مثقفون شماليون وجنوبيون يؤكدون متانة الروابط الثقافية بين شطري السودان

أكد عدد من الخبراء في شمال السودان أن انفصال الجنوب لن يؤثر في تغيير الثقافات بين الدولتين، مشيرين الى أن القطيعة التي حدثت بين الشمال والجنوب هي قطيعة سياسية فقط، وأن الوجدان الثقافي بين الطرفين هو وجدان واحد، فيما رأى مختصون جنوبيون أن دولتهم الوليدة على استعداد لأن تأخذ الصالح من الطالح من أي ثقافة إفريقية وعربية وعالمية، ووصفوا الثقافة كالرياح تأتي من جميع الاتجاهات.

وفي حديث خاص لـ"العربية.نت" قال الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور صديق تاور إن القطيعة التي حدثت بين الشمال والجنوب هي قطيعة سياسية فقط، وليس لها علاقة بالروابط والثقافات.

وأكد أن الجنوب ظل على مر التاريخ يتفاعل مع الشمال بشكل عفوي، ولذلك أي محاولة للانكفاء لأي اتجاه تكون مخالفة لحقائق التاريخ ومضادة لحركة المجتمع والتفاعل الوجداني الفطري وأن مسألة الاتجاه ثقافياً لا تتم بالقرارات ولا تحدها الحواجز السياسية.

وأشار إلى فشل التجربة البريطانية لعزل الجنوب عن الشمال إبان فترة الاستعمار، مضيفاً أن ما يحدث الآن ناتج لظروف ستزول بزوال المؤثرات، قائلاً "إن النهر سيجري في مجراه الطبيعي".

ومن جانبه، أوضح ابرهام كوت رياك، من أبناء الجنوب وهو أستاذ بجامعة الخرطوم ومهتم بالثقافة الجنوبية، أن أي ثقافة جاءت عبر شمال السودان على مر التاريخ لم تقف عند الشمال فحسب بل واصلت ودخلت جنوب السودان، مشيراً الى أن الشمال والجنوب كانا تحت رعاية الحكم الثنائي المصري الانجليزي لفترة لا تقل عن 70 سنة واستمرت العلاقة مع الشمال حتى 9 يوليو 2011.

وأشار كوت الى أنه لا أحد ينكر حقيقة الارتباط الثقافي التاريخي بين الشمال والجنوب، وأنهم في الجنوب تربطهم بالشمال روابط ثقافية تاريخية وذلك لأنهم تعلموا في مدارس ومنهج واحد، وأوضح أن معظم القادة في الجنوب الآن هم خريجو جامعة الخرطوم، مبيناً أنه حتى الآن هناك طلاب جنوبيون في الجامعات الشمالية.

وفي ردّه على سؤال حول إذا ما ستتجه ثقافة الجنوب لثقافات أخرى بعد الانفصال، أكد كوت أنه لا اتجاه واحد تأتي منه الثقافة لأنها كالرياح تأتي من جميع الاتجاهات، ولا يمكن أن يحدد شخص ان تأتي الثقافة الجنوبية المستقلة من جهة معينة.

وأضاف في تصريحات لـ"العربية.نت": "نحن مستعدون لأن نأخذ الصالح من الطالح من أي ثقافة إفريقية وعربية وعالمية، نحن كدولة في وسط إفريقيا نجاور ثماني دول بما فيها شمال السودان، فكل من هذه الدول سيكون لها تأثير ثقافي على دولة جنوب السودان سلبياً او ايجابياً، ونحن سنتعامل مع هذه الدول في كافة المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية".

أما الصحافي المتخصص في الشأن الثقافي السوداني محمد الاسباط فيرى أن الوجدان الثقافي بين الجنوب والشمال هو وجدان واحد، وما حدث من انفصال ليس انفصاماً بين شعوب ووجدان وثقافات بقدر ما هو انفصال حدود أو انفصال سياسي.

وأوضح الاسباط لـ"العربية.نت" أن الجنوب ظل يرفد الشمال السودان بتنوع ثقافي أثرى الثقافة السودانية سواء كان من خلال الإيقاع في الموسيقى أو من خلال الصور والأخيلة في الشعر، وقال إن أعظم القصائد التي كتبها أشهر شعراء الشمال، مثل محمد المهدي المجذوب ومصطفى سند، كتبت عندما كانوا في الجنوب، وكذلك الجنوب رفد الثقافة في الشمال بكتّاب كبار أشهرهم السر اناي والكاتب تعبان لوليان وعدد كبير من الكتاب الآخرين.

وأردف: حتى الروائي العالمي السوداني الطيب صالح تجد أن الاثر الجنوبي حاضر في رواياته لاسيما رواية "عرس الزين"، والجنوب كذلك أثرى الوجدان الثقافي السوداني بأعداد لا تحصى من الفنانين والشعراء مثل القاصة والروائية الجنوبية استرلا جديانو، ولا أعتقد أن الجنوب سيتجه لأي اتجاه ثقافي آخر؛ لأن المكونات الوجدانية لا تحددها مسارات السياسة.

ونبّه إلى أن هوية الثقافة السودانية لم تحسم بعد، مشيراً الى أنها معقدة تتداخل فيها عناصر إفريقية عربية وعناصر إسلامية مسيحية وعناصر من الحقبة قبل الفرعونية، لهذا فإن الثقافة السودانية لا يمكن أن نطلق عليها بهذه البساطة ثقافة عربية، وبالتالي لا يوجد ما يؤشر الى أن الجنوب سيتجه الى الثقافة الإفريقية فقط لأنها بالأساس إحدى مكونات الثقافة السودانية.

العربية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..