رحلتي بين واشنطن وكينتاكي

د. منتصر نابلسي
أن لم تجد أى طريق الى النجاح فاصنع أنت الطريق “جاك كانفيلد”
الغرب ليسوا عباقرة ونحن أغبياء ، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح ، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل “العالم أحمد زويل “
عندما لا تجد طريقًا للنجاح فابتكره أنت ومن أسرار النجاح هو أن تثبت على هدفك ، ليس الفشل عدم قدرتك على النجاح ولكن الفشل هو عندما لا تعرف ما هي الأسباب التي تؤدي إلى النجاح.
امريكا وبعيدا عن “هوس” السياسة في رحلة بسيطة عميقة الابعاد في بلاد العم سام ، رحلة بدأتها من الرياض الى واشنطن ومن ثم من واشنطن الى كنتاكي عبر الاتوبيس طمعا في معرفة تلك الديار وسبر أغوارها ، واشنطن كانت نقطة الانطلاق مرورا برتيشموند ومنها الى ناشفيل ومن ثم راسافيل كنتاكي ، بدأت الرحلة حرفيا بسيطة عبر أحد “الاتوبيسات” حيث بدأت رياح الشتاء الباردة تتغلغل بين مسامات الاجساد التى ما زالت جديدة عهد بزمهرير تلك الديار ، ورغم ذلك فان جمال ما انسكب في الوجدان من إحساس دافيء طغى على الاحساس وامتلك اللحظات الغنية بحب الاستطلاع عن المجهول ، وحقيقة قد يتصاغر الوصف ضئيلا أمام عظمة المشاهد التي لايتمكن القلم من رسم معالمها بكل تفاصيلها الدقيقة ولابناء هيكل جمالها ولابهجة حضورها المتنامي بين الدهشة والاعجاب .
هدوء مهذب ترجمه حضور الركاب وهم يقصدون مقاعدهم بكل نظام وأدب ، التزام لا يعرف نشاذ الفوضى ولايخرج عن سلطان الاخلاق الذي امتلك اجواء المكان ، حضور متسامح وراقي يفرض هيمنة خفية واجلال غريب يختلف عن عالمنا الذي نعرفه ، مجتمع يجعلك تتسائل هل هذا السلوك المهذب مفروض على هؤلاء البشر أم تلك سجية هذا الشعب الامريكي الجميل الذي يرحب بك اسودهم وابيضهم كأنهم يعرفونك منذ سنوات خلت ، هذا الشعب الغامض البسيط المهذب الودود المتاّلف المسالم المتسامح المتراحم المنظم في كل تفاصيل حركاته وسكناته الا الشاذ منهم “والشاذ لاحكم له” .
كان من الملفت للانتباه إن سائق البص إمراة وزاد اعجابي حين تحدثت مع أحد الركاب بكل بساطة وقالت له انها قد بلغت السبعين من عمرها ومازالت تحب عملها الشاق وتعشقه جدا وهي تمارسه منذ 40 سنة ، عمل لا يكاد يتحمله كثير من الرجال الاقوياء مهنة شاقة تحتاج لكثير من التركيز والانتباه بما فيها من الخطورة والمسؤلية الضخمة اتجاه أكثر من اربعين راكب بين نائم ومستيقظ ، وهي تقود البص بكل هدوء وشجاعة وثقة تتحدث عبر المايكرفون تخاطب الركاب بصوت جاد ومتمرس.
مضى بنا الاتوبيس متحركا من واشنطن عبر فريجينيا – رتشموند متجها الى كنتاكي ، وتمر بنا لوحات لمساحات وارفة الظلال من غابات لحدائق ذات بهجة ، اسرار من العطاء الالهي يكتنف تلك الطبيعة الخلابة الساحرة روعة تتحدث بلسان حالها عن جمال الله وابداع صنعه سبحانه ، كأنما انت في كوكب غير الارض جلال وجمال يتحدى الوصف وصور عميقة التأثير تقف أمام هيبتها مذهولا ، فما اعظم العطاء وما أجمل المعطى هل انا في حلم ام انبهار قد امتلك فؤادي تمنيت أن لا يتنهي ، والحقيقة انه واقع سطرته يد الرحمن ابداع يتسلل الى الوجدان مباشرة ، لوحات تنبض بالحياة بين تلك المعالم الوارفة سحر تلك الاشجار الملونة بين اخضرار واحمرار واصفرار تداخل منسق بديع منسق من جمال متوازن يتجسد في كل تلك الغابات كانه يقول بلسان حاله هذه بلاد يمكنها أن تحتوي كل الوان الطيف من البشر ، نعم انها بلاد وصلت الى عنان التقدم والتطور بما فيها ومن فيها فلها ان تحكم الكوكب بهذه المعطيات وذلك الانسجام المتناهي بين الطبيعة والانسان المتطور … وللحكاية بقية.