المتحولون سياسياً.. حسن إسماعيل نموذجاً

تقرير: خالد أحمد

وجهه يتصبب عرقاً، وقف قبل عامين الكادر الخطابي للمعارضة حسن إسماعيل مخاطباً الجماهير يحرّضهم على الثورة ضد حكومة الإنقاذ، فنال رضا المعارضة وسخط الحكومة، وقبل يومين وقف ذات الحسن ولكن وجهه كان أكثر إشراقاً وخطابه لم يفقد حماسه بعد أن تحولت هويته من القيادي المعارض المناضل إلى الوزير حسن؛ وبين المنصتين تحول الرجل ـ بخفة الفراشة، وبكل سلاسة ـ في موقفه السياسي فنال رضا الحكومة وسخط المعارضين.
حسن إسماعيل لم يكن أول المتحولين سياسياً؛ حيث سبقه سياسيون كُثر متخذين منهج تبديل المواقف السياسية بشكل حاد منهاجاً، أغلبهم جاء من صف المعارضة إلى صف الحكومة، لكن، وبالمقابل، هناك ما حدث لهم العكس؛ تحولوا من الاصطفاف الحكومي إلى الاصطفاف المعارض فتحولت خطاباتهم، وأولهم قادة الشعبي الذين تمايزوا عن الوطني فاختلف الخطاب والوسيلة، ومن (الإصلاحيين الآن) ـ بعد أن كانوا يفدون الإنقاذ بالدم ـ ها هم يدخلون السجون من أجل ندوة في موقف كركر.

النموذج الآني، حسن إسماعيل الذي كان يقول قبل عاملين في تسجيلات لم تسقط من ذاكرة اليوتيوب أن “الانقاذ لا يمكن أن تتبدل ولا العقلية التي تدير بها الأشياء” متهماً الحكومة بسرقة أموال الناس بالباطل، وقائلاً أن دماء شهداء سبتمبر لن تذهب هدراً؛ وقف أول أمس ذات الحسن ليقول (زهدت فيما هو مطروح في المعارضة، وإذا وقفنا مع القوى المطروحة كبديل فسنأتي بعبء أكبر على المواطن).
وزاد إسماعيل أثناء حديثه في ندوة المبادرة المجتمعية لإسناد الحوار الوطني بميدان الأهلية بأمدرمان مهاجماً قوى المعارضة بقوله “إن قادتها في أحداث سبتمبر أغلقوا الصالونات عليهم واقترحوا رئيساً للسودان عمره (70) عاماً”، وحذر المعارضة من تكرار تجربة نيفاشا وميثاق أسمرا.
وقال الوزير، إن أي سياسيّ لديه تفكير استراتيجي لا يتحالف مع أي نشاط عسكري، وتابع “هناك من لا يعون الدرس، ذهبوا وتحالفوا مع الجبهة الثورية”، وأشار إلى أنه عندما تحالفت المعارضة مع الحركة الشعبية وحدثت التسوية السياسية أعطت الحركة الأحزاب ذات الثقل الجماهيري 14% فقط من السلطة.
حسن كان يقول في خطاباته السابقة إن الحكومة فشلت في تقديم أي شيء، واصفاً وزراء الحكومة بولاية الخرطوم في ندوة مسجلة بـ”غنم إبليس”، وأن ليس هنالك أزمة بديل، عاد بالأمس في ثوبه الخطابي الجديد ليقول (إذا قيادات المؤتمر الوطني أخذت إجازة ثلاث سنوات في ماليزيا وتركت الحكم للمعارضة فإنها لن تستطيع توفير الكهرباء للقصر الجمهوري)!، فخلال عامين ـ عند حسن ـ لم تكن لديه مشكلة بديل، أما الآن، وبلسان الحال، لا بديل للإنقاذ إلا الإنقاذ.

تبدّل المواقف
البعض يقول إن المراقب لحسن إسماعيل خلال مشاركته السياسية لم يندهش من تبدل خطابه السياسي؛ حيث لم يكن هذا التحول هو الأول، فبعد انشقاقه مع مبارك الفاضل ومشاركة الرجل في الحكومة كان حسن من ضمن المشاركين وتولى مناصب في الحكومة، وبعد خروج مبارك من الحكومة كانت علاقات حسن بفاعلين في الحكومة قد تعمقت بعد أن وجد الباب مغلقاً أمامه للعودة لحزب الأمة بقيادة الإمام الصادق، في حين أن مبارك الفاضل رُفِع عنه الغطاء. بعدها تحول حسن إسماعيل لكاتب صحفي وزاد من حدة خطابه السياسي المعارض للنظام ووجد في أحداث سبتمبر فرصةً لاستعادة أمجاده ولإعادة إنتاج نفسه والتخلي عن ماضيه المشارك في السلطة ليرفع من أسهمه في المعارضة، وكانت الحكومة تنظر إليه باعتبار أنه يمكن أن يُستَمال لصفها خاصة وأن جينات المشاركة لا تزال تجري في دمه.
المصادر تقول إن حسن وجد طريقاً لحزب الأمة بزعامة الصادق الهادي عبر وساطة قام بها أحد ناشري الصحف، وعند اقتراب تشكيل الحكومة رفع الصادق الهادي اسم حسن إسماعيل ضمن وزراء حزبه للمشاركة في السلطة، وفي أول الأمر رفضت بعض الدوائر في الحكومة ولكن بعد حين وجدوها فرصة لضرب المعارضة ـ وخاصة الشباب ـ في مقتل؛ فمن كان يقود الاحتجاجات ويدعو لإسقاط النظام سيصبح وزيراً في ذات النظام، لتخرج المفاجأة بأن حسن إسماعيل مشارك في حكومة ولاية الخرطوم.

عندما يدافع حسن عن نفسه يقول خلال لقاءات صحفية سابقة إنه يريد أن يذهب في اتجاه تنفيذ كثير من الذي يقوله، وأن الفرصة قد حانت لكي يكون لاعباً تنفيذياً وعملياً في الميدان، رافضاً وصفه بالـ”انتهازي”، حيث اعتبرها تهماً مكرورة وممجوجة وتُقال هكذا بلا حيوية، والأذن السياسية السودانية ملّت من سماعها. وأضاف في حوار مع الرأي العام “لا أرى أن هناك منفعة شخصية تعود عليَّ من هذه المسألة، بل العكس، فعلى المستوى الشخصي أنا سأتضرر كثيراً جداً، وأنا كنت أكتب ببراح شديد ومن المساطب والآن وُضِعت في زاوية ضيقة جداً. وأنا لا أرى أن هناك انتهازية لكن الذي يريد أن يقول هذا فهو حُر ولن يضيق صدري إن شاء الله”.

حاكم .. من الحركة للأصل

من المتحولين سياسياً أيضاً القيادي بالاتحادي الأصل محمد المعتصم حاكم، والذي كان فيما مضى قيادياً معارضاً في صفوف الاتحادي ليتحول للحركة الشعبية مقرّباً من ياسر عرمان؛ خاض الكثير من المعارك عقب عودة الحركة للخرطوم وأصبح قيادياً بارزاً في قطاع الشمال. وبعد أن حدثت “الكَتمَة” وعادت الحركة للبندقية في جنوب كردفان والنيل الأزرق؛ خرجت للإعلام صورة لمعتصم حاكم وهو يقبل يد مولانا محمد عثمان الميرغني معلناً عودته لحزبه وخروجه من الحركة.
داخل الاتحادي لم ينحاز حاكم للجناح الرافض للحوار مع الحكومة بل أصبح قيادياً في تيار التقارب من الوطني وشارك في الانتخابات الأخيرة وأصبح نائباً برلمانياً ومقرباً من المؤتمر الوطني، ويشارك هذه الأيام في الندوات الجماهيرية للمؤتمر الوطني داعياً للحوار والتسوية السياسية بعد أن كان حاكم فيما مضى يدعو لاقتلاع النظام، ليس بالسلم فقط وإنما بالقوة أيضاً.
كمال عمر… من الإسقاط للحوار
بعد أن كان الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر يوصف بالمدفع طويل المدى لقوى المعارضة؛ حيث كان يوجّه نيرانه ليل نهار صوب المؤتمر الوطني خائضاً معه معركة “السكاكين الطويلة”، وعقب فتح حوار الوثبة واتجاه المؤتمر الشعبي للحوار؛ كان كمال عمر يستشعر ضرورة تغيير الخطاب فبدأ تدريجياً في سحب المفردات الغاضبة تجاه المؤتمر الوطني، وأصبح يُلَمِّح فقط إلى أن وَصَل لمرحلة غض الطرف عن انتقاد الوطني.
عمر لم يكتفِ بهذا بل بدأ في قيادة هجوم مضاد تجاه قوى المعارضة وأنشطتها السياسية، حيث علّق على نداء السودان بأنه لا يسوى الحبر الذي كُتب به، بجانب انتقاده لقوى الإجماع الوطني الذي كان جزءً من قيادته، بجانب رفضه من خلال تمثيل حزبه في لجنة 7+7 بأن يتم الحوار مع قوى المعارضة ـ التي كان جزءً منها لوقت قريب ـ بالخارج، مطالباً لها بالعودة والدخول في الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس البشير.
السياسة… ضد الثبات
المحلل السياسي محمود إدريس يقول أن رمال السياسة متحركة ولا تحكمها المبادئ والعواطف، وأضاف في حديث لـ(السوداني) إن السياسة في السودان تحكمها العواطف لذلك يأتي الغضب عند التحول السياسي، مشيراً إلى أن محاكمات شعبية قد تكون من الناس تجاه القادة الذين كانوا يقدّمون لهم خطاباً سياسياً ومواقف تحولوا عنها لصالح الحكومة، وهذا ما يصيب الناس بخيبة أمل ويجعلهم لا يثقون في القادة السياسيين.

تعليق واحد

  1. الزول ده بكون قال لى ناس المؤتمر الوطنى : ياعالم تقرمشوا فى العضم ده براكم ادونا كده معاكم ..بتخنقو .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..