الحضارة الكوشية – المروية وديمقراطية الهرم

بروفيسور عبدالرحيم محمد خبير*

أثارت المكتشفات الأثرية الأخيرة للبعثة الفرنسية العاملة في السودان برئاسة الدكتور كلود ريلى وبخاصة الأهرامات الجديدة والتى إكتشفت بموقع صادنقا بشمال البلاد وبلغ تعدادها خمسة وثلاثين هرماً، بعضها صغير للغاية لا يتعدى طوله 30 بوصة فقط (جريدة الصحافة،العدد7013: 12؛ 9 فبراير 2013م)، كثيراً من التساؤلات حول ماهية الهرم فى الحضارة الكوشية-المروية. وأعاد الحديث عن الأهرامات التى أماطت اللثام عنها البعثة الفرنسية بالسودان، مقال للطبيب والباحث النشط فى الدراسات النوبية الدكتور صابر عابدين أحمد موسوم بـ “مفاجأة بالنيويورك تايمز …… حضارات السودان العريقة: مروي برمنجهام السودان وديمقراطية الهرم” (جريدة الصحافة، العدد7069: 6؛أبريل2013م).

ومما شد إنتباهى فيما يخص أهرامات السودان ما ذكر منسوبا للباحث الفرنسى كلود ريلى من أن الأهرامات وإقتنائها كانت ظاهرة عامة فى المجتمع الكوشي- السودانى إبان الحضارة المروية. وكآثاري متخصص(Archaeologist) وأولى الدراسات السودانية وبخاصة الكوشية ? المروية إهتماماً خاصاً سيما وأن تمثل ذروة إذدهار الحضارة السودانية في العصور القديمة، فمقولة الدكتور كلود ريلى بمشاعية الأهرامات فى تقديرى تجافى الحقيقة والواقع.

ولاعطاء القارئ الكريم صورة متماسكة عن الأهرامات السودانية وقبل تفنيد مقولة ما سمى بـ “ديمقراطية الهرم”، لا بد من التنويه بأن وحدة الدولة فى الأزمنة القديمة بوجه عام كانت تعتمد فى تماسكها على نظم ومفاهيم سلطوية تتجسد بشكل جلى فى عدد من المنشآت الضخمة التى تومئ إلى أبهة الملك وعظمة السلطان. وإذا كان هذا هو الحال، لا غرو أن كانت أبرز المعالم المعمارية والسلطوية لممالك وادى النيل (مصر والسودان) القديم.

ونلحظ أن أقدم الأهرامات فى وادى النيل والعالم القديم بدأت بهرم الفرعون زوسر من الأسرة الثالثة للدولة المصرية القديمة (2686-2613 ق.م) ويعرف باسم “هرم زوسر المدرج” فى سقارة (25 كم جنوب مدينة القاهرة) والذى يعتبر أكبر أثر كبير قائم بذاته شيد كله من الحجر. أما فى السودان فقد ظهرت الأهرامات لأول مرة فى عهد مملكة كوش (مروي) فى القرن السابع قبل الميلاد. بيد أن بعض علماء الآثار على رأي مؤداه أن الملك بعنخي (بيي)(751-716 ق.م) ربما كان أول الملوك السودانيين الذين دفنوا داخل هرم على هيئة مصطبة. لكن الرأى الأرجح أن أول هرم مروي يعود للملك تهراقا (690-663 ق.م) وقد تم بناؤه فى نوري ويعتبر من أكبر المبانى المعمارية فى السودان القديم، حيث يصل إرتفاعه إلى (50) متراً. ويبلغ عدد المنشآت الهرمية فى الدولة الكوشية ? المروية ما يزيد عن المائتين (235 هرماً) فى حين أنها تربو عن السبعين (78 هرماً) فى مصر القديمة.
والجدير بالذكر أن ثمة فروق واضحة للعيان بين الأهرامات السودانية ونظائرها المصرية سواء من ناحية المعمار الهندسى أو المكان أو المادة المستخدمة فى البناء أو حتى فى الغرض الذى بنيت من أجله مما يشير إلى نظامين حضاريين متباينين.

ولعل من أبرز أوجه الإختلاف بين الأهرامات السودانية والمصرية أن الأخيرة شيدت جميعها في الضفة الغربية لنهر النيل لإعتقاد قدماء المصريين أن مملكة الموتى تقع فى هذا الجانب من النهر. وسبب آخر وهو عدم وجود عوائق طبيعية فى هذه الضفة لا سيما وأنها منطقة مسطحة ويسهل الوصول إلبها بواسطة عمال البناء من الأودية المجاورة. ومن الناحية الهندسية نجد أن زاوية الميل للهرم السودانى ما بين ( 75ْْ-ْ65) فى حين أنها فى نظيره المصري تتراوح ما بين ( ْ55- ْ50). كما وجد أن الأهرامات السودانية معظمها مبنى من الحجر النوبي الرملى فى حين أن المصرية بنيت كلها من الحجر الجيري. وتشمل الأهرامات السودانية النماذج الموجودة فى الإقليم الشمالى للبلاد وبخاصة فى منطقة جبل البركل، نورى والبجراوية.

من الملاحظ أن الوظيفة الأساسية التى بنيت من أجلها الأهرامات، لدفن الموتى من الملوك لدى الفراعنة المصريين، بينما خصصها السودانيون للملوك والأمراء وعليه القوم. فالعدد الكبير نسبياً للأهرامات السودانية (235 هرماً) مقارنة بنظيراتها المصرية (78هرماً) لا يوحى البتة أنها كانت متاحة لكل أفراد المجتمع الكوشى- السودانى فى ذلك الزمان مقارنة بعدد السكان الذى يقدر ببضعة ملايين فى مملكة مروي. هذا من ناحية، ومن جهة ثانية فالغالبية العظمى من السكان لا علاقة لها بفلسفة بناء الأهرامات وشعائرها المعقدة. وإذا لم يكن الحال كذلك، لعثر علماء الآثار على مئات آلاف الأهرامات وليس)235) نموذجا فقط على إمتداد وادي النيل الجنوبى ولأصبحت مقولة “ديمقراطية الهرم” حقيقة ماثلة للعيان. أما العدد الضئيل للأهرامات الصغيرة للغاية والتى ? كما ذكر كلود ريلى ? تصل في أحجامها إلى بضعة بوصات ولم يحدد عما إذا كانت وجدت بداخل مدافن وبالتالى تعتبر جزء من الأثاث الجنائزى (Grave goods) أو مركوزة فى الأرض جنباً إلى جنب مع الأهرامات الكبيرة والمتوسطة ذات الأحجام المعروفة (يتراوح طول قاعدتهـا بين “7-14” متراً وإرتفاعها يختلف وهو فى المتوسط بين (12-20 متراً) لهدف شعائري أو ربما صنعها بعض الصبية تقليداً للأهرامات المتوسطة والكبيرة بغرض اللهو واللعب وتزجية أوقات الفراغ.

ومهما يكن من شأن، وإستناداً إلى ما تم إيراده آنفاً من طبيعة للأهرامات وأسباب بنائها وإنتشارها فى وادي النيل الجنوبى (السودان)، فإن من الواضح أنها لم تكن ظاهرة عامة يتساوى فيها جميع أفراد الشعب الكوشي (السوداني). لا ريب أنها كانت لصفوة المجتمع، فإستخدام الطرق والوسائل لبنائها بمنظور ذلك الزمان يحتاج إلى إمكانيات ومجهودات لا تتوفر لعامة الناس،علاوة على أن معظم هذه الأهرامات كبيرة ومتوسطـة الأحجام بنيت ? كما يستبان من أسلوبها وتفاصيل معمارها- لغرض دينى شعائري لعلية القوم (ملوك وأمراء ونبلاء). والله المستعان.(من أرشيف الكاتب).

تعليق واحد

  1. فكرة دفن الموتي تحت هرم هي نوبية وإتجهت هذه الفكرة شمالً ليقلدها الفراعنة بأحجام أكبر ؟؟؟ والشعب المصري العربي المسلم الموجود حالياً ليس له علاقة بالفراعنة الذين أندثرت حضارتهم بسحنتهم ولغتهم وعاداتهم ؟؟؟ والإعلام المصري يروج الي أن المصريين فراعنة وفكرة الإهرامات لهم ؟؟؟ والإعلام السوداني خجول ومنزوي لا يحب التفاخر بحضارة النوبة التي لغتها الي الآن يتحدث بها آبائنا وأمهاتنا في حلفا ودنقلا وغيرها ؟؟؟ ولا زالوا يزخرفون أبواب بيوتهم بالحروف الهيلوغرافية ؟؟؟

  2. “أثارت المكتشفات الأثرية الأخيرة للبعثة الفرنسية العاملة في السودان برئاسة الدكتور كلود ريلى”
    بروفيسور عبدالرحيم محمد خبير وكآثاري متخصص(Archaeologist)
    النخبة السودانية وادمان الفشل
    ————-
    الدكتور كلود ريلى ياتي يأتي من فرنسا لكتشف اهرامات وآثار في السودان..كلام مقبول عالميا
    بروفيسور عبدالرحيم محمد خبير السوداني( والمكتشف دكتور فرنسي) يتفه الاكتشافات ويمسحها بالأرض …كلام في السودان فقط..
    المحصلة:-
    النخبة السودانية وادمان الفشل

  3. This is a NUBA civilization and by any means they are not arabs, however the Sudanese now are claiming to be arabs so they simply have no connection what so ever to this historical great civilization I wonder how a nation can achieve prosperity without strong foundations this why Sudanese are lost and without a clear identity or pride.

  4. من أى مصدر أتى إبن السودان البار بمفولة أن دفن الموتى تحت هرم كانت فكرة نوبية ؟!!
    المعروف أن هرم (جوسر أو زوسر) المدرج كان أول هرم وكان مهندسه وبانية هو أمحوتب الذى الهوه فيما بعد ومازال الأوربيين مشدوهين بهندسته .
    قبل زوسر كان المصريين يدفنون موتاهم تحت قاعدة عرفت بإسم (مصطبة)أما فى النوبة فقأول هرم بناه تهراقا كما ذكر د. عبد الرحيم

  5. القرن السابع والثامن أقدم من القرن الثالث … بتمشي تنازلي من الرقم الكبير للصغير لتصل الميلادي. وفي كل الاحوال هناك مدراس تقول بوحدة الحضارتين بمعنى انها حضارة واحدة تخص النوبيين … وانا هناك غرض ما في تسميتها بالحضارة المصرية القديمية والاخرى السودانية أو النوبية ، علماً أن كلمة السودان نفسوا ظهر مع الاستعمار .

    تحياتي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..