ملحمة 6 أبريل .. مواكب تحوّلت إلى اعتصام .. غيّر وجه التاريخ

إبراهيم سليمان
تتفق أغلب مراصد التوثيق للثورة ديسمبر المجيدة ، في أنّ شرارتها انطلقت من مدينة مايرنو بولاية سنار في 6 ديسمبر 2018م ، حين خرج طلاب المدارس في تظاهرات جابت المدينة احتجاجاً على انعدام رغيف الخبز وضيق المعيشة نتيجة الفساد والعزلة الدولية ، وسرعان ما طارت شرارتها إلى المدرسة الصناعية الثانوية بمدنية الدمازين في يوم 13 ديسمبر ثم الفاشر يوم 16 ديسمبر ثم خرج تلاميذ المدارس في تظاهرة عارمة في عطبرة يوم 19 ديسمبر ، انحاز إليها الأهالي ، وارتفعت لأول مرة شعارات سياسية تنادي برحيل النظام ، وكان الهتاف الأبرز حينها “شرقت… شرقت … عطبرة مرقت” . التكملة صفحة
توالت التظاهرات منذ ذلك التاريخ ، وطفقت كرة الثورة تكبر والمواكب تتضخم ، سيما في العاصمة الخرطوم.
استشهد خلالها شباب شجعان، واستبسلت المواكب بغضب متعاظم ، استمرت لمدة 107 أيام ، تحت تنظيم واشرف تجمع المهنيين السودانيين ، إلى أن استشرفت ذكرى انتفاضة 6 رجب/أبريل/1985م التي أطاح بالنظام المايوي ، بقيادة الدكتاتور جعفر نميري.
استجابةً لإعلان مسبق من تجمّع المهنيين السودانيين ، في يوم السبت السادس من أبريل 2019م ونجحت مواكب المتظاهرين في الوصول إلى بوابة القيادة العامة القوات المسلحة ، بعد اقتحام الثوار بيت الضيافة ، وعلت هتافاتهم مطالبين بتنحي السفاح البشير، وبالحرية والسلام والعدالة ، كما طالبوا الجيش بدعمهم وبالانحياز لمطالبهم.
بعد هذا الاختراق الثوري ، طالب تجمع المهنيين والقوى المتحالفة معه في المعارضة ، الجيش السوداني بالانحياز للشعب ، وسحب ثقته من البشير ونظامه ، والاضطلاع بمهامه الدستورية في حماية البلاد وشعبها.
رغم أنّ الخطة كانت معلنة بالتوجه لبوابة القيادة العامة للقوات المسلّحة ، كانت المفاجأة للسلطات القمعية ، أن طالب تجمع المهنيين في بيان تاريخي له “آن الأوان ألاّ نعود حتى يتنحى البشير ، داعيا الثوار ألاّ يبارحوا ساحات شارع القيادة العامة ، قائلا “فقد حررتموها بعزيمتكم وصبركم وإرادتكم التي لا تلين”. كما ناشد البيان السودانيين في الولايات المختلفة إلى تنفيذ اعتصامات تزامنا مع اعتصام القادة العامة.
وأمام ساحة القيادة العامة للقوات المسلّحة ، هتف الثوار بحناجر واثقة “الليلة ما بنرجع إلا البشير يطلع” وسط تفاعل لافت من قوات الجيش دفع النساء للزغاريد والرجال للهتاف “جيش واحد شعب واحد”.
وظهرت قيادات سياسية في ساحة الاعتصام منهم الإمام الراحل الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي ، وإبراهيم الشيخ القيادي في حزب المؤتمر السوداني ، إلى جانب نجم نادي الهلال والمنتخب القومي لكرة القدم هيثم مصطفى ، الذي حمله المحتجون على الأعناق.
أمام القيادة بدأ حجم الموكب يظهر للعيان وهو يمتد لأكثر من كيلومتر من الشمال إلى الجنوب على الشارع المطل على القيادة العامة للجيش من مستشفى الأسنان وحتى كوبري (جسر) النيل الأزرق المؤدي للخرطوم بحري ومن نفق جامعة الخرطوم شرقا وحتى مشارف بري غربا.
يوم الجمعة الخامس من نيسان/ أبريل ، سيطرت حالة من القلق والترقب والانتظار للموعد المضروب عند الساعة الواحدة ظهرًا من نهار السادس من نيسان/ أبريل لاقتحام القيادة العامة وفق الخطة التي رسمها تجمع المهنيين السودانيين ، والمحددة والمعلن عنها مسبقًا.
وأقدمت السلطات صباح ذات اليوم على تقييد حركة المواصلات العامة ومنع حافلات النقل من عبور الجسور ، وأوقفت بعضها في ذلك اليوم بمنطقة أم درمان وهي في طريقها إلى الخرطوم ما دعا أصحاب المركبات الخاصة لنقل المواطنين لداخل الخرطوم.
شارك في هذه الملحمة التاريخية ، موكب السبت السادس من أبريل 2019م ما يقّدر بأكثر من 500 ألف شخص ، شاركوا من العاصمة إلى جانب الآلاف من مدن ود مدني والمناقل بولاية الجزيرة وكردفان وكسلا وخشم القربة بولاية كسلا ، حيث مسقط رأس المعلم أحمد الخير الذي استشهد تحت التعذيب قبل أسابيع من هذا التاريخ على يد عناصر الأمن.
كذلك ، بمناسبة هذه الذكرى العطرة للشعب السوداني ، خرجت مواكب مماثلة في ربك وكوستي بولاية النيل الأبيض وبورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر ، فضلا عن تظاهر الآلاف من نازحي معسكر كلما في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.
خلال هذا اليوم المفصلي في تاريخ صورة ديسمبر المجيدة، حاولت عناصر الشرطة والأمن مساء إعادة السيطرة على شارع القيادة العامة ، بإطلاق المزيد من الغاز المسيل للدموع لكن دون جدوى ، فقد “ذاق المحتجون أول طعم للانتصار” وسط دموع الفرح منذ اندلاع المظاهرات في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبعد انجلاء موجة إطلاق الغاز المدمع الأخيرة أمر الجيش قوات الشرطة والأمن بالكف عن إطلاق الغاز ، كما وفر الجيش سقيا للمحتجين من داخل القيادة ، فقد كان يومهم طويلا وقاسيا مع ارتفاع درجة الحرارة.
هكذا شهد التاريخ على وقائع وتفاصيل ملحمة نضالية سلمية مشّرفة في تاريخ شعبنا الأبي ، ليضاف إلي سلجه الحافل بالبطولات.
يعني الثورة بدأت من الهامش ثم تسلقها تجار السياسة و استولوا عليها همبتة و حمرة عين