مقالات وآراء

سلام مع الدعم السريع؟ بين نار الغضب وضرورات النجاة

أواب عزام البوشي

 

في بلد أنهكته الحروب والانقلابات، لا حديث يعلو فوق صوت السؤال الكبير: هل يمكن أن نصنع سلامًا مع الدعم السريع؟ سؤال يقسم الناس بين موجوعين بالغضب، يرون في المصالحة خيانة للضحايا، وبين آخرين يبحثون عن مخرج من جحيم لا يُبقي ولا يذر. بين نار الغضب وضرورات النجاة، يقف السوداني ممزقًا بين حقه في العدالة وخوفه من أن يفقد كل شيء. فهل يمكن للعقل أن يجد طريقًا وسط ركام المشاعر؟ وهل يمكن للسلام أن يكون جسرًا لا تنازلًا؟ في هذا المقال، نحاول الاقتراب من الحقيقة دون مواربة، ونسأل بهدوء: ماذا لو استمرت الحرب؟ وماذا لو توقفت؟ ومن هم أولئك الذين يشعلونها في الخفاء من أجل العودة إلى كراسي الحكم؟

 

*في الحروب لا ينتصر أحد، الجميع خاسرون … وحده السلام يمنحنا فرصة ثانية للحياة والعدالة معًا.*

 

منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، أصبح الحديث عن إمكانية السلام مع الدعم السريع أمرًا يثير الجدل والغضب في الشارع السوداني، إذ يتساءل كثير من الناس بمرارة: كيف يمكننا أن نصنع سلامًا مع من ارتكب الفظائع في حق المدنيين ودمر المدن والقرى وارتكب المجازر؟ أليس من الواجب القضاء عليه لا الجلوس معه؟ هذا السؤال المؤلم يعكس حجم الألم والخذلان الذي يعيشه الشعب السوداني اليوم، ولكنه أيضًا يكشف معضلة كبيرة بين ما نتمناه وما هو ممكن في واقع شديد التعقيد.

 

المطالبة بالعدالة أمر مشروع، بل واجب لا بد من تحقيقه، ولكن هل يمكن الوصول إليها في ظل استمرار الحرب؟ هل القتال وحده يكفل بناء دولة العدالة؟ تجارب العالم من حولنا تعلمنا أن السلام لا يعني بالضرورة مسامحة الجناة، لكنه قد يكون خطوة أولى نحو جمع الأدلة وفتح الباب أمام المحاسبة في ظل دولة قائمة لا دولة منهارة. الحرب لا تبني عدالة، بل تبني فوضى وتفتح الأبواب لتفكك الدولة وتحويلها إلى أرض صراع مستمر.

 

إذا استمرت هذه الحرب، فإن البلاد لن تجني إلا المزيد من الدمار، وستنهار كل ما تبقى من مؤسسات الدولة، وسيستمر القتل والنزوح والشتات، وسيدفع المواطن البسيط الثمن كما دفعه من قبل. أما إذا توقفت الحرب، رغم مرارة السلام، فهناك أمل بأن تعود الدولة وتُعاد بناء المؤسسات، ويمكن أن تبدأ محاسبة قانونية حقيقية، لا انتقام ولا تفلت.

 

وفي خضم هذا المشهد المعقد، لا يمكن تجاهل الدور الخطير الذي يلعبه الإسلاميون، أولئك الذين يجدون في الحرب فرصة سانحة للعودة إلى الحكم من بوابة الجيش والشعبوية الدينية. هم من ركبوا موجة الكراهية وسعوا لإقناع الناس أن الحرب هي الطريق الوحيد للخلاص، رغم أنهم كانوا يومًا من رعوا هذه المليشيات التي يحاربونها الآن. خطابهم لا يسعى لتحقيق السلام ولا حتى العدالة، بل لإعادة تدوير السلطة بأدوات جديدة، مستخدمين الدين كشعار والدم كجسر للعبور نحو حكم استبدادي يتستر خلف القيم التي انتهكوها بأنفسهم.

 

في النهاية، السلام ليس خيانة، والتفاوض ليس تنازلًا عن الحقوق، بل هو أحيانًا الوسيلة الوحيدة لإنقاذ ما تبقى من الوطن، وفتح باب حقيقي نحو العدالة والمحاسبة من داخل دولة مستقرة لا من بين أنقاضها. ربما لا يكون الحل الكامل في أيدينا الآن، لكن خيار الحرب الدائمة هو بالتأكيد طريق إلى جحيم لا نهاية له، ولن يكون النصر الحقيقي فيه إلا للدمار.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. القطران داء الاجرب . أما وقد وقعت الحرب فلتتطهر البلاد و لتتب العباد و ادعو للسلام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..