
أما الكيزان فقد أعلنوا دخولهم بأكثر من سهم وبأسماء مختلفة تفرقت مابين الوطني والشعبي وغيره من توابعهم المعروفة ، وحمل بعضهم شعارات الثورة التي انقلبت عليهم في موقف يدعو للدهشة والعجب !!! .
بحساب المجموعات التي سبق بها الثلاثين من يونيو مقدمه بحملاتها الإسفيرية المكثّفة حول الإستعدادات ، يخال للمتابع أن العاصمة تحوي مليارات وليس بضعة ملايين من السكان ، ولو كانت كل مجموعة سياسية تملك مليونا من الأشخاص في العاصمة وحدها فلماذا يتم تأجيل الإنتخابات ومافائدة الفترة الإنتقالية ؟؟؟ .
مشكلتنا الأساسية أن الوطن في أذهان نخبنا السياسية هو العاصمة المثلثة ، والخرطوم على وجه الخصوص ، أما الأقاليم والولايات فلا أعتقد أن مفاجآتها هذه المرة ستكون سهلة ، وعطبرة بدأت تسخينا فعليا ينذر بخروج هادر.
الصدام حتمي بين المجموعات المختلفة الرؤى والتوجهات والشعارات والضغائن ، والأجهزة العسكرية والشرطية ستجد نفسها في امتحان عسير بعدما اتهمها البعض بالمحاباة لا الحياد ، والدعم السريع سيدخل محكّا لم يسبق له الدخول فيه ، وسيجد نفسه أمام خيارات صعبة ، وغياب جهاز أمن للوطن في مثل هذا اليوم يضعنا أمام محك حقيقي في ظل استباحة بلادنا من مختلف مخابرات العالم ، بينما جائحة كورونا قد تكون الرابح الأكبر من كل هذه المعركة التي يتوقع لها المراقبون أن تشكّل علامة فارقة بين حاضر البلاد ومستقبلها .
تدخّل العقلاء والكفلاء وتفعيل القوانين الخاصة بالاعتداءات قبل قدوم ذلك اليوم رغم ضيق الوقت ، هو السبيل الوحيد لإنقاذ بلادنا من خطر عظيم يبدأ بدحرجة وطننا نحو هاوية أسحق.
المزيد من الشهداء قد يحتويهم هذا اليوم بالرغم من أن دماء شهداء الثورة لم تجف، وقصاصهم ضلّ الطريق حتى الآن ، والجيش يتخوّف الكثيرون من هبوطه الخشن أو الناعم ، فقواتنا المسلحة عودتنا على الإنتفاض علينا ، وغضّ الطرف عن حلايب والفشقة وشلاتين وغيرها مما استحلنا فيه الجيران فلم يراعوا للجيرة حرمة .
بغض النظر عن إعلان الجميع بالخروج في ذلك اليوم ، إلا أن الموضوع في حدّ ذاته فضح الهوة الكبيرة التي تساوي ملايين السنين الضوئية بين الساسة وأشواق الثوار وأحلام السودانيين بوطن مختلف قادم ، فقد توحّدوا في تحدّي بعضهم البعض وفضخ بعضهم البعض ورفع معدل فجورة الخصومة بين بعضهم البعض ، وجماعات اليمين حذفت من مفاهيمها آيات وأحاديث وقيم التسامح في الوقت الذي عزت فيه معاداتها لعمر القراي لحذفه آيات من المناهج ، وجماعات اليسار تجاوزت شعارات الإشتراكية بمختلف مفاهيمها الترابطية في الوقت الذي اتهمت فيه النظام البائد بالإنشغال بالتبعيات والتمكين والصراعات الداخلية وهي تغرق في ذات المستنقع ،والثوار رفعوا شعارات تعارضت كثيرا مع الشعارات التكوينية الحقيقية للثورة (حرية سلام وعدالة) ، والعسكر أمسكوا بتلابيب الثروة والسلطة واستغلوا ضعف المكون المدني فخنقوه بالرغم من تحالفهم الظاهر معه ، والحركات المسلحة لازالت تفاوض لقبض أكبر قدر من الثمن بالرغم من أن قيامها ارتكز على ثمن واحد فقط هو إسقاط النظام لازالة التهميش وتحقيق العدالة ، وقد سقط النظام ولكنهم حوّلوا مطالبات العدالة لهم لاللوطن ، فالكل يريد أن يقبض ثمن ثورة لم يقم بها ولم يساهم فيها ، ولكنه استغلها حينما مرّت بمحطته بينما محركو القاطرة الحقيقيون يلعقون مرارة الإهمال والتهميش.
السنوات الضوئية بين النخب السياسة وآمال وتطلعات وأشواق الشعب تجلت في الحملات الشعبية الطوعية الضارية التي لم يقعدها مطبّ عن العمل على التنمية والاعمار ، ومنها مجموعة المهنيون لدعم السودان وتنسيقية مدراء المستشفيات ، التي تشكّلت من عدد كبير من الأطباء السودانيين الذين أثبتوا تنسيقا رائعا فيمابينهم في مختلف دول تواجدهم ، وبصمت ظلوا ولازالوا يقومون بعمل يستحق الشكر والإشادة والتقدير ، خاصة في ظل جائحة كورونا ، فقد وصلوا تقريبا لمعظم إن لم يكن كل مستشفيات السودان بتوفير ما أمكن من احتياجاتها التي عجزت إمكانات الدولة عن توفيرها بالقدر الكافي رغم ما يعترضهم من مطبات، ولو كنت مكان وزير الصحة لشكّلت منهم لجنة لإمدادات المستشفيات وإدارة حركتها فشكرا للدكتورة هويده وصحبها.
وفي مختلف دول مهجر السودان يقوم السودانيون بالكثير الصامت الذي لا يجد طريقه للضجيج الإعلامي ، ومنها حملة حاضر ياوطن التي يقوم بها سودانيو الإمارات ، وتجربة بث وطني التي يبشّر شكلها الفنّي ورؤاها المطروحة بتجربة إعلامية وطنية رائدة في طريق الثورة الإعلامية القادمة لو لم تنحرف عن نهجها المطروح .
اجتماع حمدوك بلجان الثورة فاتحة خير للكثير ونهج أتمنى أن لايحيد عنه ، وساستنا جميعا بمختلف توجهاتهم يحتاجون جلسة صادقة مع أنفسهم ومع الثوار ، فلا أحد يملك سببا مقنعا لمعاداة الآخر ، وإبعاد النعرات العقدية عن الصراع السوداني في الوقت الحالي ، والتركيز على الحد الممكن من توافق مختلف الأطراف حول التنمية ، هو مفتاح الخلاص ، فالتفكير الإنفعالي العدواني أو التآمري المسبق في عقول الساسة سيقودنا نحو مزيد من التعقيد لو لم يتم استبداله بمفاهيم مختلفة تنادي بالحرية والسلام والعدالة مهما كان ثمنها مؤلما ، فبلادنا تحتاج التوافق لا التنافر ، وخلافاتنا ذادتنا ضعفا وجعلتنامستباحين من الصديق والعدو والقريب والبعيد.
مليونيات 30 يونيو من الممكن أن تكون درسا جديدا من الدروس النادرة العظيمة التي يمنحها الشعب كمناهج عالمية محمودة لو تحول الخلاف للنقيض، وتوحّدت الشعارات كلها إلى شعار (معا نحو سودان جديد بمفاهيم الحب والتسامح والعدالة(، فالتوافق هو مانحتاجه ، والوطن ملك للجميع وليس حكرا على جهة دون أخرى ، ومكتسباتنا من الحرية يجب أن يلحق بها قطارا السلام والعدالة ، وهما لايحتاجان شروطا مسبقة ، وعلى من يتفاوضون حول السلام العلم بأن الشعب السوداني يدرك أن كلمة سلام لاتناسب وصف مايقومون به ، فالسلام يحتاج إيمان ورغبة وتطبيق وتضحيات لاعوائق واشتراطات ، وأن مايحدث الآن باسم السلام هو في حقيقته اتفاق حول تقاسم الثروة والسلطة بين من لايملكون ومن لايستحقون .
الوطن لايحتاج مجموعات تتفاوض حول الغنائم ، ولكنه يحتاج مجموعات تعمل ، والمجموعات التطوعية من الأطباء وغير الأطباء في مختلف أنحاء العالم ، بدأت عملها بعفوية وتلقائية دون مفاوضات ودون ضجيج ، وأنجزت حتى الآن مالم تنجزه تلك المجموعات التي تتفاوض باسم السلام ، السلام لايحتاج تفاوض ، ولا يوجد شخص يملك السلام ويحتكره حتى يتم التفاوض معه عليه ، فليستيقظ الجميع ويبدأوا عهدا جديدا قبل أن يحول الموج بينهم وبين مايسعون إليه.
الطوفان دون شك قادم في كل الأحوال ، وعالم مابعد كورونا لن يكون كما كان من قبل ، وبلادنا أمام مفترق للطرق ، ولو أردنا لوطننا أن يكون وأحلامنا برفعته أن تتحقق ، فليس أمامنا غير طريقين ، إما أن يغيّر ساستنا مفاهيمهم وسلوكهم ، وإما أن يفور التنور ويحول الموج مابينهم وبين السلطة والشعب ، وقد بلغت
[email protected]
من اصدق واجمل ماقرات اليوم نسال الله ان يجنب السودان الفتن