منحة النظافة ومحنتها

حينما أعلنت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) قبل عدة أشهر عن تقديم منحة من اليابان لنظافة ولاية الخرطوم بقيمة 14.8 مليون دولار وتسليم ولاية الخرطوم (100) شاحنة نفايات للعمل في تدوير النفايات الصلبة بمشروع متكامل للنظافة.. شعرنا بأن رائحة النفايات وسمعة التدهور البيئي في ولاية الخرطوم قد أزكمت أنوفهم وأنف العالم.
واليابان دولة لها أيادٍ بيضاء علينا منذ مستشفى ابن سيناء والكثير من المنح الدراسية والتعاون في مجالات التدريب..
وقد كان بعضهم في بعض المنتديات الإلكترونية السودانية قد أثاروا جدلاً مضحكاً حول المنحة اليابانية لنظافة الخرطوم واعتبروها منحة (مهينة)، بكون اليابان تريد أن تنظف لنا عاصمتنا المتسخة.. أو تعلمنا النظافة..!
وهذه ربما حساسية زائدة وأفكار غير واقعية حيث أن الواقع البيئي المتدهور في الخرطوم هو في الحقيقة يلفت انتباه الآخرين ويحرك الجهود الأخوية الإيجابية.. لا غضاضة في مبدأ تقديم المنحة أو تقبلها.
لكن العيب أن تستمر مشكلة النظافة رغم هذه المنحة المقدرة التي إذا لم تكن قد قدمتها لنا اليابان ما كنا لنحلم أن تدفع ولاية الخرطوم من خزانتها مبلغاً بقيمة هذه المنحة لتشغيل مشروع النظافة.
نظافة ولاية الخرطوم أو نظافة أي مدينة كبيرة بحجم العاصمة تقوم على ثلاثة محاور أساسية أولها البنية التحتية للنظافة والتي توفرها هذه المنحة.
وأما المحور الثاني والثالث هما إدارة عملية النظافة عبر خطة ونظام علمي ووضع قوانين واضحة للنظافة مع ترقية سلوك المجتمع للمساهمة بسلوك منضبط وملتزم لجعل المدينة نظيفة.
اليابان بمنحتها أسهمت إسهاماً كبيراً في معالجة مشكلة البنية التحتية للنظافة، لكن كل الذي قدمته لن يكن له معنى أو فائدة منظورة لو لم يتم تحسين عملية الإدارة والتشغيل بالطرق العلمية المعروفة لعملية التخلص من النفايات.
اليابان لم تمنح السودان (كاش) حتى ننعش ذاكرة الفساد أو يفكر أي مسؤول في وضع طاقية النفايات في رأس بند آخر من بنود العجز والعوز المالي بل وفرت لنا شاحنات نفايات للعمل على ضغط وتدوير النفايات الصلبة وحاملات للحاويات بجانب ورش مركزية للصيانة..
منحتكم ما يؤسس لنظام نظافة يمكن أن يكون مستمراً لو أحسنت الولاية إدارته وتشغيله بخطة ونظام محكم بعيداً عن ثقافة الحملات والفزعات والمينشيتات السياسية والحكي عن النظافة.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين

اليوم التالي