السودان دخل مربع الخطر، مصداقية الشيخ الترابي لم تعد كما كانت من قبل ..لا أحد بالطبع يصدق أن عمر البشير هو رئيس منتخب.

ياسر الزعاترة

قال النظام المصري إنه ليس مثل تونس، وقال النظام الليبي إنه يختلف عن كليهما. كذلك قال النظام اليمني والسوداني والسوري (تحدثنا عنه قبل أيام)، وردد وسيردد الآخرون الذي تمر بهم عواصف التغيير، تلك التي تأتي هادئة أحيانا، وأحيانا غير ذلك، مع أن الهاديء ما يلبث أن يتحول إلى عاصف بمرور الوقت وتجاهل المعنيين لنداءات الإصلاح.

لقد اكتشفت جماهير الأمة ذاتها، وهي لن تركن إلى الظلم بعد ذلك، ومن يعتقد أنه عبر بعض العطايا المالية وإجراءات هي أقرب إلى الرشاوى أو المسكنات سيوقف عاصفة التغيير عند بوابته واهم إلى حد كبير.

ليس ثمة نظام عربي نال ما يكفي من الرضا الشعبي، والغالبية الساحقة دون ذلك بكثير على تفاوت بينها، ولا شك أن العقود الأخيرة قد شهدت مزيدا من التدهور بعد زواج السلطة والثروة، وتراجع الوضع العربي الجمعي، وشيوع مبدأ ترتيب العلاقة مع الغرب على نحو منفرد.

نعلم أن الأنظمة كانت تتعلم لعبة السيطرة على الشعوب من بعضها البعض، وقد رأينا كيف انتشرت ظاهرة «ديمقراطية الديكور» منذ الثمانينات، وهي ظاهرة استوعبت بشكل ذكي، وربما مخادع، شوق الجماهير للديمقراطية بعد نهاية المنظومة الشيوعية وانهيار جدار برلين، فكان أن حصلت الأوضاع القائمة على مزيد من الشرعية، ما أدى إلى تصاعد منسوب التوتر مع الشعوب.

الآن، وبعد أن اكتشفت الجماهير ذاتها وكسرت حاجز الخوف الذي كبلها وتجاوزت القوى السياسية التي ارتهنت لديمقراطية الديكور، لم يعد بوسع أحد أن يستعبدها من جديد، وعلى الجميع أن يدركوا أن المد الشعبي قادم، فمن أصلح من تلقاء نفسه، فسيكون بوسعه البقاء وفق عقد اجتماعي جديد، أما من أصر على الالتفاف على مطالب الجماهير والتذاكي عليهم، فلن يجني غير الخيبة.

يبدو أن السودان قد دخل مربع الخطر، ولعل من الغريب أن يتأخر حراكه إلى الآن، ونحن هنا نجزم أن استمرار اعتقال الشيخ الترابي هو جزء من مساعي الحيلولة دون انطلاق المارد الشعبي، مع أن مصداقية الشيخ لم تعد كما كانت من قبل بسبب بعض المغامرات التي خاضها خلال العقدين الأخيرين؛ مع سلطة الإنقاذ وبعد فراقها.

لا أحد بالطبع يصدق أن عمر البشير هو رئيس منتخب بالفعل بتلك النسبة العالية، كما لا يأخذ أحد على محمل الجد نظرية أن الحزب الحاكم يتمتع بشعبية تؤهله للحصول على الغالبية في البرلمان. وإذا اعتقد الرئيس السوداني أنه من خلال وعد بعدم الترشح في المرة القادمة سيوقف مد الجماهير فهو واهم، الأمر الذي ينطبق على حكاية تطبيق الشريعة بعدما أضاع نصف البلد من أجل البقاء وحزبه في الحكم، مع رفض الشراكة مع القوى الأخرى في إدارة الجزء الباقي، والذي يحفل بالنزاعات السياسية والأزمات الاقتصادية. وإذا لم يبادر إلى شراكة حقيقية مع تلك القوى، فإن الموقف سيأخذ في التأزم بالتدريج.

في المغرب أعلن النظام نيته إصلاح الدستور، لكن ذلك لم يكن مقنعا لجهة طبيعة اللجنة التي شكلت والطريقة التي ستعمل من خلالها. من هنا كان طبيعيا أن تنطلق المظاهرات الضخمة من دون أن تفكر في انتظار نتائج عمل اللجنة، والسبب أن الإصلاح السياسي الذي يمنح المرجعية للشعب ليس من نوع الفيزياء النووية التي تستحق تشكيل لجان تأخذ أسابيع وشهورا لتقديم توصياتها، اللهم إلا إذا أريد تفريغ مصطلح الإصلاح من مضمونه واستعادة لعبة ديمقراطية الديكور بشكل جديد.

في دول خليجية أخرى، يعتقد البعض أنه من خلال بعض الإجراءات المالية ، يعتقد أنه من خلال ذلك سيدفع الناس للقبول بالأمر الواقع، لكن واقع الحال سيثبت لهؤلاء خطأهم الكبير.

الخليجيون ليسو أقل شأنا من الشعوب الأخرى، هم الذين يتمتعون بأعلى درجات التعليم. ومن العبث أن يطالبهم بعض قصار النظر بالطاعة العمياء من دون أن يكون لهم دور يذكر في صناعة قرارهم السياسي.

خلاصة القول هي أن طوفان التغيير لن يستثني أحدا، والعاقل من اتعظ بغيره وسارع إلى إصلاح شأنه قبل أن يفوت الأوان وينزل الناس إلى الشوارع «.

الدستور

تعليق واحد

  1. النهاية حتكون مأساوية بكل معني الكلمة وبالاخص لابنائهم وزوجاتهم واخوانهم. اصحي يا نايم وحد الدايم.

  2. شكرا استاذ الزعاترة بن شمال الوادي الحبيب ,,,,,
    السودان هو من اكثر الدول العربية والافريقية حوجة الي التغيير ,,,,,
    ونامل ان يساهم الكتاب والمثغفين المصريين في صنع التغيير اللازم باقل الخسائر الممكنة ,,,
    اسوة بما حصل في مصرنا الحبيبة ,,,,

  3. السودان لم ولن يدخل دائرة الخطر ونحن لسنا تلاميذ لأي شعب لكي يعلمنا كيف ومتى نثور وما تعرفه عن اضاعة نصف البلد وتتقصد الجنوب فلو كان الستفتائ بالعكس لوجدت اكثر من80% يؤيدون الأنفصال -نصيحة لك لكي تكتب عن السودان يجب ان تزور البلد .

  4. قال المفكّر الإصلاحي ، الذي لايخش في الحق لومة لائم ، الأخ الكريم ( ياسر الزعاترة ) : ( لا أحد بالطبع يصدق أن عمر البشير هو رئيس منتخب بالفعل بتلك النسبة العالية، كما لا يأخذ أحد على محمل الجد نظرية أن الحزب الحاكم يتمتع بشعبية تؤهله للحصول على الغالبية في البرلمان. وإذا اعتقد الرئيس السوداني أنه من خلال وعد بعدم الترشح في المرة القادمة سيوقف مد الجماهير فهو واهم، الأمر الذي ينطبق على حكاية تطبيق الشريعة بعدما أضاع نصف البلد من أجل البقاء وحزبه في الحكم، مع رفض الشراكة مع القوى الأخرى في إدارة الجزء الباقي، والذي يحفل بالنزاعات السياسية والأزمات الاقتصادية. وإذا لم يبادر إلى شراكة حقيقية مع تلك القوى، فإن الموقف سيأخذ في التأزم بالتدريج…. )

    إذا جاز لنا أن نتساءل ، أو نعلّق على هذا الكلام ، أو أن نضيف إليه ، فبإمكاننا أن نقول ما يلي :

    1- اوّلاً أرجو أن أقول للأخ ياسر : لقد أصلحت إن ناديت حيّاً ، ولكن لا صلاح لمن تنادي ؟؟؟
    السيّد الكريم الصادق القويّ الأمين ، رئيس جمهوريّة السودانيّين ، يعلم علم اليقين ، أنّه قد تخرّج في الكلّيّة الحربيّة ، كغيره من الخرّيجين السودانيّين ، ويعلم انّ الكليّة العسكريّة ، ليست رواقاً سنّاريّاً في الأزهر الشريف ، وليست كليّة نظريّة في جامعة الخرطوم ، وهو إذن يعرف أنّه من أهل الذكر في الإختصاصات العسكريّة ، وليس من أهل الذكر في تطبيق الشريعة الإسلاميّة ، ومن باب أولي ليس من أهل الذكر في تطبيق الديمقراطيّة الإستراتيجيّة ، ويعلم أنّه قد تغوّل على إختصاصات الآخرين ، ويعلم أنّه قد تآمر مع حركة الإخوان المُسلمين ، التي طالما ضيّقت واسعاً إسمه الدين ، و قوّض معها ديمقراطيّة السودان الإستراتيجيّة ، وقال نحن سرقنا السلطة بالليل عندما كان أهلها ، نائمين ولم نعرف ماذا نفعل بها….. إذن البشير كان يعلم أنّه كذّاب ، ولكنّه كان يجهل أو يتجاهل ، أنّ الحركة الإخوانيّة ، هي حركة مرفوضة عالميّاً ، ومطاردة دوليّاً ، لا لأنّها تؤمن بالإسلام فقط ولا تؤمن بالكتب والملل السماويّة الأخرى ، ومن بينها ملّة اليهود وملّة النصارى ، إنّما لأنّها لاتتبع ملّة اليهود والنصارى ….. وهي لم تعلم أنّ الملّة المقصودة في هذه الآية هي ربّما كانت على سبيل البلاغة في القول والمعني المراد بأنّ هنالك من يعبد الدينار ، وهناك من يعبد الدولار ….. وهنالك من يعتنق إقتصاد الشموليّة الشيوعيّة أو الإشتراكيّة المثاليّة بين البشر ، بعيداً عن الملل السماويّة ، وهنالك من يعتنق الديقراطيّة اللبراليّة المعنيّة بحقوق الإنسان وإقتصاد الرأسماليّة الذكيّة ، …. هؤلاء القوم لهم مِلّة إسمها سيادة القانون ، وهي مثل أعلى قديم كان أرسطو أوّل من تحدث عنه كنظام من القوانين المتأصلة في النظام الطبيعي . ولا زال هذا المثل الأعلى يحتفظ بأهميته كمثل أعلى معياري، حتى مع استمرار محاولات المثقفين المتواصلة لوضع تعريف محدد له …. أمّا البشير وإخوانه الكرام ، وأمثالهم ، فلا يتّبعون هذه الملّة ، المعنيّة بالعدالة والشفافيّة والمساواة بين التناس في تطبيق القانون ، بدليل أنّهم يتمتّعون بحصانات ديبلوماسيّة ، ويطبّقون الشريعة الإسلاميّة ، بفلسفة إجتهاديّة ، يعتقدون أنّها تعصمهم من المساءلة القانونيّة ( إذا ما أصاب فله أجر ، أمّا إذا ما أخطأ فله أجران ) ، فمثلاً عندما ضرب عساكر البشير النساء السودانيّات بالسياط ، كعقوبة زعموا أنّها إسلاميّة ، وأشهدوا طائفة من الناس على عذاب النساء ، كما هو منصوص عليه في النصوص الإسلاميّة ، التي ينبغي أن يفهمها ويطبّقها أهل الذكر في هذا المجال ، وعندما طالب الناس البشير بمساءلة هؤلاء العساكر ، قال السيّد البشير : شريعة وطبّقناها ، المساءلة في شنو ؟؟؟ وقبل ذلك قال : تمرّد أهل دارفور على الدولة الإسلاميّة ، فطبّقنا فيهم الشريعة الإسلاميّة ، المساءلة الجنائيّة الدوليّة في شنو ؟؟؟

    2- عندما أطاح المفكّر الإسلامي الإخواني ، الدكتور حسن عبدالله الترابي ، أستاذ القانون بجامعة الخرطوم ، وإخوانه الأشاوس ،… عندما أطاحوا بالدستور والقانون والديمقراطيّة الإستراتيجيّة ، عن طريق الإنقلابات العسكريّة ، وفرضوا الشريعة الإسلاميّة على الطريقة الإخوانيّة ، قالوا إنّ دولتهم الإسلاميّة ، هي عبارة عن إمتداد للدولة المهديّة الإسلاميّة ، وهي لا تعترف بالحدود الوهميّة ، التي رسمتها الدول الإستعماريّة …… ورفعوا المصاحف والكلاشنكوف على شاشات القناة الفضائيّة السودانيّة ، وقالوا : يا الأمريكان ليكم تسلّحنا ، بي قول قول الله وقول الرسول ليكم تسلّحنا ، وأعلنوا الجهاد ضد الجنوبيّين المسيحيّين أغلبهم ؟؟؟ فصنّف الأمريكان دولة الترابي بأنّها دولة فاشيّة ، وضربوا مصنع الشفاء لكيما يعرفوا مدى التسلّح المزعوم ؟؟؟ ….. وأجبروا البشير ، كما زعم ، على إبعاد الترابي ….. فأبعده وأصبح هو رئيس الحركة الإسلاميّة وحزبها الشمولي الإسلامي : المؤتمر الوطني ؟؟؟

    3- المؤتمر الوطني الإخواني ، هو الإتّحاد الإشتراكي السوداني ، هو حكومة المشروع الحضاري ، هو الخدمة المدنيّة ، هو الخدمة العسكريّة ، هو الأمن القومي ، هو السلطة ، هو القانون ، هو الدستور ، هو الجهاز التشريعي ، هو الجهاز المتنفيّذي ، هو الجهاز القاضائي ، هو الثروة ، هو الأعمال الحرّة ، هو الذي يفرض على غيره الضرائب والجمارك والرسوم والغرامات ، هو الذي يطبع لنفسه الفلوس ، هو الذي يستدين لنفسه العملات الحرّة من البنوك الدوليّة والإقليميّة ، هو الإنتخابات الديمقراطيّة النزيهة ، هو المفوّضيّات التي تقوم بتسجيل الناخبين ، هو الذي يطبع بطاقات الناخبين ، هو الذي يصوّت إنابة عن الناخبين ، داخل مطبعة العملة التي يطبع فيها البطاقات ، هو الذي يعلن أنّه قد حسم أمر فوزه بالإنتخابات بأنواعها المختلفة ، عقب التسجيل مباشرة ، يعني قبل التصويت المشهود ؟؟؟ ….. إذن هم يعلمون أنّهم مُزوّرون ؟؟؟

    4- الذي جهله أو تجاهله هؤلاء الإخوان ، هو أنّ إنسان السودان ، قد هاجر إلى أرض الله الواسعة ، حيث يُحترم الإنسان ، وتُحترم خبرات الإنسان وعلمه وكفاءته ، فأنتج هناك وعاش هناك ، وتكاثر هناك ، وعلّم أبناءه هناك ، وعملوا معه هناك ، وترك المؤتمر الوطني وكوادره يتكاثرون داخل السودان ، وبالتالي سوف يأتي يوم يكتشف فيه هؤلاء القوم ، أنّهم أشبه بالأسماك التي تعيش في حيّز ضيّق ، وتأكل بعضها بعضاً ……. هذه هي مرحلة تمكين كلّ السودانيّين الموجودين داخل السودان ، والذين أصبحوا يشكّلون سوداناً جديداً بمعني الكلمة ، وهو الذي ظهرت إرهاصاته مُنذُ الآن ؟؟؟

    5- الذين يطالبون الحكومة بالتنحيّ الآن هم النوّاب المُنتخبون بالطريقة الإخوانيّة التمكينيّة ؟؟؟

    6- الشباب الذين يضربون عن العمل ويطالبون بالإصلاحات والزيادات الآن هم شباب المؤتمر الوطني ؟؟؟

    7- الذي يجهله هؤلاء الإخوان ، هو أنّ الإصلاح غير ممكن ، وأنّه في حالة تعذّر الإصلاح الحقيقي ، يكون الحل هو إعادة هندسة السودان ؟؟؟

    8- إعادة هندسة السودان مُمكنة ، إذا ما كانت ، بعقول كلّ السودانيّين ؟؟؟

    9- إعادة بناء جمهوريّة السودان الديمقراطيّة الإستراتيجيّة ممكنة ، إذا ما كانت ، بعقول وسواعد كلّ أبناء السودان ؟؟؟

    10- التحيّة للأخ ياسر الزعاترة ، وللبشير وإخوانه المسلمين ، والتحيّة لراكوبة الخرّيجين السودانيّين الصابرين ، ولكن إلى حين ؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..