د. دقش وجاتكوث: الاثنين غلطانين

د. دقش وجاتكوث: الاثنين غلطانين (2)
فاضل كباشي
كلا، ليس هو احتكار للحقيقة لكنه موقف أملاه الضمير، فأنا أدعو للانفصال ولكن ليس على طريقة المهندس الطيب مصطفى، ولن التقي معه حتى لو عددت مائة سبب وعدد هو مائة سبب آخر، كما أنني أدعو للوحدة ولكن ليس على طريقة المؤتمر الوطني أو فيصل محمد صالح – صحفيون من أجل الوحدة أو حتى د. دقش بتحفظاته الإفريقية التي يرى أن على الإعلام السوداني مناقشتها، ولكن لضيق مساحة
عموده (عابر سبيل) فهو يعلم أن هناك إعلاماً حكومياً مرئياً أو مسموعاً إضافة إلى بعض الصحف التي لا تحتمل مجرد النظرة إليها في كشك الجرايد ناهيك عن الرد عليها، بسبب انعدام موضوعيتها. إنني في غاية السعادة كون حكومة الجنوب تحت قيادة د. رياك الإستراتيجست الضليع، تتعافى بخطوات ثابتة من هذا المرض اللعين وهو فوبيا الإعلام أو حرية التعبير- لابد أن أذكر أنني كنت في جوبا نهاية يونيو الماضي وقبض على أحد رجال البوليس فيما كنت أتجول قرب وزارة الداخلية، قلت له بجدية: “I am no spy. I am just searching for my friend x with whom I have an appoint” “Since you have an appointment with x that means you are an enemy of the people of southern Sudan”. ثم أخذني لمقر من مقرات الأجهزة المنية لكنهم أطلقوا سراحي بعد أقل من نصف ساعة من التحقيق. هذه الحادثة، على بساطتها، أفرحتني بقدر ما أحزنتني لأن صديقي الصحفي ولا staff جريدته أخبروني عن أية مضايقات تعرضوا لها من طرف حكومة الجنوب، بل لم يحجبوا عنه إعلاناتهم كما حدث لـ”رأي الشعب”، وتعال لمن تسمي الإذاعة القومية حيث قدم الزميلان صلاح التوم والسر السيد برنامجاً أسمياه “سواسية” سمعت منه حلقة تحدث فيها شخصان من معهد واحد، أظنه “مركز دراسات العالم الإسلامي- بالخرطوم” وأحدهما يدعي سليمان، تحدثا عن الاستفتاء، بالطبع جاء الناتج معبراً عن ذات النظرة العربية الإسلامية الأحادية التي ستطيح بوحدة السودان عما قريب كما سنرى في يناير القادم، فهذا الإعلام يا سيادة الدكتور دقش يهدم، ألا تذكر ساحات الفداء؟ هل يمكن أن ينتظر أي عاقل وحدة من أجهزة إعلامية أدمنت الرقص على طبول الحرب؟ لنعد بالذاكرة يا د. دقش إلى ستينيات القرن الماضي، أظنك لا تزال تذكر فيلم المغني الأعمى وهو “راي تشارلس” وهو يغني مع كورس من الأطفال البيض رائعته “Hit The Road Jack” التي تعالج قضية التفرقة العنصرية في مجتمع وليد وقيد التشكيل، ولا بد أن تكون أطياف أغنية “Unchain my Heart” و”جورجيا” وغيرها من أغاني هذا الراحل الفذ، تطوف وتحوم في الهواء حولك، ولكن لابد أن يغادر القطار لنرى إلى أين يتجه بنا: وحدة أم سواها، وبالله يا دكتور دقش، هل رأيت أي فيلم أمريكي منذ العشرين سنة الماضية لا يحتل فيه “الآفروأمريكانز” موقعاً؟ خذ “The Body- Guard” مثالاً، بل كر راجعاً أربعين عاماً للوراء أيام سيدتي بواتيه وجيم براون وأفلام رائعة مثل ?The Liberation of L.B Jones? عليه لا أعتقد أن توحد روياك مع د. لوال دينق والراحل د. جون قرنق كما أشرت في نهاية عمودك وعن حق، إلى “الأمريكيين سود وبيض وصُفر وسُمر خاضوا حرباً أهلية وواجهوا مشكلات كثيرة لكنهم أصروا على الوحدة وهم اليوم أنموذج رائع لكل العالم في التعددية والتسامح العنصري والديني”.
د. دقش، أنا لست مساوياً لك في المعرفة، كلا؛ ولا أتجرأ على د. لوال دينق ولا د. قرنق في مقاربتكم هذه، لكن، ألا فأعلموا أن أي دولة.. أي دولة هي أفضل منا بما في ذلك الصومال القابعة في قعر بئر الدول الفاشية، ودليلي أن الحرب فيها استمرت حوالي عشرين عاماً ونحن استمرت حربنا أربعين عاماً وهي الآن ذات تجليات مختلفة في دارفور وl.R.A وجورج أتور وأبيي ومرشحة للتفاقم، لذلك فالحديث عن الأنموذج الأمريكي لا جدوى منه، دعونا نتعاطى مع ما يشبهنا ويخجلنا حقاً: الصومال، تشاد، اريتريا، اثيوبيا، يوغندا، نيجيريا، كينيا.. الخ، فكل شوكة بسِلُّوها بدربها”، فهذه الدول الافريكانية التي يرى د. دقش أن يتجنب تحفظاتها يتمتع فيها المواطن على الأقل بحرية الشخصية، حيث لا يوجد Dress- Code. هل أبدأ سمعت بواحدة تدعي لبنى حسين البوروندية أو المصرية أو الجيبوتية حتى؟ هذه مشاكلنا ردت إلينا. والآن، قل لي يا د. دقش وأنا مصغ لإجابتك “من هو ذلك المجنون الذي ينفلت من هذه المصحة “One Flew over the cukoos nest” ليعود إليها طائعاً مختاراً؟ ماذا سيخسر الجنوب سوى قيوده؟ ويقال أن مالك عقار قال بأنه يريد أن ينضم بولاية النيل الأزرق إلى جهة أخرى، وجنوب كردفان تتحدث عن مشورة شعبية، هل تبقى جزء من الشمال أم تتخارج؟ دارفور علت فيها صيحات أخير منها المشورة الشعبية، إزاء هذا ماذا تتوقع من مواطن الجنوب وهو يرى أمام عينيه مسرح اللا معقول هذا؟ “ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد” لكن هذه المضغة فسدت بتطاول بنيانها وتجاهل إنسانها، فماذا تتوقع، سيدي، وأنت المسلم؟ كيف تكون هناك وحدة في واقع سياسي واجتماعي وثقافي وديني يكتظ بكل هذه المرارات التي اختصرها بروفيسور حسن مكي بقوله (أجراس 5 سبتمبر) “بلادنا مأزومة والعقل السياسي السوداني لم يتكامل بعد” ونسأله “متى سيتكامل؟” ما هي هذه “الوحدة” حتى يشقى الجنوب في إطارها مجدداً؟ أما الصحوة ينشدها د. دقش أدنى منها السراب، أسمعوا د. مصطفى عثمان إسماعيل يقول في القضارف ما أوردته صحيفة (الأخبار) إذ “كشف عن حملة (كبيرة)، في الجنوب ستنطلق بعد شهر رمضان يقودها رئيس الجمهورية عمر البشير ومعه وفد من المؤتمر الوطني بشأن المناداة بالوحدة وضرورة تحقيقها؛ مشيراً إلى أن الإستراتيجية التي وضعها حزبه هي أن يعمل على تحقيق الوحدة لحظة إدلاء المواطن الجنوبي بصوته” إلى هنا انتهت الإستراتيجية، جُمل إنشائية يمكن لأي فرد أن يزايد عليها بإستراتيجية أخرى ويقول إستراتيجيتي، أنا المواطن تقوم على أن أعمل للوحدة حتى بعد مائة عام عقب إدلاء المواطن الجنوبي بصوته” لكني أخاف أن تتمخض هذه الإستراتيجية إلى “جمل ماشي” وحسب!
أجراس الحرية
عندما صدرت أيام النتخابات الفتوى المشهورة بأن من يصوت للحركة الشعبية كافر و من يؤجر لهم منزلا كافر و كان صوت البوم ينعق بشتم رموز الحركة و يتناول قضايا الوطن بروائح العنصرية و يحط من قدر أهل الجنوب باستعلاء عنصري كريه … عندها تساءل العقلاء : هل تبقت مساحة للوحدة؟ و هل يمكن لمن فقد أكثر من مليونين من أهله و دمرت دياره ثم جاء للسلام ليجد أنه منظور إليه باعتباره أدنى و أقل درجة و من عرق أدنى بل و حتى عندما يُمنح منصب وزير يجد أن وزير الدولة أو وكيلها هو الممسك بأمر الوزارة و أنه عبارة عن أراجوز … هل سيجد في نفسه رغبة في الاستمرار في وضع كهذا ؟ هل من يجد أن من صالحوه و هم يبتسمون أمام كاميرات التصوير ، يجدهم غشاشين ماكرين و أن ابتساماتهم كانت سخرية منه و ضحك عليه ؟ هل سيبقى في نفسه شيء من الرغبة في الاستمرار معهم ؟ هل من يرى بناته يجلدن و عمر إحداهن 16 عاما بتهمة اللبس الفاضح … هل سيحس برغبة في البقاء مع هكذا قوم ؟ المؤتمر الوطني و علماء السوء و الفكر الظلامي سيظل يكلمنا عن مشروع وهمي هو المشروع الحضاري و عن كذبة اسمها تطبيق الشريعة و بعد حين سنكتشف أن أهل هذا المشروع يفتقدون الذكاء و معرفة العصر و أن نتاجهم أجيال خالية من الابداع في كل المجالات و أن العالم يسير إلى الأمام و هم يجروننا للخلف ، للحرب و الأحقاد و الفتن … لن تنفع الكروش المنفوخة و الجيوب المتورمة بالدولارات و لا القصور الملأى بحور الدنيا و الخدم و الحشم … لن تنفع يوم يأتي الحريق الذي ندعو الله أن يحفظ منه الأبرياء و المستضعفين .