مصطفي سعيد … أزمة مثقف أم وهم ؟ا

مصطفي سعيد .. أزمة مثقف أم وهم ؟
رشيد خالد إدريس موسي
[email protected]
كتب الدكتور/ عبدالله علي إبراهيم مقالاً بعنوان مصطفي سعيد جغرافية الأكذوبة و تاريخها. تحدث فيه عن أزمة المثقف في عالمنا الثالث. و هي حالة إنفصام يعيشها هذا المثقف و هو يحاول التمسك بموروثه الحضاري و في نفس الوقت, يريد مجاراة الحضارة الغربية. هذا يسمونه صراع الأصالة و المعاصرة.
لقد تمثل هذا الصراع في شخصية مصطفي سعيد, بطل رواية ( موسم الهجرة إلي الشمال ) للأديب الطيب صالح. سافر مصطفي سعيد إلي الغرب و درس في جامعاتها و نهل من معين الحضارة الغربية , ما شاء الله له أن ينهل. و لكن لما عاد إلي بلده , دخل في صراع مع نفسه, بسبب عدم قدرته علي التصالح مع ذاته و التكيف مع بيئته التي غادرها منذ سنين بعيدة.
و السؤال الذي يطرح : تري هل تحدث الطيب صالح عن تجربته في هذه الرواية ؟ إن بيئة الرواية , هي نفس البيئة التي عاش فيها المؤلف وبعض شخوص الرواية , هم نفس الشخوص الذين يعيشون في هذه البيئة , من شمال السودان ( حسنة بت محمود , الطاهر ود الرواسي الخ ). و مؤلف الرواية , خرج من هذه البيئة و سافر إلي الغرب و عاش التجربة هنا و هناك, ثم سطرها رواية في إسلوب أدبي بليغ .
لقد غادر الطيب صالح , قريته ( كرمكول ) في ريفي الدبة في الشمالية , في أواخر الخمسينات من القرن العشرين و سافر إلي أوربا. كان ذلك بعد سنين قلائل من خروج الإستعمار الإنجليزي من بلدنا. عمل في هيئة الإذاعة البريطانية لعدة سنين. ترك أهله , يعيشون حياتهم البسيطة تلك. و هي حياة تمثل نموذجاً للحياة في سائر ربوع السودان. كان الطيب صالح يزور أهله ووالدته, كلما سنحت له الفرصة . و عندما يعود إلي قريته, يجد ألا جديد قد طرأ علي حياتهم الرتيبة تلك. حين غادر الطيب صالح قريته في نهاية الخمسينات, لم تكن بها مدرسة أولية. يقطع أهله مسافة عشرة كيلو مترات علي ظهور الحمير, ليتعالجوا و ليتسوقوا في مركز الدبة. زارنا الطيب صالح في مدرسة الدبة الثانوية العليا في عام 1977م. تحدث ليلتها طويلاً عن الأدب و الثقافة. لكنه لم يقل لنا كيف تكون العلاقة بين المثقف و أهله , و ماذا يقدم لهم. هذا سبب من أسباب أزمة المثقف في عالمنا الثالث , إذ يسجن هذا المثقف نفسه , في برجه العاجي و يدخل في صراع مع السلطة الحاكمة و كأنه يصارع طواحين الهواء, و ينسي أن هذه السلطة الحاكمة , التي تمارس القهر , نشأت في هذا المجتمع الصغير, حيث السلطة الأبوية Paternalism و حيث القهر و العلل الإجتماعية, التي ولدت بدورها علل أخري, أنتجت لنا هذا الديكتاتور الذي يتحكم فينا. لم تكن توجد كهرباء في مدرستنا و لا مياه نقية وقتها. و لا شك أنه تساءل , لماذا يدرس هؤلاء الطلاب في ضوء الرتينة و يشربون الماء العكر الذي ينقل إليهم من النيل علي ظهور الحمير, و هم يعيشون في أواخر القرن العشرين ؟! كانت لأمهاتنا بصارة في معالجة و تصفية موية الدميرة و جعلها صالحة للشرب, و ذلك قبل أن تصلهم شبكة الموية النظيفة , منذ أربعين سنة. لكن أين بصارة ناس الميري ؟ كان يعمل في مدرستنا وقتها مدرسين إنجليز شباب , قدموا حديثاً من بريطانيا. علقوا علي ماء الشرب في الأزيار قائلين , هذه مياه للري و ليست للشرب It is for irrigation, not drinking. لكن تعودوا علي نمط الحياة الخشن ذاك بعد حين. دخل أحدهم إلي الكنيف WC , لكن لم يعرف كيف يستخدمه. قالوا لهم , هذا هو الشرق الذي تحلمون بزيارته… ليس كله بخور و صندل و غابات إستوائية, بل في بعضه بؤس و أي بؤس. ماذا فعل آباءكم حين كانوا يستعمرونه ؟ لم يحملوا عنا عبئاً و لم يدعونا في حالنا. و يتواصل الجدل بين الأصيل و الدخيل!
لا شك أن الطيب صالح, تأثر بهذا البؤس الذي يعيشه الناس في ريف السودان, حيث ينظر المرء بعيون الآخرين, و هذا حال كل من يعيش في مجتمع آخر و كمواطن خرج من رحم هذا المجتمع. لكن لا أدري لماذا لم يعمل الطيب صالح , علي توظيف علاقاته الواسعة في الغرب, من أجل تقديم شئي لأهله ؟. و كما هو معلوم, فقد عاش الطيب صالح في إنجلترا و ناسب أهلها و نسل منهم. لماذا لم يقل لهؤلاء الذين يدعون أنهم مانحين, أنكم تحدثتم عن عبء الرجل الأبيض White man’s burden – أي دور الرجل الأبيض في تمدين الشعوب الأفريقية المتخلفة – فما هو دوركم في تخفيف هذا العبء الذي يدعي الغرب أنه يحمله علي ظهره؟
أما كان في مقدوره تسخير علاقاته هذه في مساعدة أهل قريته , في إنشاء مشروع زراعي صغير أو مركز صحي أو مشروع إنارة صغير أو محطة مياه صغيرة أو مدرسة متوسطة ؟ أنها لمفارقة حين يتحدث المثقف عن هموم وطنه , لكنه يقف عاجزاً عن تقديم شئي مفيد لمجتمعه الصغير.
لقد قرأ مصطفي سعيد عن كيف تصنع الشعوب ثروتها , في (ثروة الشعوب Wealth of nations ) لآدم سميث Adam Smith الإسكوتلندي الذي يعدونه أباً لعلم الإقتصاد , و عن كيف تتحقق الرفاهة الإجتماعية لبيجو Pigou الفرنسي و لباريتو Pareto الإيطالي و عن دوال المنفعة لإدجوورث Edgeworth الإنجليزي و عن كينز Keynes الإنجليزي و النقد الذي قدمه للنظام الرأسمالي و عن الإشتراكيين الفابيانيين Fabians , مؤسسو اللندن إسكوول ( مدرسة لندن للإقتصاد – مصنع الإقتصاديين ) و دعوتهم إلي التدرج في تطبيق الإشتراكية و بالوسائل السلمية, خلافاً لعوار الماركسيين الذين تبنوا العنف وسيلة لنشر و تطبيق فكرهم الماركسي. و كيف رفدت هذه الجماعة الفابية, حزب العمال البريطاني بالأفكار الخلاقة, التي قامت عليها دولة الرعاية Welfare state في الأربعينات الماضية, لدرجة أن الناس كانوا يجدون اللبن أمام أبواب منازلهم. أين ذلك الزمان ؟ و قرأ لماركس , نقده للإقتصاد الرأسمالي, مما أكده الواقع المعاش و دحض بعضه, و هكذا البشر, يصيبون و يخطئون. و قرأ لثورنشتين فبلن النرويجي و كوندراتيف الروسي و حديثهما عن الدورة التجارية و كيف تحدث الأزمة الإقتصادية كل حين, كما هو معاش في هذه الأيام. و غيره من المسائل الإقتصادية, كما قرأناه في مجال الإقتصاد التطبيقي, في عين شمس, و بعد سنين طويلة من قراءة عمنا مصطفي سعيد. ومن واقع الممارسة علمنا , أن الإقتصاد بصارة و تدبير, إذ لا تصلح نظريات الإقتصاد الرأسمالي و لا الإشتراكي و لا ما يسمونه الإقتصاد الإسلامي , مع السلوك الأخرق, كما هو معاش في بلادنا. ثم جماعة الكويكرز ( المتطهرين Quakers ) و دعوتهم إلي الفضيلة. و إرتاد أندية البلومزبري Bloomesbury و عاش صخب الحياة في لندن , أيام مجدها الفيكتوري و الثراء الفكري للقرن التاسع عشر. لكن لما عاد إلي قريته في شمال السودان و عاش المفارقة بين حياته في الغرب, حيث يضعون النظرية و يطبقونها و بين حياته في قريته الوادعة , تلك التي ترقد في منحني النيل , دخل في صراع مع ذاته و صاح : أين المنفعة في الذي قرأته ؟ لماذا أحس بالغربة في بلدي ؟ هل أحمل في جسدي شخصاً بديلاً Surrogate, أم أني إنسان بلا روح , أم أني أعيش الوهم ؟ و جرفه التيار بعيداً.
It si not acrisis of knowledge or imagnation,but it is a PURE FRUSTRATION
( موسم الهجرة للشمال)
قفز الكاتب الكبير (الطيب صالح) عبقرى الرواية العربية من خلال هذه الرواية إلى مستوى (العباقرة) وللعالمية في آن معاً ..
أكسبته الرواية شهرة اخترقت حدود العالم العربى للعالم كله وبلغاته المختلفة… وهى تمتاز كما يُجمع كل النقاد بتجسيد ثنائية التقاليد الشرقية والغربية واعتماد صورة البطل الإشكالى الملتبس على خلاف صورته الواضحة الشائعة في أعمال روائية كثيرة قبله..
. وقد وصفت وبحقّ بأنها أهم رواية عربية في القرن العشرين.. فقد ظلّ بطلها (مصطفى سعيد) يتحدّى كل أبطال الروايات العربية التى عالجت الازمة الحضارية بين الشرق والغرب..
قوه شخصيه (مصطفى سعيد) ومهاره الطيب صالح فى سبكها جعله قميصاً فضفاضاً يمكن الباسه لاى شخص وهنا مكمن عبقريه الطيب صالح.. عليه الرحمه ..
الملفت للنظر إن كل من قرأ رواية (موسم الهجره للشمال) يجتهد فى (البحث والتنقيب) عن شخصية (مصطفى سعيد) …
ألسيدة (جيزيلدا) الطيب زوجة العلامة الراحل عبد الله الطيب كتبت كلاماً مهما جداً حين حاولت فك (الحيرة و إماطة اللثام) عن شخصية شغلت النقاد كثيراً .(مصطفى سعيد) بطل رواية (موسم الهجرة للشمال)…..
النماذج التي قدمتها تبدو لى معقولة ومقبولة فى أغلبها لولا محاولتها فى بعضها التقليل من شأن عمل أدبى رائع وفريد ….
كما نجحت فى ضرب سياج محكم حول (مصطفى سعيد) من شخصيات (سودانية) محددة زاعمة بأن الطيب صالح قد (سمع) بها وأن (مصطفى سعيد) لا محالة بينها ….
هل هو الطيب صالح نفسه ؟ أم هو شخصيه مركبه أو خليط من عدة شخصيات كان الطيب صالح يعرفهم أو سمع عنهم؟ لماذا كل هذا الالتفاف حول هذه الشخصيه بالذات؟
الزعيم ( مصطفى سعيد ) كل معلوماتنا عن حياته تعتمد على مقولات …. وفرضيات ….
مصطفى سعيد ليس ولا يمكن أن يكون سيرة ذاتية للكاتب الرقم ( الطيب صالح ) …
مصطفى سعيد بطل متخيّل على عدة مستويات فى ذهن المؤلف ..
مصطفى سعيد قد صنع من مزج عدة شخصيات التقاهم بالتأكيد الطيب صالح أو سمع بهم عندما ذهب لأول مرة إلى لندن ..
أما أكثر الجوانب المثيرة والمحيطة ب(مصطفى سعيد) فهى عودته لبلده كمواطن غير (سعيد) وظاهرة عدم الرضا وعدم التوافق مع المجتمع الأصل كان قد تناولها عدد من الكتاب السودانيين …
وعليه… فإنه يحقّ القول أنّ (الطيب صالح) أظهر فيها فهماً شمولياً لمجتمعنا السودانى وحاول أن يطرح في روايته (رؤية ورؤيا شموليتين) تاريخياً.. اجتماعياُ… اقتصادياً.. وسياسياً لمشاكل هذا المجتمع على مستوى الفرد والمجتمع كله ومجمل علاقاته مع ذاته ومع الآخر مع ذاته فى مواجهة (جيوش الظلام والتخلف) فى المجتمع السودانى وكيفية الخلاص منها ومع الآخر مع الغرب الإستعماري وضرورة مواجهته ليتسنى له العودة إلى ذاته ومواجهة مشاكلها…. .
الرواية مبنية على مستويين فنيين يمثل كل منهما مرحلة زمنية وبالتالى وعياً متتابعا لإشكالية العلاقة بين الشرق والغرب. المستوى الأول تمثله شخصية مصطفى سعيد، بطل الرواية الذي يروي حكاية سفره إلى أوروبا، … والثاني تمثله شخصية الراوي الذي يلتقي بمصطفى سعيد، ويشكل استمرارا له، فهو ايضا يسافر إلى أوروبا للدراسة، ويعود إلى قريته ليعيش حياة عادية،
وفى ندوة أدبية أدارها د.غازي القصيبى (ألمح) الطيب صالح مرة بأنه إستوحى شخصية (مصطفى سعيد) من (المتنبى) ….
أظن أن (مصطفى سعيد) ضحية لظروف واقدار لا يد له فيها .. (مصطفى سعيد) ضحية لليتم وضحية للاستعمار وضحية للحضارة الغربية…
وتدور أحداث الرواية حول (مصطفي سعيد) الذى أظهر ذكاءً حاداص خلال مراحله التعليمية وفى إجادته لتعلم اللغة الإنجليزية فتمكن بمساعدة الإنجليزية السيدة روبنسون التى سبق وتعرف عليها أن ترسله إلى (مصر) لمواصلة تعليمه الثانوى ثم أرسلته إلى (إنجلترا) لمواصلة تعليمه العالى وحصوله على شهادة الدكتوراه فى الاقتصاد…
وخلال دراسته هذه استوعب حضارة (انجلترا) والغرب بصفة عامة فعاش فى تلك الحضارة وبعد تخرجه عمل على تدرِيس مادة علم الاقتصاد فى بريطانيا وتعرف على (نساء) الغرب وتزوج العديد منهن وانتحل الأسماء الكاذبة ليوقع الأوروبيات فى شباكه وصار ينتقل من واحدة لاخرى..
وبسببه انتحرت عدة فتيات بريطانيات وفى النهاية عاد للسودان فى قرية نائية من شمال السودان بعد أن قضى سنوات بالسجن بسبب جريمة قتل ..
انتهت حياته غرقاً فى النيل فى ظروف غامضة لم تعرف أسبابها بعد إعادته إلى موطنه فى السودان…
وفى الختــــــــــام :
أحساسى (الشخصى) بأن (مصطفى سعيد) الراوى هو ليس إلا الطيب صالح ب(ذاته) …
ولــلحــديـث بـقـيه …
الجــعــلـى ……….. مدينة الـدنـدر …….. الطــيب أهـلـها .. والــراقِ زولا ….
أرفعه مع وافر التكريم :
* للمكرم .. محمد سيد ابراهيم ( أب أحمد وسيد ) … الدندر
* للمكرم .. محمد سعيد (ذاك الشاب الخلوق المهذب ) … الدندر
* للمكرم .. معتز محمد الطيب ( المهندس المدنى الاديب الاريب الودود)
* ولشباب الدندر الصاعد ( على وبدرالدين) وتعظيم ســـــلام للاخاء الكريم …
سؤال لصاحب المقال ماذا قدمت لقريتك؟ اظنك قريت كل البتقول انه الطيب صالح قراهو وفي الغالب هاجرت زيه؟ :eek: :eek: