له في الأذى الجسيم للدرجة التي أفقدته نعمة البصر أولا قبل ان يتوفى فيما بعد جراء ذات الضربة .. كللت كل مساعى اسرته لعلاجه بولاية بالفشل لقلة الامكانيات ..هنالك قرر والده ان ينتقل به للخرطوم عسى ولعل يفلح الأطباء في علاج حالته التى بدات تتأخر وأن تعيد له ولو بصيصا من البصر ،إلا أن القدر وقف حائلا دون ذلك حيث لقى والده حتفه قبل أن يصل به للخرطوم بمنطقة الدبة إثر انقلاب العربة البوكس التى كانت تقلهم فعاد الطفل، بعد أن أنقذته العناية الإلهية لموت محقق مع من نجى ، أدراجه لقريته المقاودة حيث لفظ انفاسه بعد فترة من الزمن ..دفن الطفل ودفنت معه القضية وكأن شيئا ما لم يحدث فالجميع هنا تربطهم صلات القربى والرحم وتحت ستار: الميت حقنا والقاتل حقنا ضاع حقه بالتأكيد لم تكن قصته هي الأولى وكذلك حتما لن تكن هى الاخيرة طالما ان القوانين تبقى حبيسة الأسطر فى كتب القانون .
الوزارة تمنع
للاسف هنالك كثير من المعلمين يتخذ من الضرب وسيلة، متجاهلين قانون الطفل لعام 2010 ووزارة التربية التى منعت الضرب فى المؤسسة التعليمية بهذ الكلمات بدأت الدكتورة إخلاص عباس وحدة الإرشاد النفسي بوزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم حديثها واتبعت ليس الضرب فقط بل حتى الإساءة اللفظية ممنوعة ودايما ما نحثّ المعلمين على اتباع أساليب بديلة خلال الدورات التدريبية التى نعقدها من حين لآخر فى هذا الشأن ومنها تجاهل المعلم للطالب او التلميذ كذلك أن يظهر المعلم حزنه من التصرف الذي سلكه الطالب والحزن والتجاهل من الأساليب البديلة التى لها أثر فعال وغيرها الكثير من الأساليب، وأضافت إخلاص عباس بقولها ضرب الطالب أو التلميذ وسط زملائه أو فى طابور له أثر نفسي سالب عليه قد ينتج عنه الإحساس بالضعف ويؤدى لنوع من التسرب لذلك قد يلجأ بعض الطلاب الذين تأخروا عن حضور الطابور الصباحى لتفادى الدخول لمدارسهم خوفا من الضرب وكثيرا ما نلاحظ كإدارة تابعة للوزارة من مهام رصد مثل هذا السلوك خلال زيارتنا للمدارس أن معظم المعلمين يحملون فى أيديهم السياط وغالبها من نوع ( الخراطيش السود) ونحذر المعلمين من استخدامها ونقوم بجمعها منهم وأضافت عباس للأسف الشديد داخل المؤسسات التعليمية نجد السوط دائما فى يد المعلم رغم التحذيرات المتكررة لكن لا حياة لمن تنادى ، وترفض الوزارة الضرب وخاصة الضرب المبرح ومعلوم أن الضرب وسيلة ترهيب وليست بأي حال من الاحوال وسيلة ترغيب بل لا نتوقف على الإطلاق من حث المعلمين على عدم اتباع أسلوب الضرب لعدم جدوى الضرب أولا وثانيا خوفا من أن يفقد المعلم هيبته خاصة وان هنالك جهات تنصف الطفل الذي أصبح يعرف تماما حقوقه وواجباته ومن حق التلميذ أو الطالب اللجوء للجهات القانونية وشرطة حماية الطفل وظهور المعلم امام المحاكم ليس بالشيء الجميل على الإطلاق
وأضافت اخلاص عباس حال أن ثبت للوزارة تعرض أي من الطلاب والتلاميذ في أي من المؤسسات التعليمية فان الوزارة تقوم بمساءلته واتخاذ الاجراءت اللازمة وذلك من خلال اللجان التى تكون عبر المحلية التابع لها المعلم
القانون يمنع
ينص قانون الطفل لسنة 2010 في الفصل الخامس منه على تحريم الضرب في المدارس المادة (29) في البند الاول تقول لايجوز توقيع أي من الجزاءات التالية على الاطفال بالمدارس على التوالي: العقوبات القاسية , التوبيخ بالألفاظ المهينة للكرامة , الحرمان من حضور الحصة ما لم يتسبب حضور الطالب في عرقلة سير الدراسة , الطرد من المدرسة أثناء الدراسة على أن تحدد وزارة التربية والتعليم العام الجزاءات المناسبة لكل من يخالف أحكام البند (1) بموجب اللوائح التى تصدرها في هذا الشأن .وتنص المادة (16) من اتفاقية حقوق الطفل للأمم المتحدة كذلك تقول لا يجوز أن يجرى أي تعرض تعسفي او غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولأي مساس غير قانوني بسمعته أو بشرفه
لابد منه
يرى الاستاذ ياسين عبد الكريم أن الضرب ضرورة لابد منها لكنه عاد وقال لكن لابد من ضبط النفس خاصة أن بنية الطلاب والتلاميذ ضعيفة لا تحتمل الضرب وخوفا من ردة الفعل الناتجة عن لجوء الطفل لمحكمة الطفل ، والضرب ضرورى لمصلحة الطالب لان ترك الحبل على الغارب يتسبب في الإهمال واللا مبالاة من جانب الطالب ، ولابد من وجود الضرب لحث الطالب على مراجعة دروسه والتوقف عن الضرب يجعل الباب مفتوحا أمام التلاميذ والطلاب لسلوك طرق وعرة.. نحن ومن خلال عملنا نلحظ الكثير من السلوكيات المشينة التى يقوم بها الطلاب والتلاميذ و من المستحيل معالجتها بدون الضرب على سبيل المثال عدم انصياع التلاميذ فى المراحل المتأخرة في مدارس الأساس والثانوي من ذوي الاحجام الكبيرة لتوجيهات المعلمين الجدد بالإضافة لنظرة الاستعلاء التى يلمحون بها معلميهم و سخريتهم وتهكمهم على المعلمات
وأضاف ياسين عبد الكريم بقوله كثير مايجبر سلوك بعض الطلاب والتلاميذ المعلم على الخروج من طوره واتباع طريقة لا تشبه سلوكه كرد فعل طبيعى ..نحن فى المدارس ننصح المعلمين الجدد بعدم اتخاذ أي قرار بشأن الطالب وترك ذلك ليوم الثانى او تحويله لأي معلم آخر ليحدد الطريقة المناسبة لمعاقبته
ثواب وعقاب
الموجه التربوي بمحلية أمبدة محمد إبراهيم علي ابتدر حديثه بقوله العملية التعليمية لابد أن يتوفر فيه الثواب والعقاب فلا بد من وجود السلبيات وكذلك الإيجابيات والضرب واحد من أشكال العقاب المتبعة فى المجتمع وواحدة من موروثاته وممارس من قبل الأم والأب حتى فى الخلوة وأضاف محمد إبراهيم الاشكالية فى نوعية العقاب التربوي بمعنى ألا يتسبب الضرب في نوع من الألم التجريح أو الإساءة وان يكون الضرب نفسه آخر الطرق المتبعة للعقاب بعد فشل كل المحاولات والمجهودات فى تقويم سلوك التلميذ والطالب ،ولا يتبع الضرب فى الجوانب الأكاديمية على الإطلاق وإنما الجوانب السلوكية وتابع إبراهيم بقوله : لكن هذا يكون وفقا للضوابط :أولا أن لايقوم المعلم بضرب التلميذ او الطلاب وهو فى قمة الغضب ثانيا نوعية السوط المستخدم فى الضرب لايكون من ذلك النوع الذي قد يلحق الضرر بالطالب
وأضاف الضرب وسيلة عقابية موجودة يصعب التخلي عنها ما لم تتطور البيئة المدرسية لاكتظاظ الفصول للدرجة التي تجعل المعلم يفقد السيطرة على الطلاب وبالتالى يفقد أعصابه ،إلى جانب انعدام الميادين والمكتبات والفصول المهيأة للطلاب واكتظاظها يشعر الطلاب بأن مدرسته مكان غير مناسب لوجوده فيه نصف يومه بالإضافة لتدهور النظم التعليمية (السلم التعليمي ,المناهج ) هذا إلى جانب الضغوط الاقتصادية على المعلم وختم الموجه محمد ابراهيم علي بقوله عموما يمكن التقليل من الضرب لكن من الصعب جدا التخلي عنه كلية بالإضافة إلى أن اتباع بعض الأساليب العقابية دون دراسة قد تؤدى لسلوك عكسي، مثل ان تجبر الطالب على كتابة عدد من الصفحات نتيجة لأخطائه فبذلك يكون المعلم حول القيمة الإيجابية للكتابة لقيمة سلبية وهي العقاب
خرج ولم يعد
كثير من التلاميذ فارقوا مدارسهم في وقت مبكر من عمرهم خشية الضرب وربما الخوف من معلم بعينه جعلهم يفضلون التسكع خارج أسوار المدرسة بدلا عن البقاء داخلها يقتلهم الخوف ..يندم الكثير منهم فيما بعد على تركه لمدرسة وهو يطالع بعين الاعجاب رفقاء درسته لكنه حتما وإن بقى تحت ذلك التهديد المستمر لربما تأثر ببعض الاضطرابات النفسية أو نوع من الخوف بقية عمره ..إذا فى كلتا الحالتين فإن الطالب أو التلميذ هو الضائع
التيار