ملعقة سلام

تبادلنا تهانينا وأمانينا الطيبة بأن يعود العيد علينا وعلى بلادنا وهي تنعم بالسلام والأمان والتصافي والتعافي وتنهض وتستقر، هذه الدعوات والأماني ومثلها من الكلمات الرنانة والعبارات المموسقة التي تفيد نفس المعنى وتعبر عن ذات الشعور المنطوق، نكررها ونعيدها ونستهلكها في كل عام، لكن العيد يأتينا ويعود علينا في العام التالي ليجدنا أكثر اختلافاً وخصومة، وأشد احتراباً وأبعد مسافة من تحقيق معانيها ومن أحلام بلادنا بتحقيق النهضة والبناء والانطلاق.
هل تلك الأماني كاذبة مثلاً..؟ أم أننا نفتقد الوعي المطلوب لتحقيقها..؟ وعي الحكومة بأن التنازلات لمصلحة السلام ليست انهزاماً واستسلاماً، ووعي المعارضة وحملة السلاح بأن مشروعهم المعلن لإسقاط النظام هو في واقعه ونتائجه الواضحة للجميع يمضي ويتجه لإسقاط البلاد وإردائها قتيلة، وإسقاط الدولة في مستنقع الفشل والانهيار وليس إسقاط النظام.
لقد صرنا مثل عجوز مصاب بكل أمراض الدنيا ولا يملك سوى ذاكرة خربة يحدث بها مجالسيه عن بعض حكايات شبابه وبطولات صباه.. يحكي بلغة لا يفهمونها ويقدم لهم معلومات لا يهتمون بصحتها، لأن العبرة بالنتائج الظاهرة أمامهم.. نحكي لهم ونقص عليهم بداياتنا كدولة كان أجدادهم قد افترضوا لها النجاح والتقدم، ثم نعود سريعاً وقبل نهاية القصة لنعتذر عن واقعنا ونهايات تلك البداية.
نتحدث بلغة (كانوا وكنا).. ونتغنى بها وبتاريخ قديم نحكي لهم به.. نتباهى لمن لم يكن يمتلك تاريخاً مثله لكنه يمتلك الآن حاضراً باهراً مبهراً ناجحاً ومنطلقاً للأمام..
إجابة سمعتها من بروفيسور غندور في مقابلة تلفزيونية على فضائية النيل الأزرق ثاني أيام عيد الأضحى، رداً على سؤال من محاوره الذي طلب منه كطبيب تحرير روشتة قصيرة لعلاج مشاكل السودان، فقال إنه سيكتب فيها كلمة واحدة هي (السلام ).
نعم.. كل أمراض السودان علاجها السريع والفعال معبأ في قارورة واحدة صغيرة بل ربما جرعة واحدة منها تكفي تماماً لإزالة المرض.. ملعقة كبيرة من (السلام )..
إما أن نصدق في إحساسنا مع أنفسنا ونحقق السلام ونوقف الحرب بلا تعنت ولا ابتزاز ولا شروط حتى يبقى لنا ما بقي من هذا السودان وننطلق به نحو الأفضل. وإما أن نصدق معها أيضاً ونعكس حقيقة مشاعرنا بأننا لا نريد هذا السلام لو كانت هذه هي الحقيقة، ونمتنع فوراً عن ترديد التهاني والأماني الطيبة.. وتبادل الأمنيات بالخير واليمن والبركات.
سيعود علينا العيد في كل عام ونحن أسوأ من حالنا لو لم يتحقق السلام.. ثم لن يصبر أحد في هذا العالم على الاستماع لخطرفات تاريخ لم نحافظ عليه.. تاريخ صرنا نحتاج لأن نقسم لهم بالله العظيم أنه تاريخ صادق.. وأنه كان.. وكنا.. قبل أن لا نكون.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..