بعد إغلاق السوق المركزي الخرطوم: الخضروات والفواكه.. أرضاً سلاح

اتهم تجار السوق المركزي سلطات محلية الخرطوم بالكذب عليهم وأخطروهم بأنه سيتم إغلاق السوق لمدة يوم بغرض عمليات النظافة ، وصدقت المحلية في وعدها في اليوم الأول وأجرت عمليات نظافة شاملة للسوق وسمحت للتجار بالدخول ،واطمأن التجار لذلك إلا أنها عادت وأخلفت وعدها في اليوم الثاني، حيث تم إغلاق السوق لذات الغرض إلا أنه لم يفتح مرة أخرى إلا بعد شهر وفقاً لقرار معتمد محلية الخرطوم .ويخطط المعتمد للاستعانة بشركة تركية لبناء جملونات بطابقين داخل السوق المركزي . كانت المفاجأة التي ألجمت ألسنة تجار السوق أن دكاكينهم التي لم يمضِ على استلامهم لها أقل من عامين داخل السوق جرفتها الجرافات و»أتت بعاليها واطيها» تحت حماية القوات النظامية. الغرفة التجارية بالسوق المركزي تتطالب قيادة الدولة بإنقاذ التجار من صراع المعتمدين ، وأن هذا التكسير يعتبر الخامس فكل معتمد يطبق نظرية خاصة به ، ولم تتم مشاورة التجار في امر التنظيم الا في عهد المعتمد السابق حيث جلس مع التجار وكتب عقودات الدخول والخروج من السوق بعقد موثق بين الطرفين بواسطة مستشار قانوني وبشراكة مناصفة في التشييد بالتراضي .فيما توجد بالعقد فقرة تشير الى إمكانية تسلم التجار لشهادة بحث ، وكانت المحلية قد تحصلت على رسوم تخصيص القطعة للتاجر.
تحقيق : عماد حسن
الحجز بالسرير:
ووفقاً لمعلومات تحصلت عليها (آخر لحظة ) أكدت أن تكلفة إنشاء السوق المركزي قبل عامين فاقت الـ(20) مليار جنيه ، في وقت تهد فيه جرافات محلية الخرطوم ما يقارب الـ(450) دكاناً . وبررت محلية الخرطوم عملية إبادتها الجماعية للسوق المركزي لتراكم النفايات وبعض الأخطاء الهندسية بالسوق دفعت المحلية لإتخاذ ذلك القرار .فيما لم تتخذ المحلية اي خطوة لتنظيم السوق ما بعد الإزالة ، ولم تضع خطة تضع على اساسها التجار وبضاعتهم في مكان يليق باوضاع بيئية جيدة ،وكشفت جولة لـ(آخر لحظة ) خارج السوق عقب الإغلاق عن تشاجر التجار على المكان ،فإضطروا الى وضع تدتبير ليحفظ كل منهم مكانه بوضع (شخص على سرير) يقضي فيه ليلته في إنتظار العربات المحملة بالخضر والفاكهة .
نمر يُلام:
وجد القرار رفضاً قاطعاً من التجار والمواطنين والذي تسبب في إيقاف عدد من التجار والعمال عن العمل وحرم المستهلكين من تقديم الخدمة التي يقدمها السوق. في السابق وصف خبراء اقتصاديون الخطوة لتعزيز الرأسمالية الطفيلية والتي جزء منها التضييق على الفقراء ،أمس واصلت محلية الخرطوم تكسير السوق بواسطة حماية قوات الشرطة والجهات الأمنية وسط توجس المواطنين وتخوفهم من المصير المجهول وانتشار السرقة الأمر الذي أدى لخروج مجموعة من التجار بعد تعرضهم الى خسائر فادحة وتلف بعضها وحملوا المعتمد السابق نمر مسؤولية اغلاق والأخطاء الهندسية السابق .
فيما تعرض التاجر الرشيد إدريس إلى خسائر فادحة جراء قرارالاخير ادى إلى نفور الزبائن وتعرض بضائعهم الى اشعة الشمس اضافة الى تلف الفاكهة ونشوب بعض المشاكل بين التجار بسبب اماكن عرض البضاعة واستبعد ايفاء المحلية بوعدها بفتح السوق خلال شهر ودللا لان يجري عملية التكسيروبطء في عملية النظافة والخدمات مقابل الر سوم التي تدفع حمل الاخطاء التي تحدث بالسوق للمعتمد السابق ولجنة تطوير السوق وبعض الاماكن تم تصديقها من قبل اللجنة ادت الي اغلاق الطرق الداخلية. .
خسائر فادحة:
تفاجأ التاجر كمال مصطفى بقرار الإغلاق بسبب النظافة لمدة (24) ساعة وصباح الغد تفاجأ بوجود كم هائل من الشرطة تحاصر السوق و تعترض التجار وتأخذ بضاعتهم وذكر بأن هنالك مشاكل بين التجار يومياً نتيجة تعدي البعض على أماكنهم وشكى من ضيق في المكان الذي تم تحديده من قبل سلطات المحلية وهو فرش الخضروات أرضاً من الناحية الجنوبية للسوق المركزي ،وأشار إلى انخفاض في سعر صفيحة الطماطم من (150إلى 60) جنيهاً وأن الطماطم لا تحتمل أكثر من فترة 24ساعة فقط بعدها لاتصلح إلا كصلصة وتراجع القوة الشرائية إلى (50%) خلال ثلاثة أيام بالرغم من دفع (240) جنيهاً شهريا كرسوم نفايات ،فيما تحاصرنا اكوام النفايات من كل الإتجاهات ،واستبعد اعادتهم داخل السوق خلال شهر ، ويروي أنه في السابق تم إخراجنا من السوق لمدة (6)شهور إلا انها امتدت لست سنوات. .
وأثناء إغلاق السوق المركزي تم تكسير دكاني الذي شيدته قبل سنتين بتكلفة (33)ألف جنيه، وأضاف تراجع دخلي اليومي من (3) آلاف الى (700)جنيه ويقول إنه اكتفى بدعوة المظلوم .
بلهجة حادة تحدث إلى (آخرلحظة ) التاجر ادم فضل وتكبد خسائر، (20) ألف جنيه منذ اغلاق السوق المركزي خلال اسبوع واحد فقط وتكسير دكانه داخل السوق (35) الف جنيه، اضافة الى ازدحام السوق بالبهارات والتوابل ومضايقة من أصحاب الدفارات عند الصباح الباكرودفع رسوم وجبايات يومية على الخضروات والفاكهة وطالب بتحديد اماكن محددة لكل التاجر وزيادة مساحة المخصصة لفرش الخضروات ارضا. فيما إستنكر هذا قرار الذي يضعف الانتاج ويفترض أن تهتم الدولة بمعاش الناس ومسؤوليتها تحسين اوضاعهم ، مجموعة من التاجر تركوا العمل ذهبوا الي اعمال هامشية مناشدين الجهات بإستعجال في إجراءات التأهيل وفتح السوق في الزمن المحدد بعد الشهر .
ويقول أحد موردي الخضر والفاكهة الطاهر الشيخ تعرض الفاكهة والخضروات الى اشعة الشمس امر يؤدي الى تلفها لافتا الى أن الموقع الحالي غير مطابق الي الاشتراطات الصحية والبيئة،ودفع مبلغ (5)الف جنيه لتسليم محل تجاري حتي الان في انتظارالوعود،منتقدا انتشار السرقة في السوق وانعدم الامن .
تحدث المواطن محمد احمد الرغم من اغلاق السوق المركزي غير أن الاسعار ظلت متفاوتة وفي حالة تذبذب مستمر شاكيا من الازدحام في السوق وبسبب خروج التجار والفريشة من اماكنهم ،حيث المتضرر الاول هوالمواطن ،أن القرار ادى الى انعدم بعض السلع في السوق .
العم عثمان الطيب بدأ مستاء وهو يقول (اعمل تاجر بصل منذ زمن سوق الخرطوم في العام 1977 م حتي تاريخه لا املك مكان ثابت )ويتهم المحلية بالكذب عليهم بانها ستقوم بإغلاق السوق لمدة (24) ساعة فقط لاغراض النظافة وتفاجأنا بإغلاق السوق لمدة شهر كامل ،بسبب الإغلاق وتشريد التجار تكبدت خسائر تقدر بـ(40) الف جنية ولدي الالتزمات من مصروفات الاسرة وابناء في الجامعات، متسائلا :لا ندري كيف نغطي هذه المنصرفات ؟ موجها سهام إتهامه لبعض الجهات بتحصيل بعض الرسوم غير القانونية بدون ايصالات و مصادرة السلع ليلا عند الساعة الثانية صباحا.
صفقات تحت الترابيز
انتقد الخبير اقتصادي كمال كرار قرار محلية الخرطوم باغلاق السوق المركزي الخرطوم الذي يؤثرعلي اصحاب الدخل المحدود والفقراء والمساكين وتاجر القطاعي بسبب تحقيق أغراض الرأسمالية الطفيلية وهي جزء من خطة قصد بها ابعاد المنافسين والتضييق عليهم وعلي صغار التاجر حتي الذين يعملون في الاعمال هامشية والهدف منها استيلاء على امكان الذين يعرضون فيها بضائعهم وطرحها في عطاءات استثمارية للحصول على مزيدا من الاموال التي تصب في جيوب اشخاص واشار كرار الى ان عملية اغلاق السوق بحجة تصحيح الاوضاع والنظافة والتخطيط وازالة المخالفات وغيرها من الاسباب الفاسدة وغير منطقية وغير مقبولة موضحا أن السوق يقدم السلع بسعر مناسبة في متناول اليد .هذا الاجراء سوف يؤثر على المواطن البسيط وان الخطوة تزيد معدلات التضخم وتضعف من القوة الشرائية للعملة الوطنية في الوقت الذي تشهد فيه البلاد وضع اقتصادي مزري الامر الذي ادى الى ارتفاع نسبة الواردات ويسبب العجز في الميزان التجاري مع زيادة الطلب علي الخضروات والفاكهة في الوقت الذي حظرت فيه الدولة استيراد الفاكهة المصرية ،ونوه كرار الى اضرار اقتصادية التي يتوقع أن تؤدي الى ارتفاع نسبة البطالة وسط المجتمع والقوة المنتجة ويؤثر علي الطلب الكلي ،ويدفع المواطنين الى اعمال الهامشية ،ومن المؤكد ظهور عملية فساد وصفقات تتم تحت (الترابيز ).
ووصف كرار الجهات التي اصدرت القرار بانها جهة غير مسؤولة وغير منحازة الى المواطن متوقعا أن يؤثر القرار على الشرائح الضعيفة بما انهم لا يملكون ادوات مقاومة غير الثورات ضد النظام .وفيما يتعلق بفقدان المحلية لايردات والرسوم والضرائب التي كانت مفروضة علي التجار قال إن الايردات التي تتحصل عليها المحلية تذهب امتيازات ومرتبات و الى الحرب ،ومن اجل المصلحة الشخصية يصدر المسؤولين مثل هذه القرارات التعسفية .
قرار صائب :
وأرجع الخبير الاقتصادي بروفسير الكندي يوسف قرار إغلاق السوق المركزي في إطار التحديث والمواكبة للأسواق العالمية ،في ظل انتشار الأمراض والإسهالات المائية، الضرورة تقتضي إغلاق السوق وأن السوق يعاني من عدم وجود تبليط وبعض الأخطاء الهندسية في التصميم السابق، وإزالة التعديات والتشوهات الموجودة حالية ،وأن الدولة حريصة على صحة المواطن خاصة الأطعمة والأمن الغذائي ،برغم من ذلك عاد الكندي وقال إن الأضرار الاقتصادية من إغلاق السوق المركزي تتمثل في ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل وبحث العمال عن عمل جديد ،متوقعاً أن تفقد المحلية أحد مصادرها الداعة لإيراداتها من الرسوم والضرائب المفروضة على تجار السوق ،ووصف الكندي القرار بالجيد وخطوة نحو تصحيح الأوضاع البيئية الصحية وإزالة المخالفات والتعديات الهندسية بالموقع.
اخر لحظة
كل اسواق الخضر في كافة انحاء العاصمة المثلثة غير صالحة صحيا للاستعمال الادمي يجب ازالتها جميعا واعطائها لشركات القطاع الخاص لتقوم ببنائها بمعايير عالمية وذات بنية تحية لائقة وتقوم بنظافتها وصيانتها وتاجيرها للتجار وتتحمل مسئولتها في ادنى تقصير.
(تفاجأ التاجر كمال مصطفى بقرار الإغلاق بسبب النظافة لمدة (24) ساعة)…. ثم أضاف
( تراجع دخلي اليومي من (3) آلاف الى (700)جنيه ويقول إنه اكتفى بدعوة المظلوم .)
700 جنيه في اليوم ، 22 مليون و نص في الشهر، يا خي إنت لا مظلوم ولا حاجة، نحن المظاليم الماعندنا دكاكين و معتمدين علي المرتب!! نعمل شنو نحن في البلد دي، خامننا ساي يا الخدرجية !!! الناس تكتب و تنتقد في الحكومة منطلقين من نظرتهم لعمال اليومية و النساء بائعات الشاي و الكسرة و أطفال الدرداقات و المزارعين و الرعاة و إنتو أتاريكم كاتلين الجدادة و خامين بيضا!! بتكسب تلاتة مليون زمان يعني دخلك 90 مليون في الشهر و القيامة تقوم لو علم الناس أن مرتب بعض الإستشاريين 25 مليون في الشهر!! نحن نتكلم عن شنو و ندافع عن منو إذا كان زول عندو دكان 3 × 3 متر وبيكسب 90 مليون في الشهر؟ المظلومين الحقيقيين هم الموظفون أمثالنا.
علي اني أعود و أعترف أن بعض الفئات التي تعتمد علي التجارة او الزراعة او خلافها من المهن لا يجدون شيئا، ما ذكرته آنفا يوجد في العاصمة أما في الولايات و المدن البعيدة و القري القاصية فإنهم لا يجدون إلا اللمم، تفتك بهم الأمراض و يعمهم الجهل و الفقر، ليس هنالك عدالة في تخطيط الثروة، لا توجد اطر منهجية و استراتيجيات تساعد في التوزيع العادل لها بين المواطنين، فيختلط الحابل بالنابل
كنت أعرف صاحب مطعم متواضع ذكر لي أنه يكسب ربحا يتراوح ما بين 1200 الي 1800 جنيه يوميا من بيع الفول و الكوارع فقط!! و تاجر بصل يحصد أحيانا 10 مليون في اليوم الواحد، ثم صبي في الخامسة عشرة من عمره يعمل بائعا متجولا اخبرني أنه لا يرضي (لاحظوا لا يرضي دي) لا يرضي بأقل من 300 جنيه ربحا في اليوم، واحد قريبنا ساعاتي إستخدم كرتونة برنجي كمنضدة لعرض بضاعته في السوق الأفرنجي أخبرته أنه يعتمد علي مهنة قد إنقرضت، لا أحد يحتاج الآن لإغتناء ساعة يد، فالموبايل تغول علي الصناعات الكمالية الأخري، قضي علي البطارية التورش، الراديو، كاميرات التصوير ثم الساعة و الأحسن أن يبحث له عن مهنة أخري!!! اللذين يلبسون الساعات الآن هم المترفون فقط هؤلاء يستعملون ساعات (رولكس) الذهبية ذات القيمة النقدية العالية : فما كان من قريبي هذا إلاأن إبتسم إبتسامة ماكرة وقال بكل تبجح وهو ينظر لحذائي اللامع: إنت معرفتك سطحية بالحاجات دي ، هل تتصور أنا مرات بكسب مليون جنيه في اليوم من الكرتونة دي؟؟، بكسبا يعني في ناس بشتروا مني الساعات الإنت شايفا دي و الأنا فارشا في التربيزة دي بدفعوا قروش ، ورق أخضر!
جارتنا تعمل في تجارة المش و الفسيخ تبيعه للمتاجر و للجيران، وحينما تزمر صاحب المنزل من ذلك وقرر طردهم نسبة لشكاوي الجيران من رائحة الفسيح التي تفوح في الحي، قررت شراء منزل في منطقة نائية ثم إشترت عربة (بوكسي عديييل موديل ما بعد سنة 2000م)، لتحضير الفسيخ و توزيعه قالت لي أنها تعول 15 أسرة من خلال إستخدام عدد 15 إمرأة و رجل في أعمالها!! أما نسيبتي فإنها تبيع الملابس و العدة بالأقساط و تبعث إبنها كل 3 أشهر لزيارة دبي!!
لقد ألهمتني تلك التجارب، وصرت أشفق لحالي و قررت الخوض في بعض الأعمل لجني أرباحا إضافية، فأشتريت حافلة نقل صغيرة للركاب بالأقساط و سلمتها لسائق تعاقد مع بعض المدارس و يعمل أيضا في أحد الخطوط، وبعد خمسة أشهر سلمني لها خردة، أخبرني بعض السائقين أنه لا يهتم بفحصها وصيانتها الدورية كتغيير الزيت و التشحيم أو الغسيل، كان يأكل لوحده ولا يطعم العربة حسب تعبيرهم، فإخذت منه العربة وركنتها في المنزل ثم لاحقا بعتها بنصف سعرها كي اسدد اقساط البنك! و بعد فترة علمت أنه قد إشتري حافلة لصالحه!! لم أتهمه بشئ ولكنني أكتفيت بتقليب أكف يدي ، وأنا أتأمل هذا السيناريو!
لم يكتب الله لي التوبة، قمت بإيجار عشرة فدان وزرعتها اب 70، ثم أحضرت مزارعا للإشراف عليها و حدث لي نفس ما حدث مع الحافلة ولكن بسناريو مغاير: بعد إنقضاء فترة نضج المحصول عرضته علي بعض أصحاب الماشية فعرضوا علي سعر 3000 ج للفدان وأخبرتهم أني ساستشير المزارع لأنه شريكي بالثلث ، و حين أخبرت المزارع بذلك ما كان منه أن صرخ في وجهي وقال و الزبد يتطاير من فمه: 3000 جنيه بس!! غشوك، أنا عندي زول بشتري بي خمسة!!! و الحقيقة سال لعابي للفكرة فأعتذرت للرجل الذي اتفقت معه و اخبرته أن شريكي اعترض علي السعر الذي دفعه لي و قال إنه غير مجزي و أن سعر الفدان الحقيقي هو 7000 ج ، ظن الرجل أنني أساومه فزاد عرضه ل 5000 الف ج ولكني رفضت رفضا قاطعا وقلت يا 7 يا أشوف زول تاني، فلوي الرجل فمه و لوح بيده متمتما بكلام ما معناه ( و الله السعر دا ما بخارج معانا نحن اصلنا بنلقي في رطل اللبن كم؟)
رجعت للمزعة و قابلت المزارع الذي أعطاني 14000 جنيه و قال لي أن ذلك دفعه زبون كعربون لشراء قصب كل المزرعة، صدقته ووضعت المبلغ في جيبي ثم أخرجت مبلغ 3500 ج و ناولته له بإعتبار أن ذلك يمثل ثلث المبلغ وهو شريكي بالثلث بعد خصم الخسارة، فرفض الرجل و حلف بأغلظ الأيمان أنه لن يستلم مني ولا قرش أحمر وقال بالحرف: إنت موظف وعندك أولادك في الجامعات و مزنوق أكتر مني، حرم كان تشيلو كلو!! أعجبت بتصريح الرجل وغشيت السوق و انا في طريقي للمنزل ، إشتريت ملابس للأولاد و أمهم و خمخمت بعض البقالة من السوبرماركت و دفعت أجزاء معتبرة من الرسوم وبحبحنا إسبوع إسبوعين و أنا منتظر أن يهاتفني المزارع في أي وقت لإستلام المتبقي من الشاري و هو مبلغ 56000 ألف جنيه (يعني 56 مليون بالقديم) متبقي نصيبي فيها حوالي 47 مليون، وحينما لم يفعل حاولت الإتصال عليه لأجد أن تلفونه مغلق، حاولت مرارا دون فائدة ، فقلت أنه ربما كان مريضا أو ذهب لأهله أو شئ من هذا القبيل، فقمت بإيجار عربة و ذهبت للمزرعة، و حينما شارفت الوصول لدهشتي لم أجد تلك النباتات مشرئبة من علي البعد معلنة وجودها، لم أجد شيئا، كل القصب تلاشي حتي الراكوبة الصغيرة التي كان قد بناها لمتابعة الزراعة إختفت، توجد فقط أثار لأبقار و مخلفاتها من الروث وكثير من الصمت الذي يعم المكان لا أحد هناك غير راعي مستلق تحت شجرة مسكيت بعيدة، ذهبت نحوه وإستفسرته من الحاصل فحكي لي القصة أن تاجرا يدعي (…..)قد قام بشراء كل محصول اب 70 في هذه المنطقة و قام بقطعه و ترحيله ، ثم قلت له وأين فلان واقصد المزارع الذي كان يشرف علي زراعتي فذكر لي أنه ذهب مع المشتري، وأين ذهبوا؟ فهز كتفيه غير عالما بالإجابة!! لجأت للتلفون مرة اخري ولم أحصل علي المكالمة فقد كان جواله مغلق!! ثم طلبت من صاحب العربة أن يقلني لمنطقة بعيدة حيث قابلت رجلا رشح لي هذا المزارع فحكي هذا الأخير قصة مطولة جدا عنه وقال أنه كان يعمل معه 3 سنوات و كان مثالا للأمانة و العمل الجاد، زادت حيرتي: إذن أين أنت يا (…) هل هو مريض أم قتل أم ماذا؟ فطرحت للرجل سؤالا أخيرا و قلت: هل تعرف مكان من إشتري تلك المزارع، فقال لي تاجر يدعي (…)و قد أغري المزارعين منذ بداية الموسم بأنه سيشتري اب 70 الجيد بمبلغ 9 مليون للفدان فأتفقوا معه جميعا علي ذلك فبر الرجل بوعده
المهم و بإختصار و نأسف للإطالة: إلي الآن لم أعثر علي هذا المزارع وكأنه هكذا هبط من السماء أخذ أموالي وهرب و قد كلفني فتح البلاغ ومتابعة القضية ما كلفني إضافة لذلك
نحن معشر الموظفين نبحث عن زيادة دخلنا باستمرار، ثم نقع فريسة لقانون السوق الذي يتسم بإخلاقيات لم نتعلم مثلها، إن مصفوفة القيم التي تعلمناها في المدراس و الجامعات وخلافه تكبحنا عن ممارسة الغش و الكذب و تدفعنا للتحلي بروح النزاهة و الأمانة وهي قيم نحمد الله عليها وهو شديد المحال، فكلما خدعني شخص وثقت به وفقدت جزء من أموالي يعوضني الله خيرا منها وأذكي، فقد تعلمت من شيخنا (البرعي) طيب الله ثراه، البعد عن الطمع، إن كنت موظفا إجتهد في أن تكون موظفا حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا، وإن كنت تاجر قصب فأكتفي بأن تكون تاجر قصب و تطور في هذا الإتجاه كأن تنشئ كنتينا لبيع الأعلاف المحسنة و توسع في هذه التجارة فإن طمعت لا تسرف بالطمع وأكتفي بالتجربة… رحم الله شيخنا البرعي، و يحضرني قول مأثور لدي الفرنجة القائل ب Jack of all trades, master of none , و تعني الشخص كثير المهارات و لكنه لا يتقن مهارة بعينها فتتشتت جهوده ولا يأتيه الناس تخوفا عدم مهارته و يا للمفارقة
أختم و أقول أن الأرزاق بيد الله سبحانه و تعالي، وهو ينزلها بقدر و (كان جريت جري الوحوش غير رزقك ما بتحوش)هذه قيمة أخري للقناعة، نحمد الله أننا لا نتذمر حين يقل الرزق، مثل هذا الرجل (الذي ربما كان حتي غير ملم بمبادئ القراءة و الكتابة ، الله أعلم وإن بعض الظن إثم )الذي يكسب 700 ج في اليوم، وبعداك ينقنق!!!
(تفاجأ التاجر كمال مصطفى بقرار الإغلاق بسبب النظافة لمدة (24) ساعة)…. ثم أضاف
( تراجع دخلي اليومي من (3) آلاف الى (700)جنيه ويقول إنه اكتفى بدعوة المظلوم .)
700 جنيه في اليوم ، 22 مليون و نص في الشهر، يا خي إنت لا مظلوم ولا حاجة، نحن المظاليم الماعندنا دكاكين و معتمدين علي المرتب!! نعمل شنو نحن في البلد دي، خامننا ساي يا الخدرجية !!! الناس تكتب و تنتقد في الحكومة منطلقين من نظرتهم لعمال اليومية و النساء بائعات الشاي و الكسرة و أطفال الدرداقات و المزارعين و الرعاة و إنتو أتاريكم كاتلين الجدادة و خامين بيضا!! بتكسب تلاتة مليون زمان يعني دخلك 90 مليون في الشهر و القيامة تقوم لو علم الناس أن مرتب بعض الإستشاريين 25 مليون في الشهر!! نحن نتكلم عن شنو و ندافع عن منو إذا كان زول عندو دكان 3 × 3 متر وبيكسب 90 مليون في الشهر؟ المظلومين الحقيقيين هم الموظفون أمثالنا.
علي اني أعود و أعترف أن بعض الفئات التي تعتمد علي التجارة او الزراعة او خلافها من المهن لا يجدون شيئا، ما ذكرته آنفا يوجد في العاصمة أما في الولايات و المدن البعيدة و القري القاصية فإنهم لا يجدون إلا اللمم، تفتك بهم الأمراض و يعمهم الجهل و الفقر، ليس هنالك عدالة في تخطيط الثروة، لا توجد اطر منهجية و استراتيجيات تساعد في التوزيع العادل لها بين المواطنين، فيختلط الحابل بالنابل
كنت أعرف صاحب مطعم متواضع ذكر لي أنه يكسب ربحا يتراوح ما بين 1200 الي 1800 جنيه يوميا من بيع الفول و الكوارع فقط!! و تاجر بصل يحصد أحيانا 10 مليون في اليوم الواحد، ثم صبي في الخامسة عشرة من عمره يعمل بائعا متجولا اخبرني أنه لا يرضي (لاحظوا لا يرضي دي) لا يرضي بأقل من 300 جنيه ربحا في اليوم، واحد قريبنا ساعاتي إستخدم كرتونة برنجي كمنضدة لعرض بضاعته في السوق الأفرنجي أخبرته أنه يعتمد علي مهنة قد إنقرضت، لا أحد يحتاج الآن لإغتناء ساعة يد، فالموبايل تغول علي الصناعات الكمالية الأخري، قضي علي البطارية التورش، الراديو، كاميرات التصوير ثم الساعة و الأحسن أن يبحث له عن مهنة أخري!!! اللذين يلبسون الساعات الآن هم المترفون فقط هؤلاء يستعملون ساعات (رولكس) الذهبية ذات القيمة النقدية العالية : فما كان من قريبي هذا إلاأن إبتسم إبتسامة ماكرة وقال بكل تبجح وهو ينظر لحذائي اللامع: إنت معرفتك سطحية بالحاجات دي ، هل تتصور أنا مرات بكسب مليون جنيه في اليوم من الكرتونة دي؟؟، بكسبا يعني في ناس بشتروا مني الساعات الإنت شايفا دي و الأنا فارشا في التربيزة دي بدفعوا قروش ، ورق أخضر!
جارتنا تعمل في تجارة المش و الفسيخ تبيعه للمتاجر و للجيران، وحينما تزمر صاحب المنزل من ذلك وقرر طردهم نسبة لشكاوي الجيران من رائحة الفسيح التي تفوح في الحي، قررت شراء منزل في منطقة نائية ثم إشترت عربة (بوكسي عديييل موديل ما بعد سنة 2000م)، لتحضير الفسيخ و توزيعه قالت لي أنها تعول 15 أسرة من خلال إستخدام عدد 15 إمرأة و رجل في أعمالها!! أما نسيبتي فإنها تبيع الملابس و العدة بالأقساط و تبعث إبنها كل 3 أشهر لزيارة دبي!!
لقد ألهمتني تلك التجارب، وصرت أشفق لحالي و قررت الخوض في بعض الأعمل لجني أرباحا إضافية، فأشتريت حافلة نقل صغيرة للركاب بالأقساط و سلمتها لسائق تعاقد مع بعض المدارس و يعمل أيضا في أحد الخطوط، وبعد خمسة أشهر سلمني لها خردة، أخبرني بعض السائقين أنه لا يهتم بفحصها وصيانتها الدورية كتغيير الزيت و التشحيم أو الغسيل، كان يأكل لوحده ولا يطعم العربة حسب تعبيرهم، فإخذت منه العربة وركنتها في المنزل ثم لاحقا بعتها بنصف سعرها كي اسدد اقساط البنك! و بعد فترة علمت أنه قد إشتري حافلة لصالحه!! لم أتهمه بشئ ولكنني أكتفيت بتقليب أكف يدي ، وأنا أتأمل هذا السيناريو!
لم يكتب الله لي التوبة، قمت بإيجار عشرة فدان وزرعتها اب 70، ثم أحضرت مزارعا للإشراف عليها و حدث لي نفس ما حدث مع الحافلة ولكن بسناريو مغاير: بعد إنقضاء فترة نضج المحصول عرضته علي بعض أصحاب الماشية فعرضوا علي سعر 3000 ج للفدان وأخبرتهم أني ساستشير المزارع لأنه شريكي بالثلث ، و حين أخبرت المزارع بذلك ما كان منه أن صرخ في وجهي وقال و الزبد يتطاير من فمه: 3000 جنيه بس!! غشوك، أنا عندي زول بشتري بي خمسة!!! و الحقيقة سال لعابي للفكرة فأعتذرت للرجل الذي اتفقت معه و اخبرته أن شريكي اعترض علي السعر الذي دفعه لي و قال إنه غير مجزي و أن سعر الفدان الحقيقي هو 7000 ج ، ظن الرجل أنني أساومه فزاد عرضه ل 5000 الف ج ولكني رفضت رفضا قاطعا وقلت يا 7 يا أشوف زول تاني، فلوي الرجل فمه و لوح بيده متمتما بكلام ما معناه ( و الله السعر دا ما بخارج معانا نحن اصلنا بنلقي في رطل اللبن كم؟)
رجعت للمزعة و قابلت المزارع الذي أعطاني 14000 جنيه و قال لي أن ذلك دفعه زبون كعربون لشراء قصب كل المزرعة، صدقته ووضعت المبلغ في جيبي ثم أخرجت مبلغ 3500 ج و ناولته له بإعتبار أن ذلك يمثل ثلث المبلغ وهو شريكي بالثلث بعد خصم الخسارة، فرفض الرجل و حلف بأغلظ الأيمان أنه لن يستلم مني ولا قرش أحمر وقال بالحرف: إنت موظف وعندك أولادك في الجامعات و مزنوق أكتر مني، حرم كان تشيلو كلو!! أعجبت بتصريح الرجل وغشيت السوق و انا في طريقي للمنزل ، إشتريت ملابس للأولاد و أمهم و خمخمت بعض البقالة من السوبرماركت و دفعت أجزاء معتبرة من الرسوم وبحبحنا إسبوع إسبوعين و أنا منتظر أن يهاتفني المزارع في أي وقت لإستلام المتبقي من الشاري و هو مبلغ 56000 ألف جنيه (يعني 56 مليون بالقديم) متبقي نصيبي فيها حوالي 47 مليون، وحينما لم يفعل حاولت الإتصال عليه لأجد أن تلفونه مغلق، حاولت مرارا دون فائدة ، فقلت أنه ربما كان مريضا أو ذهب لأهله أو شئ من هذا القبيل، فقمت بإيجار عربة و ذهبت للمزرعة، و حينما شارفت الوصول لدهشتي لم أجد تلك النباتات مشرئبة من علي البعد معلنة وجودها، لم أجد شيئا، كل القصب تلاشي حتي الراكوبة الصغيرة التي كان قد بناها لمتابعة الزراعة إختفت، توجد فقط أثار لأبقار و مخلفاتها من الروث وكثير من الصمت الذي يعم المكان لا أحد هناك غير راعي مستلق تحت شجرة مسكيت بعيدة، ذهبت نحوه وإستفسرته من الحاصل فحكي لي القصة أن تاجرا يدعي (…..)قد قام بشراء كل محصول اب 70 في هذه المنطقة و قام بقطعه و ترحيله ، ثم قلت له وأين فلان واقصد المزارع الذي كان يشرف علي زراعتي فذكر لي أنه ذهب مع المشتري، وأين ذهبوا؟ فهز كتفيه غير عالما بالإجابة!! لجأت للتلفون مرة اخري ولم أحصل علي المكالمة فقد كان جواله مغلق!! ثم طلبت من صاحب العربة أن يقلني لمنطقة بعيدة حيث قابلت رجلا رشح لي هذا المزارع فحكي هذا الأخير قصة مطولة جدا عنه وقال أنه كان يعمل معه 3 سنوات و كان مثالا للأمانة و العمل الجاد، زادت حيرتي: إذن أين أنت يا (…) هل هو مريض أم قتل أم ماذا؟ فطرحت للرجل سؤالا أخيرا و قلت: هل تعرف مكان من إشتري تلك المزارع، فقال لي تاجر يدعي (…)و قد أغري المزارعين منذ بداية الموسم بأنه سيشتري اب 70 الجيد بمبلغ 9 مليون للفدان فأتفقوا معه جميعا علي ذلك فبر الرجل بوعده
المهم و بإختصار و نأسف للإطالة: إلي الآن لم أعثر علي هذا المزارع وكأنه هكذا هبط من السماء أخذ أموالي وهرب و قد كلفني فتح البلاغ ومتابعة القضية ما كلفني إضافة لذلك
نحن معشر الموظفين نبحث عن زيادة دخلنا باستمرار، ثم نقع فريسة لقانون السوق الذي يتسم بإخلاقيات لم نتعلم مثلها، إن مصفوفة القيم التي تعلمناها في المدراس و الجامعات وخلافه تكبحنا عن ممارسة الغش و الكذب و تدفعنا للتحلي بروح النزاهة و الأمانة وهي قيم نحمد الله عليها وهو شديد المحال، فكلما خدعني شخص وثقت به وفقدت جزء من أموالي يعوضني الله خيرا منها وأذكي، فقد تعلمت من شيخنا (البرعي) طيب الله ثراه، البعد عن الطمع، إن كنت موظفا إجتهد في أن تكون موظفا حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا، وإن كنت تاجر قصب فأكتفي بأن تكون تاجر قصب و تطور في هذا الإتجاه كأن تنشئ كنتينا لبيع الأعلاف المحسنة و توسع في هذه التجارة فإن طمعت لا تسرف بالطمع وأكتفي بالتجربة… رحم الله شيخنا البرعي، و يحضرني قول مأثور لدي الفرنجة القائل ب Jack of all trades, master of none , و تعني الشخص كثير المهارات و لكنه لا يتقن مهارة بعينها فتتشتت جهوده ولا يأتيه الناس تخوفا عدم مهارته و يا للمفارقة
أختم و أقول أن الأرزاق بيد الله سبحانه و تعالي، وهو ينزلها بقدر و (كان جريت جري الوحوش غير رزقك ما بتحوش)هذه قيمة أخري للقناعة، نحمد الله أننا لا نتذمر حين يقل الرزق، مثل هذا الرجل (الذي ربما كان حتي غير ملم بمبادئ القراءة و الكتابة ، الله أعلم وإن بعض الظن إثم )الذي يكسب 700 ج في اليوم، وبعداك ينقنق!!!