مقالات سياسية

الوقت ليس مناسباً لإنهاء التعامل بالكاش

شهد العالم خلال العقود الماضية عملية انتقال سريعة من الاقتصاد النقدي إلى الاقتصاد غير النقدي بفضل التكنولوجيا، وشهد الدفع نقداً (الكاش) تطوّراً مسانداً، ولم يعد الناس يحتاجون إليه لإنجاز تعاملاتهم إلا في إطار ضيق، وأصبحت كل التعاملات تتم إلكترونياً بكل سهولة ويسر، وكل هذا يشكّل جزءاً أساسياً من نموذج أعمال الاقتصاد التشاركي، أو اقتصاد الطلب الذي أنتجه التطوّر التكنولوجي الرقمي ضمن مظلة ما يسمى ?باقتصاد المعرفة?. وفي السودان (يدوبك) الحكومة بتستعد لتنفيذ الفكرة مع بداية العام 2019.
للمرة المائة جددت الحكومة التزامها بإنهاء سداد قيمة الخدمات الحكومية عبر الطريقة التقليدية (الكاش)، وسيبدأ السداد عبر نظام الدفع الإلكتروني اعتباراً من أول العام المقبل، وقالت إنها تقوم الآن بالترتيبات اللازمة لتنفيذ التزامها بهدف استكمال متطلبات تقديم الخدمات الإلكترونية وإنهاء السداد بالكاش، والآن يتم التوافق على أهمية توفير المحفزات اللازمة لنشر نقاط البيع الإلكتروني في مؤسسات الدولة والمؤسسات التجارية، بما يسهم في تجاوز مشكلة شح السيولة ويضمن إدخال الأموال داخل المنظومة المصرفية وتأمين أموال المواطن، وتسهيل معاملاته المالية عبر الأنظمة التقنية وتيسير التحويلات المالية بصورة مباشرة، عبر أنظمة الدفع الإلكتروني المتاحة .
طبعاً من الآن نبشر الحكومة بالفشل الذريع لعدة أسباب، أولاً هي لم تستعد الاستعداد الكافي، وما زالت تعاني من مشكلة في الانترنت ومشكلة في الكهرباء، وتنعدم البنية التحتية المطلوبة لنجاح هذا المشروع ولم تهيء المواطنين بعد ولم تكسب ثقتهم. ونجاح الفكرة له علاقة قوية بالمعرفة والوعي والثقة المتبادلة بين الحكومة والمواطنين، وما زال في السودان هناك 9 ملايين أمي لا يفكون الخط، ومثلهم لا يملكون وعياً ومعرفة تذكر بهذا الشأن، هذا غير أن كل الشعب لا يثق في أن الحكومة تقدم هذه الخدمة من أجله، خاصة وأنها ربطتها بشح السيولة وإدخال الأموال داخل المنظومة المصرفية، وتأمين أموال المواطن الذي أصبح يعاني من فوبيا التعامل (بغير الكاش)، وكما يقول المثل (ملدوغ الدبيب بخاف من مجر الحبل). وستفاجأ الحكومة بالرفض الجماعي لفكرتها وتمسك الناس بالكاش .
لا نقول إن على الحكومة أن تتخلى عن الفكرة، ولكن يجب أن تقوم بعملية إصلاح واسعة للاقتصاد والدولة وتصرف على المواطنين بسخاء، وتفتح لهم أبواب الرزق الشريف وتعمل على بناء جسور الثقة التي هدمتها وتوفر السيولة حتى يقتنع المواطنون أنها لن تجف، وتضمن استقرار الانترنت والكهرباء وكفاءة المؤسسات وترفع الوعي والمعرفة بالتكنولوجيا. يعني باختصار تشتغل في المواطنين حتى يصلوا مرحلة يلجأون من تلقاء أنفسهم وعن قناعة للاستغناء عن الكاش، مثلما حدث في كل العالم، ولكن أن تسوقهم الحكومة سوقاً إلى ما تريد فحتماً ستكون النتيجة عكسية لا محالة. نقول هذا للحكومة ونعلم أنها ستفعل ما تريد فهي دائماً تعد المشاريع بما يضمن لها الفشل، وتنفذها في شكل حملات انتقامية ترهق المواطن الذي يدفع الثمن غالياً.
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..