صحفيون تحت الطلب

طه يوسف حسن . جنيف

جنيف المدينة التي لا تعرف الأسرار

عندما تكون الكتابه نابعة عن توجه شخصي، فالطرح لن يتعدى، بالتأكيد، محاولة لإبراز ما يشوه بعض الواقع ويضفي عليه عباءة المؤامرة. وعندما يكون الكاتب مسترزقا من صفحات العديد من الصحف و يقدم نفسه كاتب محايد بالتأكيد إنها تصب في هوامش مهنته و مهمته وليس في صلبها.

الكثير ممن امتهن الصحافة في هذه الأيام يحتاج الى كيفية« غنغنة الغين» و«قلقلة القاف» للنطق السليم لأن الصحافة “هى خلاصة المخزون الادبي وزبدة المعرفة العلمية وجملة التجارب الحياتية التي تترجمها أقلامنا الى كلمات تطرق أذهان القاري فأما أن تصيبه بفيروس يعطل أنشطته الدماغية أو أن تصبح مادة دسمة تساهم في ترقية وتنمية أفكاره” فالكلمات التي نستخدمها كالثياب التي نرتديها يجب الا تظهر أفكارنا في ثياب رثة بالية; (من لا يحمل جرثومة الكتابة لا يطرق باب الصحافة).

في جنيف المدينة التي لا تعرف الأسرار تكشفت حقائق وتأكدت آخر الوفود السودانية التي تأتي الى مدينة المجتمع الدولي بحجة المشاركة في مؤتمرات و أنشطة الأمم المتحدة و المنظمات المتخصصة التابعة لها لم تكتفي بحضورها الكمي الذي يفتقر إلى التمثيل النوعي ولم تستحي من الحضور بإعداد غفيرة ترهق كاهل خزينة الدولة بل تعد الأمر إلى دعوة صحفيين لمرافقة تلك الوفود إلى جنيف بحجة المشاركة في دورات مجلس حقوق الانسان و من سخريات القدر أن الصحفيين الذين يرافقون الوفود يتحصلون على معلوماتهم الخاصة بعمل و أنشطة مجلس حقوق الإنسان من الوفد السوداني الذي يرافقونه و يقرؤون أوضاع حقوق الانسان حسب روايات مسؤولي الملف و يكتفون بإجراء حوارات مع مسؤولي الملف بالبعثة السودانية المعتمدة لدى الأمم المتحدة بجنيف و بعض المسؤولين الذين رافقوهم في الطائرة من الخرطوم إلى جنيف ليكون الناتج حوار سوداني مع مسؤول سوداني حول شأن سوداني في أرض محايدة ( بضاعتنا ردت إلينا) الصحفيون الذين ترددوا على جنيف بحجة المشاركة و الإنفتاح على المجتمع الدولي لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة الغائبة يكتفون بما يقوله لهم دافعي تذاكر السفر وغرف الفنادق من معلومات.

ظاهرة استخدام الصحفيين كمرافقين من أجل نقل نشاطات المسؤولين السودانيين الذين يشاركون في أعمال مجلس حقوق الانسان بجنيف تؤكد أن الصحفي لا يملك فكره كل ما يملك هذه الأيام هو شيء من الحبر وشيء من الورق، في عصر لم يعد يهتم للحبر أو يأبه للورق.

إحدى الصحافيات التي أتت الى جنيف بدعوة من إحدى الوزرات الحكومية للمشاركة في أعمال الدورة 23 لمجلس حقوق الانسان (رغم أن تلك الدورة لم تتطرق سلبا أو إيجابا لملف حقوق الانسان في السودان ) اتصلت بي مستفسرة إذا كنت موجود بمقر المفوضية ؟!!! أجبتها :” أنا موجود في المقر الأوربي للأمم المتحدة” وبعد نصف ساعة اتصلت مرة أخرى لتقول لي أنها وصلت الى مبنى المفوضية قلت لها : أتقصدين المقر الأوربي للأمم المتحدة أجابت بنعم ! لم اجد مبرر لإصرار تلك الصحفية على اسم المفوضية و أي مفوضية تقصد؟!!!! المفوضية العليا لشؤون اللاجئيين ؟! أم المفوضية السامية لحقوق الانسان؟! مبنى أي من تلك المفوضيتين ليس له علاقة بمبنى المقر الدائم للأمم المتحدة بجنيف فكيف لصحفي لا يميز بين مسميات آليات الامم المتحدة ومنظماتها يستطيع ان يكتب عن ملفات معقدة مثل ملف حقوق الانسان و كيف له ان يكون مصدر إشعاع و تنوير لعامة الشعب إن لم يمتلك المعلومة كاملة ( فاقد الشئ لا يعطيه ) لهذا السبب تجاوز الاعلام السوداني البعد التنويري باعتباره مصدرا رئيسيا من مصادر الحقيقة، وتحول إلى نوع من أنواع الدعاية التي تستهدف التأثير في النفوس عبر إشاعة أفكار ومعلومات محددة، فقد أخفق الاعلام السوداني في صناعة رأي عام مقتنع بما لديه من تسويغات بما يمثل إخفاقًا للوظيفة الاقناعية التي تحدث تحولات في وجهات النظر السائدة حول الواقع المحلي والعالمي.

بفضل العم (قوقل) أصبح امتلاك المعلومة اسهل مما يتصوره العقل وسائل الاتصال المتاحة وفرت على الصحفي عناء البحث المضني عن المعلومة و مكان وجودها و مسمياتها فمن غير المبرر ان تملك القارئ معلومة و أنت لا تعرف منها الى القشور (فاقد الشئ لا يعطيه) لم يعد هناك شيء يدور في غرف الساسة المغلقة لا يمكن معرفته ولم تعد هناك أسرار مختبئة في أدراج السرية لسنوات ولا يمكن الاطلاع عليها وتنسحب المعرفة وكشف الكواليس على الصعيدين الدولي والاقليمي؛ و دونكم الأسرار التي كشفتها وثائق ويكليكس.

قال فرانكلين روزفلت الرئيس الأمريكي الأسبق : (العقول العظيمة تناقش الأفكار، والعادية تناقش الأحداث، أما الصغيرة فتناقش الأشخاص) الصحافة السودانية تفتقر إلى البعد الدولي لا تزال حبيسة قفص المحلية تتناول القضايا من منطلق محلي تحلل الاشخاص متجاهلة الافكار التي من شانها المساهمة في البناء والتنمية و ترقية المجتمع تركز صحافتنا في طرحها على المسميات؛ لا تخلو صحيفة يومية من خبر عن ياسر عرمان أو نافع على نافع أو الصادق المهدي أو البرلماني المثير للجدل دفع الله حسب الرسول برغم أن السودان في ظل وجود هؤلاء وصل الي أسوأ حالاته الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية

المتتبع لما يكتب في الصحف السودانية يتأكد له أن؛ ” كثير من صحفي اليوم هم من الفئة الثالثة التي وصفها روزفلت بالصغيرة أو الفقيرة فكرة وخبرة”ولكن هذا ليس دليل على أن الشارع السوداني “مُـفرغ من المعنى ومن الانتِـماء ومن الهدف ” القارئ السوداني لا يقرأ بالأبيض و الأسود ولا يقرأ القشور إنما يقرأ ما بين السطور.

لم تكن هناك مقالات تحليلية أو دراسات بحثية أو تقارير عن الأزمات المزمنة آلتي يعاني منها السودان لم تطرح الصحافة اليومية حلول للقضايا الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية لم تعالج الصحافة قضايا عامة الشعب و لم تلبي رغباتهم في عكس معاناتهم اليومية وعند ظهور قضية على مسرح الأحداث تهرول الصحافة إلى المسؤولين المعنيين بالامر مع تجاهل الرأي الاخر ليصبح المسؤول هو الخصم و الحكم في تلك القضية.

رغم أن الوعْـي الصحفي “مُـتخثر” بل فقد ترابطه على محاور كثيرة إلا أن هناك نفحات وسط هذه “الكتاحة” مثل الروشتات السياسية و الاجتماعية التي يكتبها الفاتح جبرة و وتحليلات الدكتور حسن مكي التي لا تسعى لحفظ موازناته الخاصة داخل افاداته،تلك الموازنات التي تجعل البعض بسبب المصالح الشخصية وتحذيرات المخاوف لا يقدم رأياً مجرداً لوجه الحقيقة..فحسن مكي مفكر لا ترهبه العواصف ولا تطربه المغريات و كذلك مدرسة الصحفي المرحوم سيد احمد خليفة التي تتميز بجرعة من الإثارة ، باعتبار أن الإثارة من أركان المادة الصحفية الخبرية وهناك ثلة من الأقلام الجريئة الهادفة التي ساهمت في إثراء الصحافة
السودانية بأمرها وخبراتها.

و حتى لا نظل كثيرا في دائرة الاحباط يجب أن نردد : ( والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيب!)

مداميك مبعثرة

نريد صحافة لا تتجاهل البعد الإقليمي و الدولي لقضايانا الداخلية نريد أقلام تكتب عن أن أفريقيا هي الموارد والعبث، و لا تقف كثيرا حول “أوروبا هي المنافق الذي يتاجر بقضايا حقوق الإنسان و لإيراها الا في سوريا” نريد صحافة تساهم في بناء الانسان السوداني و تنمية قدراته وبناء مجتمع قادر على تجاوز الفوارق الاجتماعية التي يعاني منها النسيج الاجتماعي نريد صحافة لا تشعرنا بالحزن لا على النفط ولا على الجغرافيا فقط بل تشعرنا بالحزن على الوجدان و على قيمة الإنسان.

صحفي بالأمم المتحدة بجنيف

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. (العقول العظيمة تناقش الأفكار، والعادية تناقش الأحداث، أما الصغيرة فتناقش الأشخاص) كلام ممتاز ونقد هادف :

    أعتقد نحن السودانيون اخذنا العبارة الثالثة من حكمة روزفلت هذه ،،، وفي النهاية الصحفيون هم من نفس الشعب ،،،،،، ويمكن ان تنظر الى الاطباء وعياداتهم بنفس المنوال وكذلك المعلمين واصحاب الدكاكين تجد أن التجديد والمجازفة سمة ضعيفة جدا ويسير بتثاقل في كافة نواحي حياتنا وذلك بسبب عوامل كثيرة ،،، أضف الى ذلك نحن شعب لسانوا طويل على كل جديد ونهتم بالقشور ونريد ان نكون كلنا على تنمط واحد نلبس الجلابية بنفس الطريقة ونسرح شعرنا بنفس التسريحة ولو شق الواحد شعروا وشكة بنطلونوا كان المجتمع يسخر منه (( شق الشعر ومد القعر)) ويعتبر ذلك عيب وذلك الى وقت قريب،،، والتعليقات السلبية التي تقتل الشخصية لتحبسها في سجون العقلية ،، ولكن الاغتراب والان الانفتاح الكبير على الدول الكبرى من خلال اللوتري واللجؤ السياسي والانساني سيأتي بأجيل تغير الواقع وقد بدأ ذلك ،،،،،

    يا أخي طه المشكلة ليست في الصحفيين المشكلة في الشعب السوداني ومثقفيه وعوامه حيث كلنا نلتقي في صفات سلبية محددة المتعلم والامي منا اذا لم نغيرها لن يغير الله ما بنا من سلبية مفرطة ،،،، ما هي الصحف التي تصدر بلغة غير عربية في السودان ،،،، السودانيون الذين يعيشون في العالم المتقدم والذين توفرت لهم تلك العيشة بسبب الانقاذ وطلب حق اللجؤ السياسي في تلك الدول المنفتحة ما هي رسالاتهم الاعلامية للعالم الخارجي سواء من خلال جرائد او محطات تلفزيونية ناطقة بغير العربية ،، ولو حاول أي ثلاثة يعملوا مشروع اعلامي خاص تصدق عليهم الصفة الثالثة في حكمة روزفلت هذه ويشخصنوا الامور العملية الخاصة بالعمل ويتحول الموضوع الى مشكلة شخصية ،،، لذلك السودان من الدول الفقيرة في مجال شركات المساهمة المحدودة لاننا اعتدنا الا نتفق وأطالب بعكس أغنية الفنان الراحل خوجلي عثمان عليه رحمة الله الى بدلا من ما بنختلف إالى ( قطع شك حانختلف قريب او بعيد حا نختلف)) إن الفترة الوحيدة التي لا يختلف فيها السودانيون حينما تجمعهم علاقة دائمة ويكونوا فيها مخلصين هي الفترة السنية من 8 سنوات الى 22 سنة أي قبل الدخول الى المجال العملي سواء كان وظيفة أو تجارة،، وبعد داك تعال شوف الفردانية والانانية فالكل يريد ان يكون على رأس الموضوع مهما كان هذا الموضوع تجاري او سياسي او غيره ،،

    الصحافة تحتاج للديمقراطية وأي صحافة بدون ديمقراطية تكون تمومة جرتق وتغييب للوعي رغم مكابدة بعض الصحفيين في توصيل الحقيقة للناس ،،،،

  2. ما قلتو عرب ..كلامكم مابتعرفو ؟ …قولى يقلقل القاف قلقلتا وغيرى يغيرو الغين تغيرا..عشان كده اخير نعترف باننا قوم عجم……………..

  3. للاسف هذا هو واقع(السخافة ) فى السودان ،هولاء هم متمرممى موائد الوزراء الذين يشحدون السفر مع الوزراء ،صحافييين لاعلاقة لهم بهذه الوزرارات لا من بعيد ولا قريب فقط يمسحون جوخ الوزراء،واذ كانوا الوزراء انفسهم لا يفقهون فى مثل هذه القضايا فما بالك بصحفى يتسول الاخرين ليكتبوا لها خبره او تقريرا

  4. ردا على الاخ تيسير
    اخى الكريم. لك التحية على ذالك النقد البناء. ذالك ان دله انما يدل على اننا بصحة جيدة طالما كلنا يعمل لهدف.ولك يا اخى ان تعلم ان مشكلة العنصرية فى السودان لم تكن وليدة الانقاز.بل انها مشكلة لها جزور ممتدة فى عمق التاريخ.ومسبباتهامعلومةللجميع.وتوالت الانظمة والحكومات ولم تتعامل معها بواقعية. وانااتفق معك ان الانقاز صبة الزيت على نار العنصرية فاشعلتها اكثر مما كانت .لان ذالك يخدم مصالحها..ولكن من قرائة الواقع ستظل المشكله قائمة حتى ولو ذهبة الانقاز .لان المشكلة فى السودان هى مشكلة هويه بالدرحة الاولى .وان كان الصراع قد اخذ طابعا سياسيا بشكل مختلف فى ظاهره .فبرامج التغير وانجاح الثورة اذاكان همها الاول اسقاط النظام ولم تتعامل مع تلك الشكلة بواقعية.فتكون المحصلة ( صفر )

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..