أخيراً السنهوري حراً كما ينبغي

أحمد موسى قريعي
أهوى بلادي و الهوى ينسي المحبين الجروح
أبني الشباب الثائرين ليرفعوا شم الصروح
وأقودهم ليهيئوا للناس و للكون الفسيح
ما ظل يعمل كي يعم الكون أحمد و المسيح (النص للشاعر السوداني عبد الرحيم أبوذكرى)
أخيرا خرج السنهوري من معتقل “جبناء الإنقاذ” حرا كما ينبغي، بعد أن دفع عن طيب خاطر ضريبة حبه لوطنه وشعبه وأمته العربية، وإيمانه الكامل، وتمسكه المطلق بخط الإنتفاضة الشعبية السلمية كحل وخيار أوحد لإسقاط نظام الجبهة الإسلامية الحاكم في السودان منذ 30 يونيو من عام 1989.
خرج علي الريح السنهوري الأمين العام المساعد للقيادة القومية – أمين سر قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الإشتراكي (الأصل) – بعد فترة اعتقال امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر، فقد دخل المعتقل بعد أن خرج متقدما موكب يوم 25 ديسمبر2018، كأول موكب يعبر عن تطلعات أهل السودان في الحرية والعدالة والكرامة – فقد خرج السنهوري بنفسه ليلقي درسا عمليا لجماهير الشعب السوداني المتحفزة والمتعطشة للتغيير، فخلق خروجه تجاوبا عميقا أيقظ في تجمع المهنيين والشعب السوداني روح الإقدام والاستمرارية، لأن ما قام به يعتبر خطوات عملية في دعم انتفاضة 19 ديسمبر 2018 التي تدعو إلى إسقاط نظام الإنقاذ المشؤم والذي هو بالاساس خط حزب البعث منذ ثورة اكتوبر 1964، وإنتفاضة رجب – أبريل 1985 التي أسقطت نظام الدكتاتور نميري.
فكانت نتيجة هذه المشاركة أن تم اعتقاله من داخل “موكب المهنيين” كأول زعيم حزبي في تاريخ السودان يتم اعتقاله من داخل مسيرة احتجاجية. فقد أعطت مشاركته الدافع المعنوي لبقية مواكب الثورة اللاحقة أن تستمر وتتجدد.
لقد أثبت السنهوري أن نضاله ودفاعه المستميت عن خط الإنتفاضة كطريق وحيد لإسقاط النظام وتصفية منهجه ومرتكزاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لم يكن مجرد خطبا جوفاء فارغة لا مضمون لها، أو مجرد أقوال يرددها هنا وهناك وإنما كانت أفعالا تسير على خطى واثقة ضد دولة الإتقاذ العسكرية البوليسية في السودان، متمتعا بروح نضالية صلبة وعنيدة مازالت تحركه حتى الآن على الرغم من تقدم سنه.
لقد ألقى القدر في قلبه منذ “مولده” بذرة من الخير إنها بذرة الإيمان بحب السودان التي لامست نفسه وعقله وتجسدت في أخلاقه وسلوكه، ومنحته أدوات الانقلاب الأمينة الوفية، فانقلب على ذاته وروحه في وقت مبكر، الأمر الذي ساعده فيما بعد على اجتياز طريق النضال الطويل. لذلك كان طبيعيا أن يكون السنهوري وطنيا مخلصا ووفيا ومتجانسا ومتفاعلا مع قضايا وطنه وأمته العربية، لأن واجب النضال يحتم عليه ذلك.
فقد عاش السنهوري حياته كلها لا يعرف الحقد أوالغدر أوالخيانة أوالارتزاق أوالعمالة أوالتملق أوالتلوين والتلون أوالاصطناع والتصنع أوالزيف والتزييف. بل يعرف ويقدس ويجسد فقط صفات البعثي المؤمن بوطنه وشعبه ومشروعه النهضوي، من غير أن يحيد عنه أو يتراخى، رافضا لكافة أشكال المساومة والحلول المزيفة التي يطرحها “نظام الإنقاذ” بأشكال مختلفة ومتكررة. فلقد أخذ السنهوري من البعث عزمه وحزمه وإقدامه وعطائه واستبساله وفدائه وحميته وفروسيته وصدقه وإخلاصه وأمانته، وإيثاره ومحبته وتسامحه. لانه يعلم ويدرك ألا مكان للتردد والتراجع والتقهقر عن خط الثورة وإرادة الشعب، حتى شهد السودان كله على صدق نضاله والتزامه بقضايا الجماهير، فهو لم يخن ولم يُبدل ولم يساوم ولن يفعلها وإن مات داخل “معتقلات الكيزان”.
وأخيرا ينبغي أن نعلم أن لحزب البعث الدور الأكبر، والنصيب الأوفر، في الإنتفاضة الشعبية التي تزلزل أركان النظام الآن في السودان، فهو الذي تمسك بها حين كفر بها الأخرون، وخرجوا لينتظموا في سلك “تجمع القاهرة – أسمرا” حاملين السلاح والبارود والنار لإسقاط النظام، تاركين البعث وحده في طليعة الجماهير المنادية بإسقاط النظام عن طريق الإنتفاضة سلاح الشعب المجرب. فقد قام البعث بدوره كاملا، فعمل على تهيئة وإعداد وتنظيم الشارع إلى أن وصل إلى حملة (اعرف حقك) التى كانت سببا مباشرا في اندلاع “هبة سبمتبر2013” فقد نزل البعث في هذه الحملة إلى أماكن تجمعات الشعب في الطرقات والجامعات والمدارس والمساجد والكنائس والأسواق والمواصلات العامة والبيوت لإجراء مناقشات وحوارات مع “الناس والشارع” وذلك لإيمانه بأن مشكلة السودان لا تحل بإسقاط “نظام الإنقاذ” فحسب بل لابد من تغيير جذري لواقع السودان القائم عن طريق شعب السودان وقواه الحية حيث قدم في تلك الحملة نضالات وتضحيات طالت “25” من أعضائه بالإعتقالات والقمع والمحاكمة والسجن والجلد والغرامة مثلما طالت أمين سره في أنتفاضة ديسمبر2018.