حين يصطف الجميع.. خلف القاتل

لا أجزم إن كانت السلطة القضائية قد قدمت حيثيات وافرة وهي تصدر منشورها القاضي برفع قيمة الديات لنحو عشرة أضعافها.. ولكن المؤكد أن السلطة القضائية الموقرة.. قد رأت لتقدير قدرته أن تصدر منشورها دون الرجوع لجهات ذات صلة.. وهذا يؤكده أمران.. أولا.. ملمح المفاجأة الذي صبغ صدور منشور زيادة الديات.. ثم ردود الأفعال الكثيفة التي تبعت صدور المنشور.. ومن جهات تتأثر مباشرة بذلك المنشور.. قطاع التأمين على سبيل المثال.. ولعل الجدل الكثيف.. والتحفظات قد نحت بالسلطة المصدرة لذلك القرار أن تتيح مهلة كافية إن جاز التعبير قبل تطبيقه.. أو تنزيله إلى أرض الواقع.. ولعل المتابعة لما ترتب على ذلك المنشور من نقاش ومن جدل ومن مداخلات.. أفرزت جملة من الإفادات التي تستحق الوقوف عندها.. ومنها اللافتة أيضا.. وكشأن كل قرار كبير له تأثيره الداوي على المجتمع عموما فقد تباينت المواقف أيضا إزاءه.. من مؤيد لمتحفظ لمعترض عليه..!
فإن كانت أبرز حجج المعترضين على المنشور ارتفاع الزيادة في حجم الدية لدرجة بلغت العشرة أضعاف.. وكذلك عنصر المفاجأة وعدم تهيئة المعنيين بالأمر.. فإن حجج المدافعين تعددت هي الأخرى غض النظر عن الاتفاق معها أو الاختلاف.. كانت واحدة من الحجج مثلا أن المنشور يستهدف أساسا دارفور والنزاع الدائر فيها.. خاصة تلك المصادمات القبلية العبثية.. التي تنطلق دائما دونما مبرر وتخلف في كل مرة أعدادا هائلة من الضحايا.. يبرر أصحاب هذه النظرية أن ضعف الديات كان واحدا من أسباب الاستهتار بأرواح الناس.. غير أن هذا المنطق لا يسنده منطق.. فالذي يقتل لا يفكر أصلا في العقوبة قبل الإقدام على ارتكاب جريمته.. فهو لو فكر لحظة اصلا لما أقدم على جريمته.. كما أن الجاني حين يقبل على ارتكاب جريمته يفترض أنه في مأمن من العدالة وإجراءاتها.. وقبل كل هذا وذاك.. فالطريف أن جل الديات إنما تتكفل بها وتتحملها الدولة.. مما ينسف مشروعية هذه الحيثية.. إن كانت واردة أصلا..!
تلاحظ عموما أن حكمة مشروعية التشريع هذا.. وفقا للمدافعين.. هي ردع المجرمين.. وهذا منطق لا يصمد كثيرا أمام كثير من الحالات التي يرتكب فيها الجاني فعلته هذه.. فحوادث المرور مثلا.. تلك التي تنجم عن تهور البعض وارتكاب مخالفات مرورية.. قد تؤدي في نهاية الأمر إلى أن يدفع المخطئ نفسه روحه في تلك المخالفة.. فالمؤكد أن هذا الشخص لم يخطط للانتحار.. بل كل ما فكر فيه كسب خمس دقائق من وقته جراء ارتكابه تلك المخالفة.. ونتيجة لذلك يخسر عمره كله.. إذن هذا الشخص لن تردعه هذه القفزة في حجم الدية.. لأنه يفترض أنه بمنأى عنها.. وقس على ذلك..!
وثمة اجتهاد أيضا يربط قيمة الدية الجديدة بالإبل.. مئة من الإبل.. فإن كان ذلك صحيحا فهذا يعني أن دية الشخص ستكون أعلى من ذلك بكثير.. وثمة اجتهادات أخرى تطالب بالتدرج في زيادة قيمة الدية.. وهو مطلب على كل حال يبدو أكثر موضوعية ومنطقية.. سيما وأنه يعترف بالتضخم وانخفاض قيمة العملة وارتفاع تكاليف الحياة.. وهذا ربما يلفت النظر.. إلى أن الاحتجاج الذي صاحب ارتفاع قيمة الدية.. لم يقابله احتفاء بارتفاع قيمة الدية من قبل المستفيدين المحتملين من الزيادة.. لقد اصطف الجميع خلف القاتل مطالبين بتخفيض الدية.. ولم يتذكر أحد المقتول ليقول.. مسكين كل هذا المبلغ لا يعوض خسارة إنسان..!
اليوم التالي

تعليق واحد

  1. لان حوادث القتل الخطا خاصة من حوادث المرور ارتفع بنسبة كبيرة، حتى ان اعرق شارع مرور بين العاصمة و ثاني اكبرمدينة بالسودان اصبح اسمه شارع الموت .. و في كثير من الاحيان يكون السبب في الحادث نتيجة لسوء الطرق و ضيقها .. و في تلك الحالة يجب ان تتحمل الدولة المسئولية … حوادث القتل العمد اصبحت قليلة الا ما ترتكبه الدولة و زبانيتها، او ما يرتكب بسببها كما في حوادث الحروب القبلية ..
    القاتل الاساسي في السودان الآن و الذي يقتل الناس مع سبق الاصرار و الترصد هو الحكومة و مرتزقتها و جلاديها …. حوادث سبتمبر دليلا رآه الناس باعينهم … و ما جرى و يجري في دارفور و جبال النوبة مما يخفى على اعين الناس اشد هولا

  2. لو كان المنطق لتسهيل عملية العفو وعدم التمسك بالقصاص لضالة الدية يمكن قبولها………..
    وفي حالة القتل الخطا لماذا لا يتم تحديد درجات لتلك الديه فمثلا في حالة المرور هل يستوي السائق الذي نام فجاءة وقتل شخص ام السكران او المخدر او من حاول ان يتفادى مجموعة وقتل واحدا……….
    كما في حالة الحروب ومهاجمة القبائل لبعضها

  3. “”غير أن هذا المنطق لا يسنده منطق.. “”
    “”تلاحظ عموما أن حكمة مشروعية التشريع هذا..””
    ده عربى يا مرسى ؟

  4. استاذ محمد لطيف لك التحيه .. لي بعض التعليق أرجو ان يتسع صدرك له .اولا لان اسمك محمد (عليه افضل الصلاة و التسليم ) ودي مسؤليه بالغه الضخامه بكون احلي واجمل و يذيدك قربا للحق عز و جل خلي اسم والدك الكريم يكون (عبد اللطيف ).مجرد اقتراح من محب .الاقتراح التانى مادام رفع قيمه الديه لاكثر من 333 مليون مقصود به اقليم دار فور الكبير لاسباب يعرفا المختصون . ممكن تتطبق فى نفس الاقليم بس. باقي الولايات الديه المتبعه 33 مليون .امريكا الفاتنه الناس كلهم كل ولايه ليها قانون مختلف حتى قانون احولهم الشخصيه التعيسة دي . سلام ..,

  5. يا لطيف ,,, يا لطيف ??? يا لطيف , الهم ألطف بمحمد لطيف .

    من أي البلاد أنت ,,, هل أنت من بلاد السودان التي تدعي الاسلام ,,, وهل صحيح أنك قريب الرئيس البشير الذي يزعم أنه يطبق شريع الاسلام في بلاد السودان وفي دارفور أيضاً.

    هل درست كل مراحل تعليمك في السودان أم شهادة عربية في لندن !!! لأن من درس وامتحن الشهاد العربية في بلادها أكيد يعلم أو يكون ” قدسمع ” بأن الدية مقدارها ” مائة من الإبل ” في حالة القتل الخطأ أو شبه العمد ,,, بينما القتل العمد ديته ” مائة من الإبل , أربعون منها في بطونها أولاد : أي ستون جملاً زائداً أربعون ناقة مرشحة للولادة ”

    كيف يصدر منك قول كهذا إن لم تكن جاهلاً ,,, وهذا هو قولك : “وثمة اجتهاد أيضا يربط قيمة الدية الجديدة بالإبل.. مئة من الإبل.. فإن كان ذلك صحيحا فهذا يعني أن دية الشخص ستكون أعلى من ذلك بكثير “.

    إن كان ذلك صحيحاً ؟؟؟؟!!!!

    يا جاهلاً ضحكت من جهله الأمم.

  6. أيها الصهر الرئاسي نحن في دولة اختلط الحابل فيها بالنابل، أي مسئول يعمل العايزو … ومنو ( ود المرا ) البيقدر يغير كلام المسئول.

    الوحيد الذي يستطيع ان يجعل المسئولين يبلعوا كلامهم هو صهرك البشير.
    قبل فترة – عشان ما تقول انا كضاب – الناس بتناقش تخفيض سعر الغاز، فجعتن كدا قام صهرك قال سعر الغاز ما حيتغير .. و هكذا جميعنا اصطففنا خلف البشير.
    سير سير يالعوير

    يا اخي قيمة الانسان هي الانخفضت فبالله عليك في الأول ارفع قيمتنا كبني آدميين بعدين تعال اتفاصح .. قال دارفور قال. … جريمة القتل ليس لها وطن.
    كدي نسعالك هل سيدفع جهاز الامن دية قتلاه؟ ولا الحساب حيكون عند الله الما بيروح عندو شيء؟؟؟؟

  7. مقال رائع يحوى كل الموضوية و الاستدال بالمنطق و الواقعية – قهل من مدكر ؟؟ لك التحية استاذ محمد لطيف ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..